مميز
EN عربي

الفتوى رقم #3468

التاريخ: 14/12/2020
المفتي:

تجويع البطن ومخالفة النفس .. عبادة مقصودة؟؟

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

هل حبي للجوع و مخالفة النفس من الخصال التي تصلح القلب ؟ لكنني لا استطيع تحقيق ذالك كما حققه اهل الله , و هل هذا سبب يوصل الى الله , و ما نصيحتكم لي بهذه الحالة ؟ 

إنَّ تَجْويعَ النَّفْسِ لِغَرِض الوصولِ إلى هدفٍ نفسِيٍّ مُعَيَّنٍ حَصْراً إنَّما هو نَوْعٌ مِنْ أنواعِ الشَّهْوَةِ الخَفِيَّةِ، ذلك أنَّ النَّفْسَ تهوى أنْ يكونَ لها شأنٌ ورُتْبَةٌ بين الخَلْقِ، وهذا خلافُ مَنْهَجِ السُّلوك، ذلك أنَّ الأصلَ في مجاهدةِ النَّفْسِ هو التفاعلُ مع المنهجِ النَّبَوِيِّ فيه، فمسلَكُ السنة في الجوع أنْ لا نأْكُلَ حتى نَجُوَع، وإذا أَكَلْنا أنْ لا نَشْبَعَ، والعُمْدَةُ في ذلك قولُه عليه الصلاة والسلام: (ما ملأ آدميٌّ وعاءً شَراً مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابنِ آدمِ لُقَيْماتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ ...) وبذلك تتحقق المخالفة للنفس لكنْ لا تُكْتَبُ عبادةً مأْجُورةً وقربةً مُرَقِّيَةً إلا بِقَصْدِ السُّنَّة ائتساءً بصاحبها الذي جعلهُ اللهُ تعالى مَصْدَرَ النُّورِ الهادي إلى ضياء الوصول مِنْ غَيرِ هوى، وكذا القولُ في كلِّ مَنْهَجٍ مِنْ مناهج المجاهدة أنْ نَتَمَثَّلَ قولَ النَّبِيِّ المصطفى صلى الله عليه وسلم: (خُذُوا مِنَ العملِ ما تُطيقون..) والحِكْمَةُ في ذلك أن يكون الهوى منَّا تَبَعاً لما جاءَ به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وذلك لِيَتِمَّ إيمانُنا به كما قال هو عليه الصلاة والسلام: (لا يؤمن أحدُكم حتى يكونَ هواهُ تَبَعاً لما جِئْتُ به) فاجْعَلْ نَفْسَكَ تَبَعاً لِشَمائلِ الحبيبِ الأعظمِ صلى الله عليه وسلم ومكارمه في الأقوال والأفعال والأخلاق تَبْلُغْ منتهى الوصولِ وتُحَقِّقِ المأمولَ بكامِلِ العَوْنِ. ثم إنَّ الغايةَ مِنْ ذلك أنْ تدخلَ على الله تعالى ويَدُكَ بيدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنْ لا يَتَحَقَّقُ لكَ هذا إلا بِمَعْرِفَةِ شمائِلِهِ الشريفةِ على الشُّمولِ وخَيْرُ كتابٍ في ذلك كتاب سيدنا محمد رسول الله شمائله الحميدة وخصاله المجيدة لسيدي الشيخ عبد الله سراج الدين عليه الرحمة والرضوان لما فيه من التفصيل اللطيف الهادف النافع للعام والخاص والنَّاهِضِ بهِمَّةِ الْمُحِبِّ للحبيبِ عليه الصلاة والسلام نهضةَ المقتدي بمجامِعِ قلبِهِ وتَبَعِيَّةِ جوارحِهِ. هذا؛ والحكمةُ مِنْ ذلك هي الكَشْفُ عن حقيقةِ التبايُنِ في أنَّ مَنْ يُجاهدُ نفسَه لاتِّجاهٍ مّا لا يمكِنُ أنْ يصل إلى ما يَنْفَعُ أبداً شأنُهُ شأنُ أصحابِ (اليوكا) الذين يصلون بها إلى شفافية غير معرفيَّة، وخِفَّةٍ غيرِ هادِفة على الإطلاق وذلك لِخَطأ الغايةِ المرجوةِ بها المترجِمة لخطأ الوسيلة، وأنَّ مَنْ يُجاهِدُ نفسَهُ بنظامٍ عُلْوِيٍّ جوهَرُهُ نبويٌّ مصطفويٌّ يَصِلُ إلى ما ينفع نفسَهُ وغيرَه بدوام العناية الإلهية المجسِّدَةِ للعمَلِ بنورِ الله في الحركات والسكنات وحتى الخطرات. وذلك لسلامة الغاية وعافية الوسيلة. تأمل معي قولَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي الصحيح: (..وما تقرَّبَ إليَّ عَبْدِي بشيءٍ أَحَبَّ إليَّ ممَّا افْتَرَضْتُهُ عليه، ولا يَزالُ عبدي يَتَقَرَّبُ إليَّ بالنوافِلِ حتى أُحِبَّه، فإذا أَحْبَبْتُهُ كنتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ التي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ التي يَمْشِي بها، ولَئِنْ سأَلني لَأُعْطِيَنَّه، ولَئِنِ اسْتَعاذَني لأُعيذَنَّه) لاحِظْ دِقَّةَ التوجيه المحررِ لِلْقَصْدِ بقولِه سبحانه: (إليَّ)، لِتَعْلَمَ أنَّ العملَ الذي يكونُ له ومِنْ أَجْلِهِ فقط هو الموصل إليه، فَكَمْ مِنْ مُهْلِكٍ نفسَهُ في مُجاهَداتٍ شتَّى غايتُه الوصولُ إلى درجةٍ تُشْهِرُهُ أو رُتْبَةٍ تُظْهِرُهُ شأنُهُ شأنُ مَنْ يدورُ في حَلْقَةٍ مُفْرَغَةٍ يدور فيها بلا عَدٍّ ولا حَدٍّ لِيعودَ إلى ما بَدأَ كَرَّاتٍ ومَرَّات. ولعلك أدركت من ذلك الحديث القدسيِّ التوجيهِ إلى المجاهدة بحكمةٍ لطائفية هادية إلى معرفة أنَّ مَنْ يُحافِظُ على ما افْتَرَضُه اللهُ عليه بِصْدٍق وإخلاص يغنم سلامَةَ العقيدة بمقامِ التوحيد وذلك لعِنايَتِهِ بالفَرْضِ الْمُتَرْجِمِ معنى جُمْلَةِ التوحيدِ الخالصة؛ [لا إله إلا الله]، ولا معبودَ سِواهُ ولا غايةَ في المجاهدةِ إلا إيَّاه، وأنَّ مَنْ يُحافِظُ على النَّوافِلِ التي هي مَجْمُوعُ ما انْتَهَجَهُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ زينَةِ الأَعمالِ المفروضة لأُمَّتِهِ المترجِمَةِ لمعنى جملة الشَّرْحِ لمعاني التوحيد يَغْنَمُ هدْيَهُ صلى الله عليه وسلم بتمام كلمة التوحيد؛ [محمد رسول الله] وتلك هي ثوابت الوراثة المحمدية وسبيلُ الوصولِ إلى معرفة الله تعالى بالأصول المرضية. أسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد والرشاد بحرمة سيد العباد عليه الصلاة والسلام. لا تنس أن تخصنا بدعواتك الهاديات