مميز
EN عربي

الفتوى رقم #51865

التاريخ: 18/01/2015
المفتي:

خوارق العادات عند الله من الممكنات

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته مشايخي الأفاضل البارحة وانا اقرأ شرح صحيح مسلم للإمام النووي عاجلني هذا النص (بغي أن يحافظ على تلاوته ليلاً و نهاراً، سفراً و حضراً ، و قد كانت للسلف رضي اللّه عنهم عادات مختلفة في القدر الذي يختمون فيه ، فكان جماعةٌ منهم يختمون في كل شهرين ختمة ، و آخرون في كل شهر ختمة ، و آخرون في كل عشر ليال ختمة ، و آخرون في كل ثمان ليالٍ ختمة ، و آخرون في كل سبع ليالٍ ختمة ، و هذا فعل الأكثرين من السلف ، و آخرون في كل ستّ ليال ، و آخرون في خمس ، و آخرون في أربع ، و كثيرون في كل ثلاث ، و كان كثيرون يختمون في كل يوم و ليلة ختمة ، و ختم جماعة في كل يوم و ليلة ختمتين . و آخرون في كل يوم و ليلة ثلاث ختمات ، و ختم بعضهم في اليوم و الليلة ثماني ختمات: أربعاً في الليل ، و أربعاً في النهار: و ممّن ختم أربعاً في الليل و أربعاً في النهار السيد الجليل ابن الكاتب الصوفي رضي اللّه عنه ، و هذا أكثر ما بلغنا في اليوم و الليلة) انتهى الاقتباس كنت اجل مع احد المشايخ هنا وهو طلب مني تقصي الموضوع على شبكة الانترنت بحكم انه لايوجد هنا الكثير ممن يمكن سؤالهم هذا السؤال وعندما بحثت في شبكة الانترنت لم أجد لجواب شافي من اهل العلم والثقاة او جوابا للشيخ سعيد المحراب الامام البوطي رحمه الله تعالى السؤال هو كيف استطاع الصحابة رضي الله عنهم ختم القرآن في ركعة واحدة او بين المغرب والعشاء او حتى ثمان ختمات في اليوم والليلة اربع ختمات في اليوم واربع ختمات في الليلة أريد رأيكم بارك الله بكم وجزاكم عنا كل الخير لأنكم الثقاة ولأنكم مشايخنا الأفاضل
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته؛ بدايةً فما أحلى وأسعد أن تتخاطب القلوبُ من أطراف الأرض البعيدة التي لا يحجزها حَدُّ الحس, ولا يحجبُها مدُّ مساحته خطابَ القلب للروح, والروح للقلب, وكم سرني شرفُ الالتزام بمذهب الإمام الشافعي رحمه الله تعالى ذلك الفقيه المحدِّث الإمام المجتهد العالم الرباني الحسيب النسيب الشريف الضابط لقواعد الفقه, والمقعِّد لأصوله الحافظ لحدود الله تعالى المتمكن من لغة القرآن البارع في فهم الدليل, العابد الزاهد رضي الله تعالى عنه وأرضاه الذي طوى الله له الزمان حتى أعطى للأمة أعماراً وأجيالاً تخطَّتِ الحدود وارتفعت على كل ذروة مطلة مهيمنة جامعة. هذا؛ وإني لأسأل الله تعالى الثبات للكلِّ هناك وأنْ يفقههم في الدين ويلهمهم رشدهم آمين وبعد؛ فإنَّ فكَّ لُغز ما ذكرتَ, ورغِبْتَ أن يكون جوابُه مقنعاً؛ فاعلم يا أخي؛ أنَّ الأمر ليس مرتبطاً بحساب العقل وحدَه, أو إِلْفِ النفس بمفردِه, بل بثمرةِ عملٍ رضي الله تعالى عن صاحبه فمتَّعَه ببركة ذلك العمل. ثم قبلَ الجواب لابد من لَفْتِ النظر إلى ما يُسمى بالخوارق ومعرفةِ الثوابت الشرعية فيها, فلعلَّك يا أخي؛ تعلمُ أنَّ من ثوابت العقيدة اليقينَ بخرق العادات المألوفة خلقاً وتقديراً كمعجزات للأنبياء, ومثلُها كرامات الأولياء, وأنها مظهر تحدٍّ لدى النبي, وعونٍ لدى الولي ونقصد بالولي ههنا ذلك التقي الرباني الواقف عند الحدود, المتأدب في محراب الطاعة بالالتزام للمعبود, الراضي بالرزق الموجود, فهي مظهرُ عونٍ وإمدادٍ من رب العباد لعبد وصِّف بتقدير المولى القدير بالولي إي له سبحانه وتعالى. فالخالق القادرُ على كلِّ شيء يُعِينُ مَن يشاء بما يشاء بشأنه الجليل وفَضله الجميل, وإننا لو تأملنا نواميس الكون كله من عرشه إلى فرشه, ومن أرضه إلى سمائه لأدركنا أنَّ كلَّ ما فيه معجزٌ, فمثلاً هل يستوعبُ العقل ما ثبت باليقينيات سرعةَ روابط الوقت بين شرق وغرب في لحظات اختَصَرَتْ أعماراً حتى أصبحَ العالمُ كقرية صغيرة تقضى حوائجه في وقت يسير, تُرى هل ساءلنا أنفسنا كم مرة نتنفس دون اكتراث والوقت حيال كلِّ نَفَسٍ صاعدٌ نازلٌ مضبوط لنا من غير عناء حتى وإن كنا نائمين؟ لا شك أنَّ العبد يقف موقف العجز عن الإدراك حيالَ تلك العظمات والنِّعَم ليدرك دقة البيان الإلهي القائل: (وَإِنْ تُعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوهَا) حيث قال (نعمة) ولم يقل: نِعَمَ, أي: وكأنها تقول: إذا كانت النعمة الواحدة لا تحصى فكيف بالنعم؟؟ أجل! فكلُّ ما حولنا مظاهر إعجاز غيرَ أنَّ إلفَنا للكثير منه أغفلَنا عن حقيقة كونه إعجازاً, من ذلك العبادةُ وثمراتُها العاجلة. ففضْلُ الله تعالى غيرُ محصورٍ, ومع هذا فلا يملك امرؤٌ ادعاءَه بل هو فضل الله ورحمته يؤتيهما من يشاء من عباده. ثم إنَّ الأصل فيما سألتَ أنه ثمرة تقوى لاعينُ كسب, وبالمعنى الأوضح إنما هو تكريم إلهي لمن اتقى حق التقوى فليس هو عطاءَ عبد من العبيد, وإنما تفضل رب الأرباب القائل في بيانه الخالد: (فعال لما يريد) يبارك إنْ شاء في الوقت, وفي العمل, في الأمكنة وفي الأشخاص فهو خالقُ الزمان والمكان, القادر على كلِّ شيء والذي لا يُعْجزه شيء. لذا فَسَّر بعضهم ذلك بالبركة التي تَعني الزيادة حساً ومعنى مدداً من الله تعالى بما هو أهله, أي أنهم يُنجزون بفضل الله تعالى الأعمالَ الكثيرة في الأزمنة القصيرة. وليس ذلك مقصوراً على الصورة التي ذكرت بل في كل الشؤون لأن الأمر منوط بقدرة الله وعطائه ومعلوم أنه قادر على كل شيء. وهذا ما متع الله تعالى به أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم, قالوا عن الإمام النووي عليه رحمة الله تعالى والرضوان الذي لم يعمِّر في السنين قد عمَّر في ثمرات العمل, فقد عاش ثلاثا وأربعين سنة ثم لما نظروا إلى نِتاجه العلمي قالوا لو قدر أن يكون مؤلفاً منذ الولادة لَلَزم أنْ يكون قد كتب _أي ألَّف_ كلَّ يوم ثمانين ورقة, وأنت تعلم كم يحتاجُ التأليفُ من وقت نُدرك ذلك من كونه عمدةً في المذهب الشافعي عبر كتاب المجموع ومغني المحتاج, وغيرُه الكثيرُ من المؤلفات في صنوف الفنون. نعم! شُهِرَ عنه أنه مختصٌّ في الحديث ولم يدرِ الكثير أنه ممتد الاختصاص في جميع العلوم. أقول: فإنْ شك امرؤٌ فيما نقول فرُدَّه إلى أصل ما بدأنا به من جذور العقيدة, وأمرِ ارتباطها بالقلب السليم العارفِ بربه, وقل له إنَّ الإشكال عندك في جهلك بالله تعالى لا في عين تلك الكرامة التي هي عند القادر المريد من جملة الممكنات وهو القائل (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول كن فيكون) بقي أن نشير إلى أنَّ أيَّ خبر يُنقلُ إلينا إنما المعوَّلُ على قبولِه عند الناقلين من أهل الحق السندُ والدليل, أي صحةُ الخبر مع دليله من ضوابط العقيدة, ومعلومٌ أن الإسناد من الدين. ختاماً؛ وفقك الله تعالى وجميع الأحبة عندكم إلى الخير والفلاح, كما أسأله تعالى أن ينفحنا جميعاً بنفحة خير تبارك أعمالنا وأعمارنا آمين يا رب العالمين. لا تنس أن تخصني بدعوة صالحة بارك الله بك.