مميز
EN عربي

الفتوى رقم #43931

التاريخ: 22/12/2013
المفتي:

هل ثواب الاستماع للقرآن الكريم يعادل ثواب قراءته

التصنيف: القرآن الكريم وعلومه

السؤال

السلام عليكم ..هل ثواب الاستمااع للقرآن الكريم يعادل ثواب قراءته ... وجزاكم الله خيرا
اعلم أخي المؤمن أن سماع القرآن لا يقِلُّ أهميَّةً عن تلاوته فلقد تلا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه, وسمعَ منهم ولكلٍّ من السماع والتلاوة شأنٌ جليل يلتقيان في واقع استثمار تلك العبادة العظيمة ألا وهي الفهمُ عن الله تعالى بالتدبُّر قال تعالى:(أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً) وقال تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) وقال تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) فهو أمرٌ إلهي وحكمُه الوجوب فمَن لم يستمع أثِمَ لذا كان له الشأنُ الجليل لأنَّ المستمعَ مرحومٌ بكتاب الله, وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقرأ عليَّ) قلت: أقرأ عليك وعليك أنزل يا رسول الله؟ قال: (إني أحب أن أسمعه من غيري) قال: فقرأت من "النساء" حتى إذا بلغت؛ (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً) قال: (كُفَّ _أو أمسك_) فرأيت عينيه تذرفان. يقول العلامة ابن علان الصديقي: عند قوله صلى الله عليه وسلم: (إني أحب أن أسمعه من غيري) لكونه أبلغَ في التفهيم والتدبر لأن القلب حينئذٍ يخلُص لتعقُّل المعاني, ولأنه اعتاد صلى الله عليه وسلم سماعَه من سيدنا جبريل عليه السلام, ولهذا كانَ عرْضُ القرآن على الغير _أي أهل القراءة من المختصين_ سنة. أقول: فقد دلَّ بكاء النبي صلى الله عليه وسلم على أنَّه من ثمرات السماع والتدبُّر لرؤيته بذلك هولَ المطلع وشدةَ الأمر اذ يؤتى بالأنبياء شهداء على أممهم ... فهو تحرُّكُ القلبِ النبوي السليم رأفةً بالأمة ورغبةً في أنْ يرحمهم ربُّهم حرمةً لشفقته عليهم حيث عزَّ عليهم عنتُهم... فينبغي على السامع قِطافُ ثمرة تدبره به, وإلا فربما دلَّ على قَفْلِ القلب وانغلاقه وظلمته. وعن أنس رضي الله تعالى عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لأبيِّ بن كعب: (إنَّ الله أمرني أن أقرأ عليك (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا) قال: وسمَّاني لك؟ قال: (نعم) قال: فبكى. وعليه؛ فقارئُ القرآن يُسمَع لشركة غيره في الأجر, ومن أجل تنامي الفهم وتيسير سُبُلِ العون في التدبر نُدِب التغني بالقرآن وتحسينُ الصوت يقول عليه الصلاة والسلام: (زينوا القرآن بأصواتكم ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن) أي حسِّنُوا أصواتكم بتحسين الصوت فإنه يزيد في بهائه ويُنْعِشُ الأبدان ويصل بمواعظه إلى جوهر الفؤاد. نعم؛ وبالنغم السليم المعروف مع آداب التلاوة والأحكام المعروفة في علم التجويد. وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (لو رأيتَني وأنا أستمعُ لقراءتك البارحة لقد أوتيتَ مِزماراً من مزامير آل داود) فأبو موسى كان حسنَ الصوت فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم ليلاً فلما أصبح أعلمه بمستوى سروره مشبهاً إياه بسيدنا داود عليه السلام الذي كان حسن الصوت بل في نهاية الحُسن, وكان إذا تلا الزبور بكى وبكَّى كلَّ مَن يسمعه من إنس وجان, وتأثَّر بتلاوته حتى الشجر والحجر. سُرَّ أبو موسى بكلام الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم فأراد أن يسرَّه فقال: لو علمتُ يا رسولَ الله أنك تستمع لحبَّرْتُه لك تحبيراً, أي؛ لحسَّنْتُه لك تحسيناً, وزيَّنته بالصوت الحسن الذي سرَّك. يقول الربانيُّون: فالجالسُ السامع في مجلس القرآن تلاوتُه كأنه في مجلس الله تعالى يحاكيه ويناجيه, ويطلب منه ويرجوه ويدعوه ويستجير به ويستقيله ويستعينه عبر سماع الحُكْم والحِكَم والمواعظ وسِيَر الأنبياء وأخبار الماضين, وقبل هذا كلِّه بسماعِه لحروف مَظْهر الجلال الإلهي. جعلنا الله تعالى من أهل القرآن وخاصته كما قال صلى الله عليه وسلم في الصحيح: (..ما اجتمع قوم في يبت من بيوت الله يتلون كتاب اله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة, وغشيتهم الرحمة, وحفتهم الملائكة, وذكرهم الله فيمَن عندَه) ولاشك أن هذا للتالي والسامع والمفسر والمعلِّم والمتعلم, فحقاً كما قال السيد الأعظم عليه الصلاة والسلام (أهل القرآن أهل الله وخاصَّته) جعلنا الله تعالى منهم آمين.