الباحثة نبيلة القوصي
تقي الدين أبو بكر الحصني الدمشقي الحسيني الشافعي
الشيخ العالم العلامة، الزاهد الورع
تقي الدين أبو بكر الحصني الدمشقي الحسيني الشافعي
752 / 829 هجري الباحثة نبيلة القوصي
عرفت مدينة دمشق على مر العصور، بالزوايا و الخانفاه و الرباط أو التكية، وظيفتهم الأساسية الانقطاع عن الدنيا لذكر الله تعالى، و إحتواء الفقراء و المحتاجين، ندعوكم للتعرف على إحدى زوايا الشاغور بدمشق، المعروفة بزاوية الحصني.
وفي اللغة العربية، الزَّاوِيَةُ : المسجدُ غير الجامع ليس فيه منبر، الزَّاوِيَة: مأوّى للمتصوِّفين والفقراء.
من صاحب هذه الزاوية الحصنية ؟
لعالم علامة تنوعت مؤلفاته، و اشتهر بالزهد و الورع الشديد، قدم دمشق من حوران، يتعلم العلم و الدين و يتفقه على أيدي علمائها الأجلاء، الشهير بالحصني، انقطع في خلوته بالشاغور إلى أن توفي.
اسمه: تقي الدين أبو بكر الحصني.
ـ قال ابن العماد، صاحب شَذَرَات الذَّهَب ، في وفيات عام (829هـ ) :
وفيها الشيخ تقي الدين الدِّين أبو بكر بن محمد بن عبدالمؤمن بن حريز بن سعيد بن داود بن قاسم بن علي بن علوي بن ناشي بن جوهر بن علي بن أبي القاسم بن سالم بن عبدالله بن عمر بن موسى بن يحيى بن علي الأصغر بن محمد التّقي بن حسن العسكري بن علي الهادي بن محمد بن الجواد بن علي الرّضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصّادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب .
و قال ياقوت الحموي / معجم البلدان، حصن مقدية: هو من أعمال أذرعات من أعمال دمشق.
الحِصْني ـ نسبة إلى الحِصْن قرية من قرى حوران، م الدمشقي ، الفقيه الشافعي .
مولده و نشأته:
ولد سنة 752 هجري ، وتفقه بالشّريشي ، والزُّهري ، وابن الجابي ، والصَّرْخَدي ، والغَزّي ، وابن غَنُّوم . وأخذ عن الصَّدر اليَاسُوفي ، ثم انحرف عن طريقته . وحطّ على ابن تَيْمِيَّة ، وبالغ في ذلك ، وتلقى ذلك عنه الطلبة بدمشق ، وثارت بسبب ذلك فتن كثيرة .
وكان يميل إلى التقشف ويبالغ في الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر ، وللناس فيه اعتقاد زائد .
ـ قال القاضي تقي الدِّين الأسدي :
كان خفيف الرّوح، منبسطاً، له نوادر، ويخرج إلى النُّزَه ، ويبعث الطلبة على ذلك مع الدِّين المتين ، والتَّحري في أقواله وأفعاله، وتزوَّج عدّة نساء، ثم انقطع وتقشَّف وانجمع، وكل ذلك قبل القر ، ثم ازداد بعد الفتنة تقشّفه وانجماعه، وكَثُرَت مع ذلك أتباعه، حتَّى امتنع من مكالمة الناس، ويُطلق لسانه في القُضاة وأصحاب الولايات .وله في الزُّهد والتَّقلُّل من الدّنيا حكايات تضاهي ما نُقِلَ عن الأقدمين، وكان يتعصب للأشاعرة، وأصيب في سَمْعِهِ وبصره فضعف .
وشرع في عِمَارَة رِبَاط داخل باب الصغير، فساعده الناس بأموالهم وأنفسهم، ثم شرع في عِمَارَة خان السَّبيل ففرغ في مدة قريبة .
ـ و قال الجغرافي عبد القادر النعيمي / الدارس في تاريخ المدارس:
الزاوية الحصنية، [القرن التاسع الهجري]:
أنشأها الشيخ تقي الدين الحصني بالشاغور، تحول معظمها اليوم إلى دور سكنية .
ـ قال ابن قاضي شهبة في طبقات الشافعية:
( وله في الزهد والتقلل من الدنيا حكايات لعل أنه لا يوجد في تراجم كبار الأولياء أكثر منها، ولم يتقدموه إلا بالسبق في الزمان، و تزوج عدة ثم انحرف قبل الفتنة عن طريقته و أقبل على ما خلق له و تخلى عن النساء و انجمع عن الناس مع المواظبة على الاشتغال بالعلم و التصنيف، ثم بعد الفتنة زاد تقشفه و زهده و إقباله على الله تعالى، و صار له أتباع و اشتهر اسمه و امتنع من مكالمة كثيرين لا سيما من يتخيل فيه شيئاً و صار قدوة العصر في ذلك الزمان، و تزايد اعتقاد الناس فيه و ألقيت محبته في القلوب و أطلق لسانه في القضاة، و حط على التقي بن تيمية فبالغ و تلقى ذلك عنه طلبة دمشق و ثارت بسببه فتن كثيرة، و تصدى للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر مع مزيد احتقاره لبني الدنيا و كثرة سبهم حتى هابه الأكابر، و انقطع في آخر وقته في زاوية بالشاغور و كتب بخطه الكثير قبل الفتنة، و جمع التصانيف المفيدة في الفقه و التصوف و الزهد وغيرها ).
و قال في موضع آخر: و كان يتعصب للأشاعرة و أصيب سمعه و بصره فضعف و شرع في عمارة رباط داخل (باب الصغير) فساعده الناس بأموالهم و أنفسهم ثم شرع في عمارة خان السبيل ففرغ في مدة قريبة، و كراماته كثيرة و أحواله شهيرة، ترجمه بعضهم بالإمام العلامة الصوفي العارف بالله تعالى المنقطع إليه زاهد دمشق في زمانه .
حياته العلمية:
تفقه على عدد من المشايخ الموجودين بدمشق، و تشارك هو والعز عبد السلام القدسي في الطلب وقتاً، و كان مواظباً على الإشتغال بالعلم حتى مع خلوته، و كان قد كتب بخطه كثيراً قبل الفتنة و بعدها، في الفقه، و في التصوف و الزهد و الرقائق و في الحديث، و في العقيدة، و في التفسير. و كان بروزه في المجالين الأولين، يليهما الحديث، و بعده العقيدة، ثم التفسير.
من مؤلفاته :
شرح أسماء الله الحسنى. وقد ذكر بعضهم: أنه مجلد، ويظهر من اسمه أنه شرح لأسماء الله تعالى، وقد ألف في هذا الموضوع جماعة من العلماء، ومؤلفات في التفسير.
شرح صحيح مسلم. ويقع في ثلاثة مجلدات.
شرح الأربعين النووية. ويقع في مجلد، تأليف يتعلق بأحاديث الإحياء.
وقد اختلف المترجمون في ذكره؛ فقال ابن العماد نقلاً عن السخاوي: وخرّج أحاديث الإحياء في مجلد. وقال الغزي:لخص أحاديث الإحياء. و قال ابن قاضي شهبة: ولخص تخريج أحاديث الإحياء في مجلد.
و له مؤلفات في الفقه وقواعده:
شرح التنبيه، يقع في خمسة مجلدات، وقد شرح به كتاب التنبيه للشيخ أبي إسحاق الشيرازي.
والكتاب: شرح متوسط، وفيه عناية بالأحاديث من ناحية تصحيحها أو تضعيفها، ويكثر صاحبه من النقل عن العلماء المتقدمين، وخصوصاً الرافعي والنووي.
كفاية المحتاج في حل المنهاج، ويقع في خمسة مجلدات، وهو شرح لمنهاج الطالبين للنووي.
كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار. وقد طبع هذا الكتاب أكثر من مرة.
وقد أثنى عليه السخاوي، فقال: (حسن إلى الغاية) . وقد اختصر هذا الكتاب أبو زرعة، في كتاب سماه: اقتباس الأنوار، وفرغ من تأليفه سنة 902هـ .
و شرح النهاية، و هو شرح لكتاب اسمه النهاية، ينسب للإمام النووي، وقد اختصره النووي من غاية الاختصار لأبي شجاع.
جواب في الرد على ابن تيمية في مسألة شد الرحال للزيارة، و له مؤلفات في التصوف و الزهد.
ـ وقال الشوكاني، في كتاب البدر الطالع:
السيد أبو بكر بن محمد بن عبدالمؤمن بن حريز ـ بمهملتين وآخره زاي ـ العَلَوي الحسيني الحصني ثم الدمشقي الشافعي المعروف بالتقي الحصني (ولد) سنة 752هـ .
وأخذ العلم عن جماعة من أهل عصره وبرع ، وقصده الطلبة وصنف التصانيف المتنوعة .
وفاته:
وتوفي بخلوته بجامع المزَّاز بالشاغور ، بعد مغرب ليلة الأربعاء خامس عشر جمادى الآخرة وصُلِّي عليه بالمصلى ، صلَّى عليه ابن أخيه ، ثم صُلِّي عليه ثانياً عند جامع كريم الدِّين ، ودفن بالقُبيبات في أطراف العمارة على جادة الطريق عند والدته .
وحضر جنازته عَالَمٌ لا يحصيهم إلاّ الله ، مع بعد المسافة وعدم علم أكثر الناس بوفاته ، وازدحموا على حمله للتبرك به ، وختم عند قبره ختمات كثيرة ، وصلّى عليه أُمَمٌ ممن فاتته الصلاة على قبره ، ورؤيت له منامات صالحة في حياته وبعد موته .
رحمه الله، و جعلنا الله و إياكم خير خلف لسلف صالح.
المصادر و المراجع:
ـ طبقات الشافعية / ابن قاضي شهبة، ت: 851هجري.
ـ الدارس في تاريخ المدارس / النعيمي، ت: 927هجري.
ـ شذرات الذهب فيمن ذهب / ابن العماد، ت: 1089هجري.
ـ البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع / القاضي محمد الشوكاني، ت: 1250هجري.
ـ الأعلام / خير الدين الزركلي، ت:1396هجري.