مميز
EN عربي

الفتوى رقم #28809

التاريخ: 14/01/2012
المفتي:

ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. كيف يمكن التوفيق بين قول الرسول صلى الله عليه وسلم:((ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة)) وبين الحديث: ((ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته وإما أن يدخرها له في الآخرة وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها)) قالوإذا نكثر. قال((له أكثر)) فالإنسان لا يعلم ما هو خير له وما هو شر, فكيف يوقن بالإجابة مع احتمال أن تكون دعوته شراً له ولا يستجاب له؟ وجزاكم الله خيراً
قبل كل شيء ينبغي أن نعلم أصل الأمر وجَذْره للانطلاق منه إلى مرقاةٍ عُلوية تفتح لنا آفاق الفَهم عن الله تعالى عبر هذا التفصيل اللطيف!. أ. أن الطالب لدعائك إنما هو الذي تدعوه سبحانه وقد بيّن ذلك في كتابه وعلّله بقوله: (وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) فالإعراض عن الدعاء في كلّ الأحوال استكبار، ذلك أن الدعاء بأصله عبادة بل هو مخّ العبادة كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم. ب. أن طالِبَ الدعاء هو المكلِّف والخالق والمدبّر، والحكيم العالم بالإجابة والمصلحة. ج. أن إطلاق الطلب يشير إلى الدعاء الكامل الذي توفرت لدى صاحبه شروطُ صحته والتي من أهمها أن تدعُوه متحققاً بمقام عبوديتك له وأنه ربّ جليل عظيم يُسأل عبادةً قبل أن يُسأل مصلحة وغاية. وبدعاء لا يَشوب كمالَه نقص كطلب إثم أو قطيعة رحِم أو ظلم. فقوله صلى الله عليه وسلم: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة - فيه اشارة إلى صحوة قلب العبد بشهوده المتصرف الحق سبحانه- والتي هي في تمام الحديث بقوله صلى الله عليه وسلم: "واعلموا أن الله تعالى لا يستجيب دعاءً من قلبٍ غافل لاهٍ" أخرجه الترمذي. فالقلب الغافل صاحبه محجوب عن الحق مشغول برؤية الخلق. وأما قوله صلى الله عليه وسلم .. إلا أعطاه بها إحدى ثلاث .. إلخ الحديث: "ففي ذلك إشارة إلى حكمة رب العالمين في أنه يستجيب للعبد بما يوافق مصلحته في الدنيا والأخرة، ثم إن تعليلك في أن الإنسان لا يعلمُ ما هو خير وما هو شر دليل على تناغم الأدلة، ذلك أن الله عز وجل أدرى بمصلحة العبد، لذلك ما شرط عليه إلا أن يدعوه بالدعاء الخالص والذي هو بالعبودية والأدب واليقين واللقمة الحلال، ودوام الدعاء مع الاضطرار في كمال الافتقار. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "إلا أعطاه بها إحدى ثلاث" أليس في ذلك استجابةٌ ولكن بحكمة الربّ وفضله، لا برؤية العبد. وخبرني بربك فأيهما أولى وأحكم؟ يقول سيدي ابن عطاء: "لا يكن تأخّر أمدِ العطاء مع الإلحاح في الدعاء موجباً ليأسك فهو ضَمِنَ لك الإجابة فيما يختاره لك، لا فيما تختاره لنفسك وفي الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد إهـ حكمة 6. ودونك هذا الحديث الذي أخرجه الحاكم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يدعو الله بالمؤمن يوم القيامة حتى يوقفه بين يديه فيقول: عبدي! إني أمرتك أن تدعوني ووعدتك أن استجيب لك، فهل كنت تدعوني؟ فيقول: نعم يا رب. فيقول: أما إنك لم تدعني بدعوةٍ إلا استجبت لك، أليس دعوتني يوم كذا وكذا لِغَمٍّ نزل بكَ أن أفرِّج عنك ففرّجت عنك؟ فيقول: نعم يا رب فيقول: إني عجَّلتها لك في الدنيا .. ودعوتني يوم كذا وكذا لَغمٍّ نزلَ بك أن أفرج عنك فلم تر فرجاً؟" قال: نعم يا رب. فيقول: إني ادّخرت لك بها في الجنة كذا وكذا ... ودعوتني في حاجة أقضيها لك في يوم كذا وكذا فقضيتها لك؟ فيقول: نعم يا رب. فيقول: إني عجّلتها لك في الدنيا ... ودعوتني يوم كذا وكذا في حاجة أقضيها لك فلم تر قضاءها؟ فيقول: نعم يا رب. فيقول: إني ادخرت لك بها في الجنة كذا وكذا". قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فلا يَدَعُ الله تعالى -أي لا يترك- دعوةً دعا بها عبدُه المؤمن إلا بيّن له: إما أن يكون يكون عجّل له في الدنيا، وإما أن يكون أدخّر له في الآخرة" قال: فيقول المؤمن في ذلك المقام: يا ليتَه لم يكن عَجَّل له بشيء من دعائه" أي: من أمور الدنيا. وفقنا الله تعالى لما فيه صلاح قلوبنا وزكاة النفوس في رحاب وقفة الأدب لتحقيق الأرب. آمين هذا والله تعالى أعلى وأعلم.