مميز
EN عربي

الفتوى رقم #54261

التاريخ: 06/01/2016
المفتي:

القرب من النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

السلام عليكم ... سؤال للشيخ الفحام حصراً لو سمحتم .. كيف يصبح الانسان اقرب الناس لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على مستوى العالم الاسلامي ؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته, وبعد؛ فإني لَأَرْجُو اللهَ تعالى أنْ يَزيدَنا معرفةً بقدْر نبيِّنا الأكرم عليه الصلاة والسلام وما خَصَّه الله تعالى به من خصائصَ أَبْرَزَتْ المزيدَ مِن عظيمِ شأنِه المترجِم لدوامِ استمرارِ ارتقائِه في درجاتِ السُّمُوِّ, ودوامِ امتيازِه عندَ ربِّه في كلِّ مطلبٍ لاسيما في حقِّ أمتِّه التي جُعل الرابط بينَهُ وبينَها أثير الحبِّ الخالص المثمر لطاعتِه واتِّباعِه على نظامِ الحبِّ الخالصِ الآمِنِ الكامِنِ معناهُ وحقائقُه في بيان الله القائل: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) حيث جعل سبحانه الاتِّباعَ بين طَرَفَيْ الحُبِّ, فالحُبُّ يَنهضُ بالقلوب نهضةً لطائفيَّة تَطْوِي المسافاتِ وتَقْضِي الحاجاتِ, تدبري معي هذا الحديث الشريف, يقول مَن لا يَنْطِقُ عن الهوى صلى الله عليه وسلم: (حياتي خيرٌ لكم, تحدِثون ويُحْدَث لكم, فإذا مِتُّ كانت وفاتي خيراً لكم تُعْرَضُ عليَّ أعمالكم, فإذا رأيتُ خيراً حمِدْتُ الله تعالى, وإنْ رأيتُ غيرَ ذلك استغفرتُ الله لكم) رواه ابن سعد عن بكر بن عبد الله مرسلاً, وقال الحافظ المناوي: رواه البزار من حديث ابن مسعود. قال الهيثمي: ورجالُه رجالُ الصحيح. فبالتأمُّلِ والتَّدَبُّر لهذا الحديث ندركُ تماماً آصِرَةَ العلاقةِ وقوتهِا بين النبي صلى الله عليه وسلم والأمة, وأنَّ مادَّتَها الأساس الحبُّ الخالص الذي لا يَنْقضي إثمارُه على الإطلاق, لكنْ شريطةَ شكرِ تلك النعمةِ بالائتساءِ بذلك المحبوب صلى الله عليه وسلم لذا كانت صلةُ الصحابة الكرام بنبيِّهم الأكرم صلى الله عليه وسلم بعد وفاته هي هي كما كانت في حياته ذلك أنَّ هنالك مفاتيحَ ملَّكَها اللهُ تعالى لِكُلِّ محبٍّ عرَف حقيقة المحبة النبوية ففي الحديث الذي رواه الحاكم وصحَّحه عن داود بن أبي صالح قال: أقبل مروانُ يوماً فَوَجدَ رجلاً واضعاً وجهه على القَبْرِ فأخذَ برقَبَتِه وقال: أتدري ما تصنع؟ قال أبوأيوب: نعم؛ فأقبل عليه فإذا هو أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه _أي ولم يكن مروانُ يعلم به_ فقال: جئتُ رسولَ الله ولم آتِ الحجر سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تبكوا على الدين إذا وَلِيَهُ أهلُه ولكنِ ابْكُوا على الدين إذا وَلِيَهُ غيرُ أهلِه) أقول: وغيره من الأدلة الكثير المؤْذِنُ بعظيم صلتِهم برسولِ الله صلى الله عليه وسلم, وعَيْشِهِم أُنْسَ ذِكْرِهِ بالصلاة والسلام عليه فقولُ أبي أيوب: جئتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم..) دليلٌ منه على حياتِه صلى الله عليه وسلم البرزخيه التي متَّعَهُ الله تعالى بها, وإجماعُ العلماء المحقِّقين على أنه حيٌّ طَرِيٌّ في قبره مُنَعَّمٌ بنعيم الجنة نعيماً يليق بمقامِه الرفيع, ومُتَّصِلُ القلبِ والروح بكلِّ مَن يتمسَّك بحبل الله المتين وهديِه المبين على التفاعل الوجداني في الحبِّ لسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ذلك أنه [إنَّ المحبَّ لمنْ يحبُّ مُطيع] ومن المفاتيح كثرةُ الصلاةِ عليه صلى الله عليه وسلم لما فيه مِن الثمار العاجلة والتي من أجلِّها ذكرُ اسمِ المصلي عليه في حضرته صلى الله عليه وسلم, يا رسولَ الله إنَّ فلانَ ابنَ فلان يُصَلِّى ويُسلِّم عليك فيردُّ السلامَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عليه بذكر الاسم فيرفع ذكرُه عند أهل الملأ الأعلى وهو الشرفُ الذي ما فوقه شرف, وفي الحديث الشريف؛ (حيثما كنتم فصلوا عليَّ فإن صلاتكم تبلُغُني) وفيه أيضا؛ (مِن أَفْضَلِ أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم, وفيه قُبِضَ, وفيه الصعقة, فأكثِروا عليَّ من الصلاة فيه, فإنَّ صلاتكم معروضةٌ عليَّ) قالوا: يا رسولَ الله؛ وكيف تُعْرَضُ صلاتُنا عليك وقد أَرِمْتَ؟ _قال: يقولون: بليت_ قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ حرَّم على الأرض أنْ تأكلَ أجسادَ الأنبياء)/أخرجه أبوداود والترمذي/ هذا؛ وبالنظر إلى تتابع الزمن في شرقِ الأرضِ وغَرْبِها نَجِدُ أنَّ الصلاةَ على النبي صلى الله عليه وسلم لا تَنْقَطِعُ على مرِّ تلك الأزمان في ليل أو نهار لاسيما في أوقاتِ الصلاة المتلاحقة ناهيك عن النوافل من قيام الليل ومُسْتَحَبَّاتِ النَّهار التي تَضَمَّنت بمجموعِها الصلاةَ على الحبيبِ صلى الله عليه وسلم بكافِ الخطاب, وهي مِنْ أهمِّ الروابطِ الجليلةِ بين أرضِ التكليفِ وسماءِ التشريف, ومعلومٌ أنَّ الصلاةَ صلةٌ بين العبدِ وربِّه, والصلاةِ على النبي صلى الله عليه وسلم صلةُ القلبِ بين النبيِّ عليه الصلاة والسلام وأمتِه, واللهُ هو المعطي, فَكُلَّما أَخْلَصَ العبدُ في الالتزام زادتْ صِلَتُه بخير الأنام عليه الصلاة والسلام وكلما تفاعل بالتطبيق لمنهج الحبيب صلى الله عليه وسلم كلما عظم قربُه مكانةً من الرب المجيب. هذا؛ وتأكيداً على حقيقةِ الصلةِ بين الأُمَّةِ ونبيِّها صلى الله عليه وسلم جعل مولانا الكريم رؤيتَه في المنام حقاً كشاهد على أصل تلك الصلة والموصول بالنبي صلى الله عليه وسلم موصول بخالقه من غير أدنى شك, ومِنَ الثوابتِ في الصحاح أنَّ الرُّؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزأً من النبوة, ومن أصدقها رؤيا النبي والدليل أن الشيطان لا يتمثل به صلى الله عليه وسلم كما ورد في الصحيحين وغيرهما؛ (من رآني في المنام فقد رآني فإنَّ الشيطانَ لا يتمثَّلُ بي) وفي روايةٍ؛ (مَن رآني فقد رأى الحقَّ, فإنَّ الشيطان لا يتزيّى بي) وفي روايةٍ؛ (مَن رآني في المنام فَسَيَراني في اليَقَظَةِ, ولا يَتَمَثَّلُ الشيطانُ بي) فواضحٌ قضاءُ اللهِ في عَجْزِ الشيطانِ إِشارةً إلى تِلكَ الحصانة التي مَتَّعَ اللهُ بها نبيَّه مُشَرِّفاً بها رائيه, وهل هنالك دليلٌ أجلى من ذلك تعبيراً عن الصلة به صلوات ربي وسلاماته عليه أينما كانوا وحيثما حلُّوا وارتحلوا ما داموا سائرين على نهجه, ماضين في الاستقامة على هديه القويم. ومن اللطائف الهادية أنَّه سُئِلَ أَحَدُ المحبين مِن أَهلِ المعرفة؛ أَيْنَ نَجِدُ أجواءَ طيبةَ فقال: حيث يُذْكَرُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بسيرتِه ويُصَلَّى عليه بإِخلاصِ الصلة به, فهي طيبة, استدلالاً منه بأنَّ المكان الذي سكن فيه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان موبوءاً يقال له يثرب وفيه من التثريب ما فيه فلما استقر فيه أُحيلَ إلى طيبٍ خالصٍ وغدا مدينةً منوَّرة بكونه السراجَ المنير, وطابة وطيبة بطيب وجودِه وذكره ومجالِسه, حتى ترابُها صار شافياً بتلك النسبة المباركة حيث قال كما في الصحيحين وغيرِهما عن عائشةَ رضي اللهُ عنها أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ إذا اشتكى الانسانُ الشيءَ منه, أو كانت قُرحةٌ أو جرحٌ قال بأصبعه هكذا _ووَضع سفيانُ بنُ عيينة الراوي سبَّابتَه بالأرض, ثم رفعَها, وقال: (بسم الله تُرْبَةُ أَرْضِنا بِريقَةِ بعضِنا يُشْفى به سقيمنا بإذن ربنا) ألا فلنعلم أنه لما كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم هديةَ الله إلى العباد كانت هديَّتُه بما هو أهلُه لذلك طُوِيَ له الزمان والمكان مُعجزةً ساريةً إلى أنْ يَرثَ اللهُ الأرض ومَن عليها, وكرامةً لمحبه العامل بسنته وربك على كل شيء قدير.