مميز
EN عربي

الفتوى رقم #3588

التاريخ: 12/11/2021
المفتي:

في سبيل النهوض بالأبناء والبنات

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله ارجو نصحي ومساعدتي في توجيه ابني وهو طالب في الجامعة لكنه مقصر في عبادة الله عز وجل

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على مُعَلِّمِ الناسِ الخيرَ رسولِ اللهِ وآله وصحبِه ومَنْ والاهُ وبعد، فإنَّ تربيةَ الأبناءِ الصحيحة مَناطُها النَّشأَةُ الأولى، وكثيراً ما يُقَصِّرُ المربُّون مِنْ آباء وأمهات ابتداءً حِيالَ هذا الواجِبِ الشَّرْعِيِّ حتى يَكبَرَ الأَبناءُ ويشتدَّ عودُهم، فإذا بلغوا سِنَّ الرُّشْدِ طالبوهم بما غَفَلُوا عنه في مَطْلَعِ التَّمْييزِ وقد اشتدَّ عُودُهم وغَلُظَ قولُهم، ولَعَلَّنا مِمَّنْ قَصَّرَ في هذا الجانب، فَفُوجِئَنا بما لم يَكُنْ بالحُسبان، لكنْ لا مُسْتَحيلَ مع الدعاءِ والرجاءِ، والحِلْمِ والمصابرة، فإنَّه ما خَفَّفَ القضاءَ شيءٌ مثلُ الدُّعاء، لا سيما في أوقاتِ الإجابةِ، وخُصوصاً في أوقاتِ السَّحَرِ، فإنَّ سِهامَ السَّحَرِ لا تُخْطِئُ هدفَها بإذن الله تعالى خاصَّةً وأنَّ الداعيَ الأمُّ فَدُعاؤها لولدِها مستجاب كما نُقِلَ ذلك عن سَيِّدِ الأحباب عليه الصلاة والسلام.

ثم إنَّ المطمعَ كامنٌ فيما يَتَمَتَّعُ به مِنْ داخِلِهِ القَلْبِيِّ مِنَ الطِّيِبِ والإِصغاءِ لحظاتِ الهُدوء والتروِّي، فواجبُكِ الشرعيِّ تجاهَهُ في عدة أمور؛ الأول؛ عقائدي وهو الأساس في أن تعتقدي جَزماً أنَّ الهاديَ إنَّما هو الله تعالى القائل: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) أي: إنَّك لا تملكُ إيجادَ الهداية في قلبِ أَحَدٍ لأنَّ الأَمْرَ بِيَدِ مُوجِدِها ولكنَّ مَهَمَّتِكِ الشرعية أنْ تَدُلِّيه على مسالكها وتنصحيه بذكرها بالحكمة والموعظةِ الحسنة بالمعروف دون شِدَّةٍ أو عَصَبِيَّةٍ ذلك أنَّ لِلْكَلِمَّةِ الطيبةِ جَرْساً خاصاً وسراً مؤثراً يَغْزُو القلوب دون استئذان، فَحَذاري مِنَ الشِّدَّةِ فإنَّها لا تأتي بخيرٍ، وعليكَ باللُّطْفِ والرِّفْقِ فإنَّ فيهما الْمَرْغوبَ والعملَ الْمَرْضِيِّ المحبوبَ بإذنِ اللهِ تعالى لاسيَّما وأنتِ أمُّه فإنَّ الرابِطَةَ بين قلبِكِ وقلبِهِ معاً لا تَنْقَطِعُ بحال لأنها (فِطْرَةَ اللهِ التي فَطَرَ النَّاسَ عليها) ، فَكُلما نَصَحْتِيهِ ذَكِّريهِ بِحقِّكِ عليه الذي سيسأَلُهُ اللهُ تعالى عنه يوم الحساب ولكنْ بِرِفْقٍ وحَنان، فإنَّ هذه اللَّفْتَةِ تُحرِّكُ مَشاعِرَهُ وتهدي قلبه بإذن الله تعالى

الأمر الثاني؛ عَدَمُ ذَمِّهِ بين أوساطِ النَّاسِ، فإنَّ ذلك يُحْبِطُهُ ويَحْجُبُهُ عن أداء حَقِّكِ عليك فكوني أنت العون عملا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رحِمَ اللهُ والداً _أي: ووالدة_ أعانَ ولَدَهُ على بِرِّه) فأعينيه على بِرِّكِ بِصَبْرِكِ عليه، ودعائك له.

الأمر الثالث؛ عدمُ اليأْسِ مِنْ هدايَتِهِ فإنَّ قلوبَ العبادِ بيد الرحمنِ يُحركُها إلى الخيرِ متى شاءَ وكيفما يشاء، ويَقِيني أنَّ قُوَّةَ علاقَتِكِ مع اللهِ تعالى مِنْ أَهَمِّ الأُسُسِ التي تَجْذِبُ قَلْبَهُ إليكِ بالحالِ قبلَ القال.

الأمر الرابع؛ طلبُ الدعاءِ له باستمرارٍ مِنْ أفواهِ الصالحين الذين لا يُرَدُّ دعاؤهم عند ربِّ العالمين لِكَرامَتِهْم عليه ومكانَتِهِمْ لدَيْه سبحانه.

الأمر الخامس؛ أنْ لا تَعْدِلِي عن تذكريه ولو بَلَغَ عَدُّ النُّصْحِ مئاتِ المرات ولكن في الوقت المناسب وأحوال الصفاء بينك وبينه، والحكمة في ذلك أنَّ الأَمْرَ بالمعروف والنَّهْيَ عن المنكرِ عبادةٌ تَتَقَرَّبين بهما إلى اللهِ تعالى سمعَ المنصوحُ أمْ لم يَسْمَعْ، ففي الصحيح المشهور: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) فأنت في عبادة وترقيةٍ وقُرْبٍ مِنَ اللهِ تعالى ما دُمْتِ على ذلك. علماً أن لكلِّ عبادة من الله تعالى ثمرات عاجلة وفيما أنت فيه هدايته بإذن الله تعالى.

الأمر السادس؛ تَرُّقُب هدايَتِهِ وإنْ طالَ الزَّمَنُ فإنَّ في ذلك عبادةً أخرى لقولِهِ عليه والصلاة والسلام: (انتظارُ الفَرَجِ عبادة)

ختاماً؛ أسألُ اللهَ تعالى أنْ يُفْرِحَ قلبَكِ بهدايَتِهِ الراشدة واستقامَتِهِ النَّاهِضَةِ، وسلوكِهِ الزَّاكِي آمين يارب العالمين، ولا تَنْسَيْ أنْ تَخُصينا جميعاً بصالحِ دَعَواتِكِ.