مميز
EN عربي

الفتوى رقم #3581

التاريخ: 24/08/2021
المفتي:

هل يجوز تمني الموت عندما تشتد ظروف الحياة

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: هل يعاقب الانسان اذا تمنى الموت لانه قد يجد فيه راحته؟؟ ضاقت الحياة علينا كثيرا علما ان نعم الله علينا لا تعد ولا تحصى ..... هل من ورد اواظب عليه لتنفرج همومي وهموم عائلتي ...علما اني على يقين بفرج الله لكن الايام التي تسبق حصول الفرج صعبة ومؤلمة ومقلقة... ولا حول ولا قوة إلا بالله

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته؛ وبعد، فإنَّ أيَّ بلاءٍ يَنْزِلُ بالعبدِ ينبغي ربْطُهُ بثوابت العقيدة والإيمان بالقضاء والقدر، وأنَّ للهِ تعالى حِكْمَةً فيما يَقْضِيهِ غيرَ أنَّ الْمُبْتَلَى بين هذا الرابِطِ وبينَ ما يُناقضه مِنْ قَضِيَّةِ الإيمانِ والكُفران، ولاشكَّ أنَّ البلاء شِدَّةٌ مزعجة غير أنَّ المؤمنَ يَتَعامَلُ معه على أنَّه سَبَبٌ مِنْ أسبابِ التَّقَرُّبِ إلى اللهِ تعالى القائل: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) ويَقِفُ بذَوْقِ الإيمانِ مُتَدَبِّراً الْمُرادَ مِن بيانِهِ سبحانه المختومِ بقولِهِ: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) أنَّ الْمُبَشِّرَ اللهُ تعالى القائل: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) لكنْ قَضَى بِحِكْمَتِهِ أنْ يُغَيِّبَ وقْتَ الفَرَجِ لِيَرْتَقِيَ العبدُ في مَعارِجِ التَّعَرُّفِ على مولاه ويُدْرِكَ معنى قولِهِ صلى الله عليه وسلم: (انْتظارُ الفَرَجِ عبادة) وكأَنِّي بِمُرْتَقَبٍ الفَرَجَ على المصابَرَةِ والاحتسابِ كالقائمِ في الصلاةِ طويلاً حتى تَوَرَّمَتْ قَدَماه فكانَ في المصابَرَةِ والاحْتِسابِ والتَّسليمِ وشُكْرِ الْمُقَدِّرِ سبحانه على قَدَمِ السَّيِّدِ الأعظمِ عليه الصلاة والسلام الذي عاش عمرَهُ كلَّه على الرِّضى والتَّفويضِ رغْم ما تَتَالى عليه من مَظاهِرِ الشدة كشَظَفِ العَيْشِ من الجوع وشدته وفَقْدِ الزوجةِ والوَلَدِ، وإيذاءِ ذوي القُربى وكذا الجار، كلُّ ذلك الْمَقْدور والنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَنْظُرُ إلى المآل، وأَنَّهُ في الدنيا كما ورد في الحديث الذي أخرجه الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: نام رسولُ اللهِ على حَصِيرٍ، فقامَ وقد أَثَّر في جَنْبِهِ. قلنا: يا رسولَ اللهِ لو اتَّخَذْنا لك وِطاءً، فقال: (مالي وللدنيا؟ ما أنا في الدنيا إلا كراكِبٍ اسْتَظلَّ تحتَ شَجَرَةٍ، ثم راحَ وتَرَكَها) وتلك هي الحقيقةُ المكتوبةُ على كُلِّ أحَدٍ شاءَ أمْ أبى فهي قاسَمٌ مشترك بين الناس جميعاً لكن الفرق بين الصابر والقانِطِ أنَّ الأولَ بمَقْدورِ اللُّطْفِ في الموتِ ضمن حُسنَ الختام والسعادة الأبدية، وأنَّ الثاني بدعائه على نَفْسِهِ أو تمَنِّيه الموتَ يأساً يُحْرَمُ تلك السعادة المنظورة، والدواءُ النَّاجِعُ هو تَدَبُّرُ ما ابْتلى اللهُ تعالى به الصالحين الصابرين الْمُبَشَّرين في مُتابَعَةِ ذلك عَبْرَ بيانِهِ الحقِّ سبحانه:

(الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ*أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) فِمَنْ أَكْثر الأوراد نَفْعاً قولُه تعالى: (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ) لكن مع التَدَبُّرِ أنَّك مُلْكٌ لله تعالى، وأنَّك إليه راجع، وهنا حدِّث ولا حرج عن مَسالِكِ الفَرَجِ التي تُفْتَحُ لك ولكلِّ صابِرٍ مُحْتَسِبٍ مِنْ حيث لا يَحْتَسِبُ.

وهنا أقول: ألا فَلْيَخْتَرِ الْمُبْتَلَى أحدَ السَّبيلَيْن، ولْيَتَوَجَّهْ إلى الله تعالى بالسُّخْطِ أو الرِّضى، ثم لْيَتَصَوَّرِ العاقِبَةَ كلُّ مَنْ مَتَّعَهُ اللهُ تعالى بالإيمانِ وأَسْبابِ زيادتِهِ عَبْرَ تَدَبُّرِهِ بيانَ المولى الجليل: (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ) نعم! (وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) لا في الدنيا لأنَّها مَرْحَلَةٌ انْتِقاليَّةٌ ليس إلَّا، وبِقَليلٍ مِنَ الاسْتِحْضارِ نُسائِلُ أنْفُسَنا عَمَّنْ مَضَى إلى الدَّارِ الآخِرَةِ مِنْ أجدادٍ وقَرابَةٍ؟؟ ترى على أيِّ جَنْبٍ هُمُ الآنَ في قُبورهِم؟؟ وقد ورد عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: (القَبْرُ إمَّا روضةٌ مِنْ رياضِ الجنَّةِ أو حُفْرَةٍ مِنْ حُفَرِ النَّار) أَلَيْسَ الْمُعَوَّلُ عليه ما قدَّمُوا مِنْ عَمَلٍ؟؟ بلى وربِّكَ فهل مع هذه الحقيقةِ يختارُ المؤمنُ الموتَ بِيَدِهِ عَبْرَ دعاءٍ أو غَيْرِهِ وهل يَتَطابَقُ اليَأْسُ مع الإيمان؟؟ إنَّ القضيَّةَ المعروضةَ إذا بَلَغَ صاحبُها ذروة البلاء، وأَحَبَّ لقاءَ اللهِ تعالى فِراراً مِنَ الفِتْنَةِ ورَغْبَةً في أنْ يَلْقَى اللهَ تعالى بِقَلْبٍ سليم أنْ يقولَ كما قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كما في البخاري ومسلم : (لا يَتَمَنَّ أَحَدُكُمُ الموتَ لِضُرٍّ نَزَلَ به، فإنْ كان ولا بد فاعِلاً فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِني ما كانتِ الحياةُ خيراً لي، وتوَفَّني إذا كانت الوفاةُ خيراً لي) هذا مع ذلك التوجيهِ النَّبَوِيِّ الراشِدِ القائلِ كما في مسلم: (لا يَتَمَنَّ أَحَدُكُمُ الموتَ، ولا يَدْعُو به مِنْ قَبْلِ أنْ يأْتِيَهُ، إنَّه إذا ماتَ انْقَطَعَ عمَلُهُ، وإنَّه لا يَزيدُ المؤمِنَ عُمُرُهُ إلا خيراً) أيضا هذا مع بيانِهِ الرشيد صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم : (عَجَبا لِأَمْرِ المؤمِنِ إنَّ أَمْرَهُ لَهُ كُلَّهُ خيرٌ، وليس ذلك لِأَحَدٍ إلا لِلْمُؤْمِنِ، إنِ أصابَتْهُ سَراءُ شَكَرَ، فكانَ خَيْراً له، وإنْ أصابَتْهُ ضرَّاءُ صَبَرَ، فكان خيراً له)

ختاماً؛ أسألُ الله تعالى أنْ يُهَيِّأَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ فَرَجاً ومَخْرَجاً، وأَنْ لا يُضيعَ ثواب صبركُمْ وأنْ يؤولَ أَمْرُكُمْ إلى فُسْحَةِ الخَيْرِ وساحة الرحمات بشرح الصدر وبهجةِ النفوس بالكلية آمين يارب العالمين.

ولا تنسوني مِنْ دعواتكم المباركات.