مميز
EN عربي

الفتوى رقم #4357

التاريخ: 04/11/2020
المفتي:

الرابطة .. والسلوك من غير مربي

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

 تعلمت كيفية الذكر على الطريقة النقشبندية من الشيخ رجب ديب من الإنترنت. فأنا لم أتصوف على يدي شيخ من الشيوخ لكن سمعت عن الذكر بالطريقة النقشبندية و فضائله . فهل يصح لي ان اذكر على هذه الطريقة دون السلوك على يدي شيخ و في محتوى الذكر بالطريقة النقشبندية يجب عليك ان تتخيل الشيخ . فهل يجوز أن أتخيل شيخ ميت

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته وبعد؛ فإنَّ ممَّا لا شكَّ فيه أنَّ للذِّكْرِ شَأْناً جليلاً في حياةِ المسلمِ وأنَّه النُّورُ الذي يُبَدِّدُ ظُلُماتِها، ومعلومٌ أنَّ أنواعَهُ كثيرةٌ غزيرةٌ كُلُّها واردٌ في هَدْيِ الحبيبِ المصطفى صلى الله عليه وسلم غَيْرَ أنَّ في سؤالِكَ ما يَسْتَشْكِلُهُ بعضُهم لا بد مِنْ حَلِّها، فالإِشْكالُ الأول؛ هو مَسْأَلَةُ الاكْتِفاءِ بِلَوْنٍ واحدٍ مِنْ ألوانِ الذِّكْرِ ما يَدْفَعُ إلى القول بحُرمة سواه أو تفضيلِهِ على سِواه وهو شيءٌ لم يِرِدْ مِنْ أَحَدٍ مِنْ المحقِّقِين مِنَ المربِّين أهلِ الطريق لِمَا فيه مِنْ هَجْرِ الكثير من أذكار السُّنَّةِ التي ملأ بها الإمام النووي كتابه الأذكار. الثاني؛ أنَّ الذي أَعْلَمُهُ مِنْ بَعْضِهِمْ أنَّهم يَحْصُرونَ الذَّاِكَر بالذِّكْرِ الخَفِيِّ فقط وربَّما مَنَعُوه مِنْ سِوى ذلك وهذا الْمَنْعُ لا مُسَوِّغَ له على الإِطلاق. ثالثاً؛ أنَّ الذِّكْرَ بالاسمِ الْمُفْرَدِ (الله) ذكْرٌ بأَعْظَمِ اسْمٍ مِنْ أَسْماءِ اللهِ الْمُصْطَلَحِ عليه عند أهلِ اللهِ تعالى بالاسْمِ الأَعْظَمِ، ومعلومٌ لدى الْمُحَقِّقين أنَّ لهذا الاسْمِ مِنَ الأنوارِ والتَّجَلِّياتِ الجلالية ما ينبغِي أنْ يَرْبِطَ الذاكِرَ بمُرَبٍّ مُحَقِّقٍ يُشْرِفُ على سَيْرِهِ حِرْصاً على قَلْبِهِ وحَذَراً مِنْ نَفْسِهِ الأَمَّارَةِ وتَحْصِيناً له مِنَ الادِّعاءاتِ الْمُهْلِكَةِ. الرابع؛ إشْكالُ تَصَوُرِ الشيخِ عند الذِّكْرِ التي يَصْطَلِحُوَن عليها بالرابطةِ تلك التي إنْ لم يَتَّضِحِ القَصْدُ منها شَتَّتَتِ الذَّاكِرَ بِشَغْلِهِ عن المذكور سبحانه عَبْرَ صورة مخلوق _نعم! وإنْ كانَ الشيخَ نفسَه_ إذن فما الْمَقْصُودُ بالرابِطة؟؟ أقول: إنَّ القَصْدَ منها هو ربْطُ قَلْبِ السَّالِكِ بِقَلْبٍ عامِرٍ بأَنْوارِ ذِكْرِ اللهِ تعالى لِرَدِّهِ إلى حضرةِ الربِّ ذلك أنَّ القلبَ موضعُ سِرِّ الرَّبِّ.

هذا؛ ومِنَ الْمَعْلُومِ أنَّ القَلْبَ مَحَلُّ المعنى، لا مَحَلُّ الحِسِّ فالرَّبْطُ بالصُّوَرِ عند الذكر قد يحجب عن المصوِّر سبحانه، ولَرُبَّما عاشَ الذاكِرُ شاغِلاً ظلمانياً لا شاغِلاً نورانياً ذلك أنَّ الأَصْلَ في العلاقَةِ مع الشيخِ الْمُرَبِّي علاقةُ الصِّلَةِ بالنُّوِر العُلْوِيِّ لذا قالوا في هذا: ولسانُ حالِ الشيخِ يقول: ها أنتَ وربُّكَ. الخامس؛ في ذِكْرِ الشيخ بوصف الموت مُبايَنَةٌ للأَصْلِ، فإنَّ الموتَ لا يَقْطَعُ نورَ الولاية عن الولي، بل قد يكون سبباً مِنْ أسبابِ جِلائها بِدليلِ جوازِ التَّوَسُّلِ به حياً ومَيْتاً لذلِكَ وضَّحْنا الْمُبْهَمَ مِنَ الإِشكال الحاصل في تصوُّرِ الصورةِ كَمَسْأَلَةٍ مُطْلَقَةٍ لا مُقَيَّدَةٍ أي: حياً كان أمْ مَيْتاً، ولعل الإشكال الآن زال بإذن الله تعالى. السادس؛ وجودُ الْمُرَبِّي في حياةِ السَّالك أمر ضروري، وذلك مِنْ أَجْلِ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ، وأَطْرِها على الحقِّ وحَجْزِها عنِ الباطِلِ وحمايتها مِنْ خَطَرِ الخواطِرِ الْمْزِعَجِة والوساوسِ الْمُهْلِكَةِ والضبابِيَّةِ الْمُحَيِّرَةِ. فاتَّخِذْ لِنَفْسِكَ شيخاً ربانياً يُعْلَمُ عند العامِّ والخاصِّ صِدْقُه وإخْلاصُهُ وخِدْمَتُهُ الخالِصَةُ وسَلامَةُ عقيدتِهِ مع عِلْمِهِ الصحيحِ النَّافِعِ وذوقِه الصَّريحِ الرَّافِعِ وهِمَّتِهِ النَّاهِضَةِ الحافِزَةِ لِلْهِمَمِ.

وفقكَ اللهُ تعالى ورَعاكَ وسَدَّدَ خُطاكَ وأيَّدَكَ بِمُفْرِحاتِ القلوب بردِّ قلبِكَ إلى علَّام الغيوبِ بأُنْسِ الصحبة الخالِصَةِ لكلِّ محبوب آمين. ولا تَنْسَ أنْ َتُخَّصَنِي بدعواتِكَ الْمُباركات.