مميز
EN عربي

الفتوى رقم #3650

التاريخ: 25/11/2024
المفتي:

محترزات الاكتساب من مهنة الطب

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

لسلام عليكم و رحمة الله عندي استفسار مهم بخصوص التعاملات المالية و الأجور بالنسبة للأطباء .. يطرأ على الطبيب بشكل يومي أن يشير على المريض بعد الفحص و المتابعة بإجراء تداخل طبي مثل تنظير أو تصوير أو استقصاء أو حتى إجراء تداخل جراحي معين .. و قد يضطر أن يسافر المريض من منطقة إلى منطقة أخرى لإجراء هذا التداخل ..و قد يكون الطبيب الفاحص غير كفؤ لإتمام التداخل و إجرائه بنفسه بشكل كامل و يضطر الاستعانة بزميل ذو خبرة لإتمام هذا التداخل و بعد نهاية الموضوع يتقاسم هذان الطبيبان أجور التداخل .. أسئلتي هي : ١ـ ما حكم الأموال التي يجنيها الطبيب بهذه الحالة و هو يظهر بمظهر الشخص الذي أتم التداخل بشكل كامل و كأنه لم يستعين بأحد ؟ ٢ـ هل من الحلال أن يتقاضى الطبيب أجور مادية من خلال إرسال المريض إلى أحد الزملاء ( سمسرة ) دون علم المريض و ذويه بأنه قد أخذ المبلغ المرقوم ؟ ٣ـ أحياناً قد تكون هذه السمسرة متعدية لعدة اختصاصات كأن أبعث مريض استئصال مرارة لأحد الجراحين الزملاء و أنا طبيب قلبية مثلاً...و أحصل على حصتي من الجراح دون علم المريض و ذويه ؟ و كأنني قد ساعدتهم لوجه الله؟! ما حكم هذه الأموال التي تأتي بهذه الطريقة ؟؟ هذا الواقع المعاش و نريد رداً واضحاً جزاكم الله خيراً

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته؛ أخي الكريم إن الأصل في مُزاوَلَةِ مِهْنَةِ الطِّبِّ الاختصاصُ مع التَّمَكُن، وذلك بإقرارِ أهلِ الخِبْرَةِ، ولا يجوز شرعاً تداول المهنة من دونَ خِبْرَةٍ، وإلا فعلى الحاكِمِ محاكَمَتُهُ وتَضْمِينُهُ إذا وَقَعَ في تَعَدٍّ مّا. قال عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه أبوداود والنسائي وغيرهما: «مَنْ تَطَبَّبَ ولم يُعَلَمْ منه الطِّبُّ قبلَ ذلك، فَهو ضامِنٌ»

وأما الأجرُ فلا يجوزُ شرعاً لِمُقابِلٍ وَجِيهٍ واضِحٍ لا غُمُوضَ فيه ولا كَذِبَ ولا احتيال، فالواجب في الأصلِ إنْ لم يَكُنْ مُخْتَصّاً أنْ لا يُطَبِّبَ أحداً أصلاً فَضْلاً عن حُرْمَةِ الأجْرِ الْمُتقاضَى مِنْ غيرِ جدوى، وبناءً عليه؛ وجَبَ إحالَةُ المريضِ إلى مُخْتَصٍّ دون سَمْسَرَةٍ لأَنَّه لايجوز جعل المريض سِلْعَةً يُدلَّلُ عليها كدلالَةِ العقارات، فالأمر لا يعدو النصيحة الواجبة شرعاً، وما عَلِمْنا أَنَّ المؤمِنَ يَتَقَاضَى على النصيحةِ أَجْراً؛ اللهم إلّا مِنَ الآمِرِ النَّاهِي ربِّ العالَمِين، كيف وهو واجِبُ الأَخِ تجاهَ أخيه. وعلى الطبيبِ أنْ يكونَ صادِقاً في النُّصحِ بعيداً عن أيِّ شَرْطٍ ماديٍّ، وإلَّا لَغَدَى عَديمَ الإنسانيَّةِ، ومعلومٌ أنَّ ذلكَ كُلَّهُ بِرَسْمِ كُلِّ مَنْ مَتَّعَهُ اللهُ تعالى بِمقامِ الخَشْيَةِ الإلهية والْمراقبة الربانية، والخوفِ من يوم الحساب.  

هذا؛ ولا فَرْقَ في أيِّ نَوعٍ مِنْ أنواعِ النُّصحِ والدِّلالةِ جراحةً أو مُعالَجَةً أو استشارة، فَكُلُّهُ تَطْبيبٌ مَرهونٌ بالاتِّفاقِ بين المريضِ والطَّبيبِ مباشرة، فَإِنْ غُيِّبَ طبيبٌ آخَرُ عن المريض احتيالاً من الأول سَمْسَرَةً، فهو آثمٌ لِما فيه مِنَ التَّغريرِ والاسْتِخفاف، ومعلومٌ أَنَّهُ إذا تاجَرَ الطَّبيبُ هَلَكَ المريض ذلك أنَّ السَّمْسَرَةَ بريدُ الغِشِّ لا النُّصْح لِحَقيقَةِ ارتباطِها بالمادَّةِ والْمَنْفَعَةِ الخاصَّةِ، والأَصلُ في الطب أَنَّهُ عَمَلٌ إنسانيٌّ، بأمانةٍ عُلْوِيَّةٍ لِكيانِ أَشْرَفِ مَخلوقٍ وأكْرَمِهِ على اللهِ تعالى القائل: (وحَمَلَها الإنسانُ إنَّهُ كان ظَلوماً جَهُولاوعليه؛ فَكُلُّ ما يُسْدِيهِ الطبيبُ الْمُغَيَّبُ مِنْ مَعروفٍ، تبرُّعٌ ونصيحةٌ يَمْنَعان تقاضِي الأجرِ، فَإِنِ اضْطُرَّ المريضُ لهذا الْمُغَيَّبِ يَنْبَغِي التَّعَرُّفُ عليه والاتفاقُ المباشَرُ معه دونَ واسِطَةِ الأوَّل الذي هو في الأَصلِ ممنوعٌ مِنْ علاجِ المريضِ بما لا يَعلَمُ.

وهنا القَوْلُ: بأَنَّ على المريضِ أنْ يكونَ واعِياً فَطِناً، فإنْ كانَ ضعيفاً، لزم أنْ يَسْتَعِينَ بناصِحٍ أمين يقودُهُ إلى السبيلِ الآمِنِ.

هذا؛ وإنَّ في استشارةِ الصالحين الأتقياء من الربانيين الأطباء أماناً وأَيَّ أمانٍ وأفضلَ ما يَهدِي إلى السبيلِ الأسلم، بل وإنَّ على كُلِّ مُسْلِمٍ أنْ يُحَذِّرَ مِنْ سَماسِرَةث البَشَرِ. ويَهدي إلى الصالحِين مِنْ أَهلِ الاخصاصِ تجارةً مع الله تعالى. أسأل الله تعالى أنْ يَرُدَّنا إلى دينِهِ رَداً جميلاً.