مميز
EN عربي

الفتوى رقم #29904

التاريخ: 22/01/2012
المفتي:

آداب في الذكر والدعاء

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

السؤال : هل يشترط في الدعاء أن يتلفظ به ،وما تفسير قوله تعالى: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) ،وقد جاء في صحيحي البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت :نزلت هذه الآيه : ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) في الدعاء ) ، وما معنى ما ورد في كتاب الأذكار للإمام النووي فصل الإخلاص : ( اعلم أن الأذكار المشروعة في الصلاة وغيرها ، واجبة كانت أو مستحبة لا يحسب شيء منها ولا يعتد به حتى يتلفظ به بحيث يسمع نفسه إذا كان صحيح السمع لا عارض له ، وكيف يتفق هذا مع ما ورد في نفس الفصل ( الذكر يكون بالقلب ، ويكون باللسان ، والأفضل منه ما كان بالقلب واللسان جميعاً ، فان اقتصر على أحدهما فالقلب أفضل) والسؤال هو هل يشترط في الدعاء أن يتلفظ به ؟خاصة وأنني أعاني من مشكلة وهي أن في نفسي وفي قلبي تجول أدعية بالسوء فمثلاً تجول في نفسي أدعية بالشر والسوء رغما عني وتأتي على شكل وصيغ أدعية بالشر ،وأنا لا أريد أن أدعو بهذه الأدعية ولا أحبها ولكنها تجول في نفسي وبقلبي بشكل مستمر ولا أستطيع التخلص منها وهي في نفسي ولا أتلفظ بها فهل يجب أن أقلق منها وأخاف ؟أم كوني لا أتلفظ بها يجعلها لا تحتسب ولا مضرة منها أجيبوني جواباً شافيا مفصلا جزاكم الله عني خير الجزاء
بدايةً أقول: كثيراً ما تتوسّع دائرة الوهم عند العبد ودواؤها قريب منه وسهل يسير، وما شَرع الله لنا إلا لعافية القلب والقالب فأسأله تعالى لي ولكم تمام العافية مع العفو والقبول؛ أولاً؛ في أسباب النزول للواحدي بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنهما عند قوله تعالى: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) قال: نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختفٍ بمكة، وكانوا إذا سمعوا القرآن، سبُّوا القرآن ومَن أنزله، ومن جاء به، فقال الله عز وجل لنبيّه صلى الله عليه وسلم: (ولا تجهر بصلاتك ...) أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبّوا القرآن (ولا تخافِت بها) عن أصحابك فلا يسمعون (وابتغ بين ذلك سبيلا). والحديث في البخاري ومسلم. وقالت السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها: نزلت الآية في التشهد وقالت أيضاً: نزلت في الدعاء هذا؛ وقد رجّح الإمام السيوطي والنووي رحمهما الله وغيرهما رواية ابن عباس رضي الله عنهما لكونها أصحَّ إسناداً. وطالما أن الآية ظاهرة التعلق بالصلاة كما أكثر الشواهد فهي دائرةً في فلكها كما يشير في التوفيق بينهما الحافظ ابن حجر. ثانياً؛ إنَّ كلام الإمام النووي رحمه الله تعالى فيما يتعلق باللّفظ كشرطٍ للصحة وأن يُسْمِعَ نفسه إنما هو كلام جمهور الفقهاء، ولعلَّنا لم نَنتبه إلى قيد الصلاة عند قوله: (أن الأذكار المشروعة في الصلاة من تلاوةٍ وذكرٍ ودعاء). أما كلامه عن ذكر اللسان والقلب فهذا -وإن كان في الفصل نفسه- غير أنه موضوعٌ آخر وهو خارج عن نظام الصلاة، يشير بذلك إلى حركةِ القلب في ذكر الله، وحركة اللسان كذلك، وأن الكمال بهما معاً، وأنّ ذكر القلب إنما هو الذكر الخفي إشارةً إلى حديث "خيرُ الذكر الخفي". وأما أفضليةُ ذكرهما معاً فلأنه عمل جارحة اللسان مع حضور الجنان في ذكره الرحمن كما أفاده ابن علان. وقوله: فإن اقتصر على أحدهما فالقلب أفضل إنما هي مسألة الذكر على المراقبة للحقِّ سبحانه وقد ذكر الإمام النووي في شرحِه على مسلم ... أنه؛ اختلف السلف في ذكر اللسان والقلب أيهما أفضل ... لكنه خَتَم كلامه في الأذكار بقوله: ثم لا ينبغي أن يترك الذكر باللسان مع القلب. أقول: وثمرةُ الكلام هو أن يتحقّق الذاكر في حضور القلب مع المذكور حينما يريد أن يذكره بلسانه ... والله تعالى أعلم. هذا؛ وقد ذكر ابن علان الصديقي رحمه الله عند كلام النووي ذاك في الأذكار كلاماً تفصيلياً نفسياً جديراً بالرجوع إليه والتأمّل. ثالثاً؛ أن تسمَع النفس الدعاء أثناء اللّهجِ به هو مطلب شرعي ما ينبغي أن يُستهان به، بل هو من الأسُس لشغل الجارحة بما خُلِقت من أجله. رابعاً؛ أما ما يجول في النفس مما ذكرت عبر هواجس وخواطر لا إرادية فإنّ الله تعالى لا يحاسب عليها. وعليه فلا إثم ذلك أنها وساوس شيطانية لا ارتباط بينها وبين ما يُعزَم عليه عادة، فلا تكترث ولا تقلق ولا تخف فإنه من المعفُوات ودواؤه إنْ خطر أو طرأ على النّفس أن تذكر الله باللسان والجنان مع النفس بــ لا إله إلا الله وحده لا شريك له فإنه بذلك تَتَبدّد تلك الوساوس بإذن اله تعالى. وطبْ نفساً واعلم بأن الشيطان لا يأتي القلبَ الخَرِب بل يُحاول تخريب القلب العامر والخاشع، وعليه فإنه إذا قوبِلَ بالذكر خَنَس ولا إله إلا الله رأس الذكر. وذكر عن أحمد بن أبي الحواري رحمه الله قال شكوتُ إلى أبي سليمان الداراني في الوسواس فقال: إذا أردت أن ينقطع عنك، فأيَّ وقت أحسَسْت به فافرح، فإنك إذا فرحت انقطع عنك لأنه ليس شيء أبغَضَ إلى الشيطان من سرور المؤمن، وإن اغتممت به زادك. قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: وهذا ما يؤيّد ما قالَه بعض الأئمة: إن الوسواس إنما يُبتلى به من كمل إيمانه فإنَّ اللص لا يقصد بيتاً خَرِباً. قلت: فإنهم قالوا: إنما الوسواس من التقوى فإن لم يلتفتِ التقي إلى تشويش شيطانه ارتقى من مقام التقوى إلى مقام الورع. أكرمني الله تعالى وإياك بمعارج الرُّقي على الذُّوق الإيماني مع تمام العفو والعافية وحباك ورعاك آمين.