مميز
EN عربي

الفتوى رقم #55265

التاريخ: 11/07/2016
المفتي:

ضوابط في الغيرة المحمودة والغيرة المذمومة

التصنيف: أحوال شخصية

السؤال

السّلام عليكم و رحمة الله وبركاته أرجو أن تساعدوني، فأنا طالب في فرنسا، وأنا في حالة حيرة من نفسي. أنا شابّ أريد الزّواج، وأنا غيور جدّا. لا أرضى أن تعمل زوجتي خارج منزلي، ولقد علمت أنّ ذلك من حقّي، إن وفّرت لها ولأسرتي أسباب العيش. ولكن زيادة عن ذلك، لا أحبّ أن تكلّم زوجتي الرّجال الأجانب (إلاّ في حالة ماسّة بالطّبع). ومشكلتي الأخيرة مع الإنترنت وما إلى ذلك، مثل "فايسبوك". قد سبق أن غضبت كثيرا من خطيبة كنت سأتزوّجها بسبب تكلّمها مع رجال على الشّبكة، ولو لأسباب "حميدة". وزيادة على هذه المشكلة مع تلك الأجهزة، أنا لا أرضى أن تشاهد زوجتي بعض الشّيوخ الشّباب من بعض الفضائيّات، كما لا أرضى لنفسي مشاهدة الشّابّات، ولو يقلن قولا حميدا. ولا أجد في البلد الّذي أقيم فيه من يقبلن وجهة نظري، إلاّ من بعض من يسمّين أنفسهنّ "سلفيّات"، فيرفضنني من حيث المبدئ، عندما يعلمن أنّ من أجلّ المشايخ عندي الشّيخ سعيد رمضان البوطي رحمه الله. وإن أردت الإلتفات إلى بلدي الأصلىّ، فلا أكاد أجد في تونس من يوافقني الرّأي في هذه المسائل الشّخصيّة. هل هذه الإختيارات من حقّي، أم هل أنا من المبالغين في هذه الغيرة، الّتي أحسّ أنّه ليس بإمكاني إزالتها من نفسي؟ أرجو أن تستجيبوا لأخيكم وابنكم المستنصح، وبارك الله فيكم.
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته, وبعد؛ فإنَّ الجذْر لما ذكرتَ مرتبطٌ بالغَيْرة على الشيء وهي في الأصل أمرٌ محمودٌ غيرَ أنَّه على المسار الذي ذكرت هو مذموم مَقيت لأنك قرنتَه بهوى النفس, لأنك تخطَّيْت به إلى التعدِّي على ثَوابتَ فِطْرِية لا تملك إلغاءَها لأنها واقعٌ طبيعيٌّ, مِن ذلك نظرُها إلى مثيلاتها أو إلى الصالحين من عباد الله المذكِّرين بدين الله تعالى على نظام الأدب الشرعي الذي لا يُخرج عن مطلب المكارم التي يدعو إليها دينُنا السَّمْح ولا يؤدي إلى فتنة, فالغَيْرةُ في غير موضعِها بابٌ بغيضٌ من أبوابِ سوءِ الظن بعباد الله يودي بصاحبه إلى الآثام والمهالك, والدواءُ الناجع هو أنْ نجعل من الشرع الحنيف ميزاناً لأعمالنا وأهوائنا, فما وَزَنَهُ الشرعُ قَبِلْناهُ وتَفاعَلْنا معه, وما لا فلا. أقول يا سيدي؛ حذاري من التشدُّد لأنه مُفرَزُ الهوى, فالعملُ بحكم الله تعالى هو مَصْدَرُ الراحة والاسترواح, ولا يَعْنينا مَن يَرُدُّ الحقَّ وأهلَه ذلك أنَّ العِلَّةَ عند أولئك هي ذاتُها التَعَصُّبُ المقيتُ الذي أدى بنا إلى تمزيقِ أنفسِنا بأنفسِنا, وشيطانُ الهوى فينا من إنسٍ وجن يُصَفِّقُ ويُغْرِي ويُهَيِّجُ للمَزيد. بقي لَفْتُ النظر إلى مسألة عمل المرأة, فأقول: إنَّ اختيارَك أنْ تكفي زوجتَك النفقة فذلك من الواجبات اللازمة التي تأثم يتركها ولا مِنَّة لك عليها بها, فعمل المرأة داخل في سلَّم الأولويات التي يفرضها الواقع. أخيرا؛ أقول إنْ كنت باحثا عن حكم الله تعالى إجلالاً وخشية فأنت ممَّنْ يملك الإمكان الذي نفيتَه عن نفسك وَهْماً, وإنْ كان الأمرُ على العكس فأنت بحاجة إلى تصحيح المعاملة مع الله في نظام معرفة دينه وأحكامِه, والإكثار مِن ذكره سبحانه فإنَّه الدواءُ الذي ليس دونَه إلا الداء. أدعو لكَ بالسداد والرشاد والتوفيق.