مميز
EN عربي

الفتوى رقم #45362

التاريخ: 08/04/2014
المفتي:

التوبة قبل الموت

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله هل يوجد ذنب لايمكن التوبة منه قبل الموت وماهو ان وجد
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛ أقول: إنَّ أهمَّ ما ينبغي الانتباه إليه هو أنَّ بابَ التوبة مفتوحٌ على الإطلاق حتى تطلع الشمس من مغربها قال تعالى: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ) (يأتي بعض آيات ربك) أي علاماتُه الدالة على الساعة وهي طلوع الشمس من مغربها كما في حديث الصحيحين, غير أنَّ المستثنى مَنْ يتوبُ توبةَ فرعون الذي ما استذكرها إلا عندما أدركه الغرق قال تعالى: (حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أصغ معي الآن إلى بين الحق سبحانه: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً. وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيما) أي إنَّ كلَّ مَن يتوبُ سريعا بعد معصيته _قبل مفاجأة الموت_ توبةً مقيَّدةً بالندم, والإقلاع عن الذنب, والإنابة الصادقة بعقد العزم على عدم العود إلى الذنب. وليست التوبة لمن أسرف في معاصيه, واستغرقَ فيها, واستمر عليها حتى إذا ما فاجأه الموت أراد أنْ يُنيبَ إلى الله وقد غابتْ شمسُ العمرِ بالاحتضارِ ورؤيةِ المنزلةِ لذا قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر) أي فلم يَعُدْ حالُه محلاً للتوبة والرجوع أعاذنا الله, وذلك لانتهاءِ زمنِ التكليف بتحقُّقِ الموت. وعليه؛ فما سوى ذلك هو في ساحة الرحمة وتحت ظل قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً) يقول الإمام الطبري رحمه الله تعالى: قد أبانتْ هذه الآية أنَّ كلَّ صاحبِ كبيرةٍ في مشيئةِ الله تعالى إنْ شاء عفا عنه, وإن شاء عاقبَه عليه مالم تكن كبيرتُه شِركاً بالله تعالى. غير أنَّ في الآية إشارةً إلى بقاءِ بابِ الرحمة مفتوحاً لمن رجع وأنابَ واستغفر. هذا؛ وقد استُثني من قبول التوبة والاستتابة الساحر عند الكثير من أهل العلم لما ورد: (حد الساحر ضربة بسيف) ولعل عِلَّةَ الحكم أنَّ في عمله بالسحر مدخلاً للتعامل مع الشياطين وإرضائهم بمراداتٍ تخالف حُكْمَ الله تعالى كشرط لِعَوْنِهِ بالسحر وتخييلاته على إضرارِ الناس, فيأتي على كُفريات لا يملك الرجوعَ عنها والنجاةَ منها وفي بيان الله تعالى توضيح لذلك قال تعالى: (وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ) هذا؛ وقد حدثني من لا أتَّهمُ أنَّ إحدى الساحراتِ أرادت الرجوعَ إنابةً إلى الله بحَجٍّ إلى بيت الله الحرام, ولما توجهت شعرت بثَقَلٍ وشِدَّةٍ, وكأنَّ أحداً يَردُّها عن البيت لكنْ بَقِيَتْ عازمةً إلى أن بلغتِ الحرم حتى إذا ما وقفت وأرادت أنْ تُمتعَ ناظريْها بأنوارِ البيت المعظَّم حالَ بينها وبين ذلك النورِ ظُلمةٌ لم تملكْ إزالتَها ورجَعَتْ أَدْراجَها دون التَّمَكُّنِ من رؤية البيت لذلك فلا ذنبُ أخطر وأعظم بعد الشرك من السحر ولعل هذا الحكمَ الصارمَ نابعٌ من الحرص على حماية الناس من أنْ يقعوا في الشرك بظنِّ القدرة على ما يريدون حقيقةً, والبعد عن الإضرار بعباد الله, والعياذ من مخالفة إن تمكَّنَت منهم أغرقَتهم في مهالك الأوهام بوسواس خناس, فاللهم؛ عفوَك وعافيتك يا أرحم الراحمين.