مميز
EN عربي

الفتوى رقم #45454

التاريخ: 14/09/2021
المفتي:

متى يكون الابتلاء رفع درجات ومتى يكون تكفير سيئات

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : سؤالي للشيخ محمد الفحام كيف يميز المرء بين ما يبتليه به الله حباً وتنقية ورفع درجات وبين ما يبتليه به عقوبة وانتقاماً... وجزاكم الله خيراً 

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته ، وبعد أخي الكريم! فإنَّ التحقق ببيان الله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) هو المنطلقُ لِتَلَقِّي البَلاءِ على نِظامِ التسليمِ والرضى بما قضى سبحانه، ثم تأَمُّلِ واستقراءِ قولِهِ تعالى: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) وذلك لِعِلَّةِ العجز القائمة في العبد الضعيف الشاهد لعظمة الله تعالى أنَّهُ مهما عَبَدَ وأَحْسَنَ فإنَّ قولَهُ تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) يُوقِفُهُ في محرابِ عبوديته الخالصة لله تعالى، وتلك هي النُّقْطَةُ الأساس التي بها تَتَوَسَّعُ دائرةُ الفهم عن الله تعالى في كل ما يقدِّر، فَبِمقامِ العبوديةِ يُدرِكُ معنى الاستقامَةِ على العبادة وطرائقِ التكليف، ثم يَشْكُرُ الله تعالى على التوفيق رادَّاً الفضلَ إليه عَبْرَ ما عَلَّمَهُ أنْ يقولَ كلَّ ركعةٍ من صلواتِه: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ففي (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) العبادة وفي (وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) العبودية أي: طلب العونِ مِنَ المعبود سبحانه، وذلك هو أساس البناء لسُمُوِّ الرابطة بين العبدِ والرَّبِّ، فإذا ابْتَلاه وهو في غَمْرَةِ العبادة والتَّحَقُّقِ بالعبودية عِلِمَ أنَّه اجتباءٌ وارتقاءٌ تَفَضُّلاً منه وتَكَرُّماً لِيُظْهِرَ صبرَهُ ورضاه بما قضاه (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ*أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)، فيشكر الله تعالى ويحمَدُهُ أدباً في محرابِ تَلَقِّي الأقدارِ عن الجَبَّار بالتسليم والتفويض.

وإذا ابْتَلاهُ في لَحَظاتِ الغَفْلَةِ والبُعْدِ عن شهودِ الحَقِّ ونِظامِ الأدبِ معه، رجعَ إليه بالإنابَةِ والشُّكْرِ لِلْعِلْمِ بأنَّ اللهَ تعالى إذا أَحَبَّ عبداً عَجَّلَ له العقوبة، وهذا مِنْ لَحْظِ العِنايةِ أنْ لم يَدَعْ عبدَه غارقاً في مَهاوي البُعْدِ والغَفَلات وقد ابْتَلاه بحكمتِهِ ليعودَ إليه والعودُ أحمد، وكما قيل: ما أحلى الرجوعَ إليه، وما أكرمَ عبدَه عليه وهو يُدْرِكُهُ بعنايَتِهِ ورعايَتِهِ، وتسأَلُني؛ تُرى لِمَ لَمْ يَلْحَظْهُ بعنايَتِهِ ولُطْفِهِ مِنْ غيرِ ابْتِلاءٍ؟ والجواب؛ إنَّه أَعْلَمُ بِنُفوسِ عبادِهِ فما يُقَدِّرُهُ سبحانه وهو السميع العليم واللطيف الخبير عينُ اللطفِ والحِكمة.

وعليه؛ أقول: فإنَّ الطامة الكبرى قِبَلَ الطَّرَفَيْنِ في أَمْرَيْنِ الأول؛ أنْ يُشْغَلَ العابدُ بعبادته عن المعبود فيقعَ في أَخْطَرِ مَهاوي باطِنِ الإثمِ كالعُجْبِ والرياء، والثاني؛ أنْ يَسْتَرْسِلَ في مَعْصِيَتِهِ وغَفْلَتِهِ، ثم لا تَسْتَدْرِكَه العناية الإلهية بتقديرٍ مِنْ تقاديرِ الرجوعِ إليه سبحانه وتعالى. ويوكَلَ إلى نَفْسِهِ، ثم يَبْقَى أسيرَ هواه إلى مُنْتَهى الأَجلِ فَيُساءَ خِتامُهُ.

إذن؛ فالفضل في الحالين لله تعالى أنِ اجتباه ورقاه إليه بحكمته ومَنِّهِ وفَضْلِهِ على كل حال.

لكن؛ كرَرْ معي هذا الدعاءَ بحالِ الرَّجاء؛ اللهم! عامِلْنا بلطائِفِ إحسانِكِ يا مَنْ تَعْلَمُ أنَّنا عبيدُ إحسانٍ لا عبيدُ امتحان، إلهي! يا مَنْ تَعْلَمُ أنَّنا ما عَصيناكَ جُرأَةً ولكنْ ضَعْفاً، فيامَنْ أَعَذْتَنا مِنَ الجُرْأَةِ قوِّ في رضاك ضَعْفَنا.