مميز
EN عربي

الفتوى رقم #996585

التاريخ: 10/08/2020
المفتي:

هل يكفر صيام يوم عرفة الكبائر

التصنيف: علم السلوك والتزكية

السؤال

هل يكفر صيام يوم عرفة الكبائر وجزاكم الله خيرا

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسولِ وآله وصحبه ومن والاه، وبعد؛ ففي البداية إنَّه لا شك أبداً بموعود رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل في الصحيح: (صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده..) ونرجو من المولى القدير سبحانه بياضَ صفحةِ أعمالِ مَنْ يَصومُه، لكنْ مِنْ عظيم عَدْلِ اللهِ تعالى أنْ رَهَنَ قَبولَ فاعِلِ الكبيرة بالتوبة النصوح سرُّ ذلك _والله تعالى أعلم_ أنَّ غالبَ الكبائرِ مُتَعَلِّقَةٌ بحقوقِ الغَيْرِ، ومِنَ المعلومِ أنَّ مَغفرةَ مثلِ هذا الذَّنْبِ تَحْتاجُ إلى اسْتِعفاء صاحبِ الحقِّ أو رَدِّ الحقِّ إلى أَهْلِهِ أو رَدِّ إلى نِصابِه فمِنْ أَجْلَى الأَمْثِلَةِ أكْلُ الرِّبا مثلا والتوبة منه ما قاله سبحانه(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ*فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ) إذن فلا بد مِنْ تزكية النفسِ مِنْ أَكْلِ الحرام، ومِنَ الأَمْثِلَةِ أَكْلُ مالِ اليتيم، فلا بد مِنْ ردِّه إلى صاحبِهِ لِتُقْبَلَ توبةُ آكلِ مالِ اليتيمِ الذي قال فيه سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً)

هذا؛ ولعل بيانَ اللهِ تعالى في سورة الفرقان يوضِّحُ المرادَ قوله تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاما*يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً*إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً) (إلَّا مَنْ تَابَ) وذلك للرجوع إلى ما يُسَمَّى بالتوبة النَّصوح المتعلِّقة بالإقْلاعِ عن الذَّنْبِ أوَّلاً، والنَّدَمِ ثانياً، وعَقْدِ العَزْمِ على عَدَمِ العَوْدِ ثالثاً، ثم الخَتْمِ بِأَهَمِّ شرْطٍ وهو رَدُّ الحقوقِ إلى أَهْلِها رابعاً.

وتلك هي حِكْمَةُ الإسلامِ في التفصيلِ عند ذِكْرِ بعضِ الْمُبَشِّراتِ كقولِهِ صلى الله عليه وسلم مثلاً في الصحيح: (الصلواتُ الخَمْسُ والجمعةُ إلى الجمعةِ ، ورمضانُ إلى رمضانَ مُكَفِّراتٌ ما بَيْنَهُنَّ إذا اجْتُنِبَتِ الكبائر)

ومعلومٌ أنَّ الإسلامَ دينُ الحقِّ بالحقِّ للحقِّ ومِنْ أَجْلِ الحَقِّ، ولو قَرَّرَ تكفيرَ الكبائر لَسَلَبَ الكثيرُ مِنَ الناسِ ما يشتهون من الحقوقَ، ثم نهوا الأمر بصوم يوم عرفة وهذا مالا يستقسم مع العدالة السماوية

ألا ما أعظم هذا الدين الذي جعل من العبادات اللازمة مدخلا لقبول الحقوق المتعدية فاللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما تعلمنا وزدنا علماً وفقها في الدين وألهمنا رشدنا.