مميز
EN عربي

الفتوى رقم #3515

التاريخ: 08/05/2021
المفتي:

هل استمر على هذا المنهج؟

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

السلام عليكم منذ مدة وانا احاول تقويم سلوكي وكانت آخر محاولاتي هي ان الزم نفسي بقراءة آيات احفظها بشكل متجدد مثلا كل عشرة ايام صفحة من كتاب الله اكررها في الصلوات بنية عدم الشرود في الصلاة وبنية مرور كل آيات كتاب الله على قلبي مع اليقين الكامل اني لن استطيع الحفاظ على ما حفظته وانني انسى ما مر عليه زمن وبسبب تجاوز عمري الخمسين فإن حفظي لصفحات جديدة ينتج عنه نسيان السابقة وقد سمعت احاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي تحض على تعاهد الحفظ وعقوبة من ينسى القرآن ولكن اشعر ان ما ألزمت به نفسي جعلني على الطريق الصحيح علما انني حاولت تعاهد ما حفظته فما استطعت فارجو النصح ولكم الشكر 

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته وبعد، فإنَّ ما اتخذت لنفْسِك مِنْ منهجِ التقويمِ سلوكاً على الصراط القويم أمر حميد لأنه مجاهدة يؤجر صاحبها عليها، ثم إنَّ إِتْباعَهُ بالتدبُّر لآياتِ اللهِ تعالى بما تيسر لك مِنْ مسالك الترقِّي صُعُداً في معارجِ التَّعرُّف على الله تعالى ذلك أنَّ بيانه الجليل رسالته القدسية إلى عبده فمن خلاله يزكيه ويعلمه ويربيه، ولا حرج في ذلك إطلاقاً.

بقي أنْ نعلمَ المقصودَ مِنَ النسيانِ المنهي عنه؛ في البداية أقول: علينا أنْ نتأمَّل قولَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم: (تعاهدوا القرآن، فوالذي نفسُ محمدٍ بيدِه لهو أَشَدُّ تَفَلُّتاً مِنَ الإبلِ في عُقُلِها) ففي قولِه عليه الصلاة والسلام (تعاهدوا القرآن) إشارةٌ إلى عظمتِه وأنَّه يعلُو ولا يُعلى عليه لأنه سريعُ التفَلُّتِ ولأنَّ حفظَهُ على المطلق لا يتأتى لأحد مهما أوتي مِنْ قوَّةِ الحافظة، مِنْ هنا قال الربانيُّون إنَّ مَنْ أُكْرِمَ بحفظِ حرفِ القرآن إنَّما أُكرمَ بحفظِهِ به ذلك أنَّ المتكلِّمَ الأوَّل بيَّنَه بقوله: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) فأهلُ القرآن محفوظون به لأنَ الحافظَ اللهُ سبحانه، والدليلُ؛ أنَّ مَنْ يحفظُ حرفَ القرآنِ مأمورٌ بتعاهُدِه وذلك لسرعة تَفَلُّتِهِ بِسِرِّ عظمتِه. فهذا النِّسيانُ للمحفوظِ أمرٌ طبيعيٌّ غير مؤثِّم ذلك أنَّ الأصلَ في تعاهُدِ القرآنِ كثرةُ تلاوتِهِ وعدمُ نسيانِ قراءةِ حرفِه، من هنا كان العنوان في بعض كتب الحديث ككتاب الترغيب والترهيب للحافظ المنذري مثلا قوله: [الترهيب من نسيان القرآن بعد تعلمه] ولم يقل بعد حفظه لأنَّ نِسيانَ المحفوظِ شيءٌ واردٌ لَفَتَ النَّظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بِقَسَمِه (فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها) من هنا أشار الفقهاء بعد التأمل لا سيما السادة الأحناف إلى أنَّ النِّسْيانَ المؤثِّم إنَّما هو نسيانُ قراءتِه بعد تعلُّمه أي: نسيانُ قراءةِ حرفِهِ، ففي كتاب الحظر والإباحة للعلامة الشيباني نقلا عن الدرة المنيفة _من مصادر الفقه الحنفي_ قال: والنِّسيانُ أنْ لا يُمْكِنَهُ القراءة مِنَ المصحف بأنْ نَسِيَ استخراجَ الخَطِّ، ثم استدل بحديث أبي داود عن أنس عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (عُرِضَتْ عليَّ أجورُ أمتي حتى القذاةُ يُخْرِجُها الرجلُ مِنَ المسجد، وعُرِضَتْ عليَّ ذنوبُ أمتي فلم أرَ ذنْباً أعظمَ مِنْ سورةٍ مِنَ القرآن أو آيةٍ أوتِيَها، ثم نَسِيَها) يُلاحَظُ كيف أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم صَوَّرَ مصدرَ الإِثْمِ بالإيتاءِ لا بالحِفْظِ، وعليه؛ فالتعاهُد يقابلُهُ استحضارُ الْمَنْسِيِّ من المحفوظ غيباً، والنسيان المؤثم يقابِلُهُ نسيانُ ما تَعَلَّمَه وأوتيه مِنْ ضبطِ قراءتِهِ، وإلَّا لما نجا من الإثم أَحَدٌ، ورحمةُ اللهِ أوسَعُ مِنْ أنْ يُحَمِّلَنا سبحانه فوقَ طاقَتِنا، ومعلومٌ أنَّ ضبطَ القارئ ما تَعَلَّمَ مِنْ حرفِ القرآن ليس فوقَ الطاقة ، فإنْ نَسِيَهُ، فهنا تَكْمُنُ المصيبةُ لِعِلَّةِ الإِهمالِ لذا يأثمُ لما فيه مِنَ التَّساهُل، وذلك من الجهل الممقوت شرعاً.

اللهم احفظنا بالقرآن والإسلام في الحال والمآل يا ذا الجلال. مع الرجاء بصالح الدعاء.