مميز
EN عربي

الفتوى رقم #54403

التاريخ: 03/02/2016
المفتي:

أيهما أولى الاشتغال بحفظ القرآن أم تلاوته

التصنيف: القرآن الكريم وعلومه

السؤال

السلام عليكم قرأت في كتاب إحياء علوم الدين للإمام الغزالي أن جل الصحابة رضي الله عنهم لم يحفظوا القرآن الكريم كاملاً وأنا الآن بعمر 23 سنة و قد أكرمني الله بحفظه بعمر 12 سنة وللأسف نسيت منه الكثير فهل اشتغل بحفظه الآن ام بالتلاوة ثواب اكبر و أنفع للسالك لطريق الآخرة؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛ أقولُ بِدايةً فإنه لابد من معرفة حُكْمِ الشرع المتَعَلِّقِ بحفظ القرآن. لِنَعْلَمْ أنَّ حِفْظَهُ فَرْضُ كِفايةٍ إذا قامَ به البَعْضُ سَقَطَ _الإثم_ عن الباقين, وأما قراءتُه ضبطاً على قارئ حيٍّ ضابطٍ تلقِّياً منه كما تَلَقَّى عن ضابطٍ مِثْلِهِ بِسَنَدٍ متصل عن مثله إلى صاحبِ القراءة المختصِّ _كحفصٍ_ إلى الصحابيِّ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فرضُ عين. هذا؛ ومنهجُ الكثيرِ مِن أَهلِ العلم لإسكان حرف القرآن في القلب هو تلاوتُه الدَّؤُوبة كَوِرْدٍ غير مقطوع, وذلك مِن أجل العَيْشِ في محرابِ التَدَبُّرِ لكتابِ اللهِ تعالى فإنها طريقةٌ ناجعة لاستقرار نور القرآن في صدر القارئ. ثم اعلم أنَّ بعضَ أهلِ العلم فَسَّرَ النسيانَ المحذَّر منه هو نِسيانُ قراءةِ الحرفِ أَصلاً وذلك بعدمِ القُدْرةِ على ضبطه قراءةً حاضرةً سليمةَ المخارج والأحكام والصفات للحروف, فالقراءة على الشرط المذكور هو المطلبُ الأساس. ودونك بعضاً من الأحاديث المسعِفَة, روى ابنُ حِبان بسند حسن عن جابر رضي الله تعالى عنه, أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (القرآنُ شافعٌ مشفَّعٌ, وما حِلٌ مصدَّق, من جعله أمامَه قادَهُ إلى الجنة, ومن جعله خلفَ ظهره ساقه إلى النار) فكم من حافظ للقرآن وهو غير محفوظ به حافظٍ لحرفه غائبٍ عن أمره ونهيِه بعيد عن ربه حامل لثقل الحجة على نفسه!! وفي الحديث القدسي فيما أخرجه الترمذي عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقول الربُّ تبارك وتعالى مَن شغلَه القرآنُ عن مسألتي أَعْطَيْتُه أَفْضَلَ ما أُعْطِي السائلين, وفَضْلُ كلامِ اللهِ تعالى على سائرِ الكلامِ كفضلِ اللهِ على خلقِه) ثم تأمَّل معي هذا لحديث المبشِّرَ عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقال لصاحب القرآن اقرأْ وارقَ, ورتِّلْ كما كنت تُرَتِّلُ في الدنيا فإنَّ مَنْزِلَكَ عند آخرِ آيةٍ تقرؤها) يقول الخطَّابي: أي فيقالُ: للقارئ ارقَ في الدرج على قدر ماكنت تقرأ مِن آي القرآنِ فمَن استَوْفَى قراءةَ جميع القرآن استولى على أقصى درج الجنة في الآخرة, ومَن قرأ جُزأً منه كان ترقِّيه في الدرج على قدر ذلك فيكونُ منتهى الثواب عند منتهى القراءة. لذلك كان مِن الهديِ النبويِّ استعراضُ القرآنِ وتكرارُ تلاوتِه كلما ختَم القارئ, أي عاود استهلال القراءة مجدَّداً كما في الأثر: (إنَّ الله يحِبُّ العبدَ الحالَّ المرتحل) الذي ما يبلغُ المنتهى حتى يجدِّدَّ به عبادةً جديدةً إلى آخر نفسٍ من الحياة, وقد كان هذا ديدنَ السلف رضي الله عنهم وربما ختم أحدُهم كاملَ القرآن في سبعة أيام, بل إنَّ منهم من ختم القرآن كاملاً في ركعتين كأبي حنيفة عليه الرحمة. ومعلومٌ أنَّ القرآنَ سريعُ الحفظِ سريعُ النسيانِ لجمالِه وجلالِه ومنهجِ الرُّبُوبيَّة فيه, لأنه يعلو ولا يُعْلَى عليه وما ذكرنا خيرُ سبيل لاستقرار نور حرفِه في صدرِ القارئ, وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: (تعاهدوا القرآن فوالذي نفسُ محمدٍ بيدِه لهو أَشَدُّ تفَلُّتاً مِنَ الإبلِ في عُقُلِها). فاللهم اجعل القرآن العظيم ربيعَ قلوبنا وجلاء همومنا وأحزاننا, اللهم ذكِّنا منه ما نُسِّينا وعَلِّمْنا منه ما جَهِلْنا وارزُقْنا تِلاوتَه آناءَ الليلِ وأطرافَ النهار.