مميز
EN عربي

الفتوى رقم #30226

التاريخ: 16/01/2012
المفتي:

عجبي بنفسي والزهو عقب مدح الغير لي يتعبني

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

أعاني كثيراً من مشكلة التحكم بخطرات النفس .. أريد القيام بالكثير من عمل الخير وبدأت به، وكل عمل يمكن أن يمدحني الناس بسببه. إن نفسي تشعر بالزهو وأنا أحاول جاهدً أن أمنع دخول العجب إلى نفسي لكنه يتسلل إليها أرجوا أعطني طرقاً عملية ملموسة للتحكم بها فأنا خائفة جداً ولا أريد التوقف عن القيام بعمل الخير
عرْضُك ضمنَ عدة مسائل، الأولى؛ حبُّك فعلَ الخيرات. الثانية؛ أن يرى الناس عملك. الثالثة؛ شعورُ النفس بالزّهو والفخر عند امتداح الناس. الرابعة؛ العلم بأن ذلك من العجب. الخامسة؛ حرصُك على التخلص والتعافي من هذا المرض. أما الأولى؛ فحبُّك فعل الخيرات مِنَ العبادات المبرورة التي تؤجرين عليها وإذا داخلك السُّرور بإبراز العمل لكونك تحبين ذلك فلا حرج؛ لأنه "مَن سرته حسنته، وساءته سيئته فهو مؤمن" كما ورد في الحديث الصحيح. وأما الثانية؛ فأن يرى الناس عملك وهنا مقدمة الخطر في الأمر ذلك أن التَعلَّقَ به منحدر إلى إحباط العمل. والدواء أن تراقبي الله تعالى في واقع حقيقة لا يجهلها مؤمن وهي أنه ناظر إلى خطراتِك وعالم بنيّتك فضلاً عن تجسيدك لعملك وأن من أسمائه الرقيب، فذكّري -عندها- نفسك بأن الشاهد هو الحاكم. وأما الثالثة؛ فشعورك بالزهو والفخر عند امتداح الناس. والدواء كما يقول الإمام السلمى: (أن تعلم أنه ليس إلى الخلق نفعك ولا ضرك وتجتهد في مطالبة النفس بالإخلاص عبر التحقق بقوله تعالى: (وما أمروا إلا لعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) وبالحديث القدسي: "من عمل عملاً أشرك فيه غيري تركته وشركه" رواه مسلم. الرابعة؛ العلم بأن ذلك من العُجب -أي والذي هو من أخطر أمراض باطن الإثم، فهو البدايةُ لتجرع الدواء الناجع الذي يدفعك -إن شاء الله- إلى التبرئ منه عبر الاستغفار والاستعاذة وطلب الإقالة من الله سبحانه كلما عرضت الخطرات وتوالت الهواجس بعزيمة البعد عن الإدّعاء، ومعرفة أنّ الخالق والموفق والمعطي والمانع إنما هو الله الذي تكرَّم على العبد باليسر في العمل والنسبة إليه، فالمال مالُ الله، والعبدُ عبد الله، ولا متصرف في الكون سواه، وما المكلّف فيه إلا مَظهر وصف الاختيار. الخامسة؛ حرصُك على التخلّص والتعافي من ذلك المرض هو نوع من أنواع المجاهدة التي تؤجرين عليها -إن شاء الله- وما دُمت على ذلك فأنت في عافية لا سيما إذا تفاعل مع المجاهدة أمُر المراقبة لله عز وجل يدفعانك للاستغفار الدائم فإنه أقوى مفاتيح النجاة من كلّ حجاب عن التواب سبحانه. يقول سيدي ابن عطاء في حكمه (لا عمل أرجى للقبول من عملٍ يغيب عنك شهوده ويحتقر عندك وجوده). أي لا عمل من أعمال البر أكثر رجاءً لقبول الله له من عملٍ يَغيبُ عنك شهودُة لأنك إنْ غِبْت عن شهود عملكَ فقد بقيت حينئذٍ بربك. لأنه مُحال أن يشهد العبدُ الشيئين معاً في وقتٍ واحد، فمقام المراقبة مثلاً هو أن لا يَغفُل ساعةً أنّ عليه رقيباً يرى ويسمع وأنه هو صاحب الشأن. وخُذ هذا المثال: سُئِلَ الإمام الجنيد رحمه الله تعالى بماذا يُستعان على غَضِّ البصر؟ فقال: بِعِلمكَ أنّ نظر الله إليك هو أسبق إلى ما تنظره. وأخْتمُ بهذه الموعظة التي أوردها الإمام القشيري في رسالته- قال: تعلّق شابٌ بأستار الكعبة وقال: إلهي؛ لا شريكَ لك فيؤتى، ولا وزيرَ لك فيُرشى، إن أطعتُك فبغضلك ولك الحمد، وإن عصيتك فبجهلي ولك الحُجة عليّ، فبإثبات حجتك عليّ، وانقطاع حجتي لديك إلا غفرت لي فَسمع هاتفاً يقول: الفتى عتيقُ الله من النار. اللهم وفقنا لأرجى الأعمال قبولاً مع العَفو والعافية ومُنّ علينا بالستر في الدارين وأعذنا من ظاهر الإثم وباطنه آمين.