مميز
EN عربي

الفتوى رقم #28654

التاريخ: 01/01/2012
المفتي:

هل يجوز دعاء الصالحين من الأموات وهل لديهم القدرة على السماع والإجابة

التصنيف: الرقائق والأذكار والسلوك

السؤال

هل يجوز دعاء الصالحين من الاموات والاولياء وال البيت وهل لديهم القدرة على سماع الدعاء او الاجابة ؟ام إنهم واسطة بيننا وبين الله تبارك وتعالى .
المنطلق في هذه المسألة والأساس فيها مشروعية زيارة القبور ونحن نعلم أن الإسلام لا يشرع حكماً إلا لحكمة تعود بالنفع العام. وأن كلّ حكم نؤمر به أو يرخص لنا في أدائه يأتي ضمن ضوابط شرعية يُجسدها المشرَّع الأول صلى الله عليه وسلم. فهو القدوة والأسوة بأمر الله. فكان صلى الله عليه وسلم يزور أهل البقيع ويسلّم عليهم بكافِ الخطاب ففي مسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أتاني جبريل فقال: إن الله يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم" قالت عائشة: قلت: كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: "قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون". وفي الترمذي بسند حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور أهل المدينة، فأقبل عليهم بوجهه فقال: "السلام عليكم يا أهل القبور يغفر الله لنا ولكم، وأنتم سلفنا ونحن بالأثر". هذا؛ وقد ورد في الصحيحن: "إن الميّت ليسمع قرع نعال المشيعين له إذا انصرفوا" والأحاديث في أن أهل البرزخ يسمعون ويعون خطاب الزائرين وكلامهم مستفيضة. ويُعلن من ذلك كلّه أن في خطاب النبي صلى الله عليه وسلم أهل القبور واقعاً أعلمه الله تعالى به، وإلا لما فعله صلى الله عليه وسلم، وحاشا النبي أن يعبث وهو المشرع للأمة بأمر الله تعالى. يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى -بعد تصحيحه رواية ابن عمر في قتلى قَليب بدر وخطاب النبي صلى الله عليه وسلم لهم-: والصحيح عند العلماء رواية عبد الله بن عمر لما لها من الشواهد على صحتها من وجوهٍ كثيره. من أشهر ذلك ما رواه ابن عبد البر مصححاً له عن ابن عباس مرفوعاً؛ "ما مِن أحد يمر بقبر أخيه المسلم كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد السلام". وثبت عنه صلى الله عليه وسلم لأمته إذا سلموا على أهل القبور أن يسلموا عليهم سلام من يخاطبونه فيقول المُسَلِّم: السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين وهذا خطابٌ لمن يسمع ويعقل، ولو لا هذا الخطاب لكانوا بمنزلة خطاب المعدوم والجماد، والسلف مجمعون على هذا، وقد تواترت الآثار عنهم -أي عن السلف- .. إلى أن قال: وهذا باب فيه آثار كثيرة عن الصحابة. وكان بعض الأنصار من أقارب عبد الله بن رواحه يقول: اللهم؛ إني أعوذ بك من عمل أخزى به عن عبد الله بن رواحة، كان يقول ذلك بعد أن استشهد عبد الله. وقد شُرع السلام على الموتى، والسلام على من لم يشعر ولا يعلم بالمسلم محال ... فهذا السلام والخطاب والنداء لموجود يسمع ويخاطب ويعقل ويرد، وإن لم يسمع المسلم الرد أهـ. انظر تفسير ابن كثير آية 51-52 من سورة الروم. قلت: فإن كان هذا قد ثبت وبالأدلة التي لا تُرد كما قال أهل الحق، ومن حق أموات الأمة عامة فكيف يكون الشأن في حق أنبيائها وأوليائها وصالحيها.؟؟! وفي المستدرك أن النبي صلى الله عليه وسلم زار قبور الشهداء بأحد فقال: "اللهم: إن عبدك ونبيك يشهد أن هؤلاء شهداء وأنه من زارهم وسلم عليهم إلى يوم القيامة ردّوا عليه". أما سؤالك عن كونهم واسطة فإني أقول وباختصار، قد جعل الله تعالى قدرهم هو السببَ أن يُسأل سبحانه ببركتهم رفعاً لشأنهم وتأكيداً على علوَّ مقامهم مقام من تولى أوامر الله ونواهيه فتولاه الله بالعناية والرعاية والاختصاص فكانوا أولياءه بحق يقول سبحانه: (ألا إنّ أولياء الله لا خوف عليهم ولاهم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة..) وأنت تعلم أن القبر من دور الآخرة. لكن لا يظنّنّ ظان أن اعتقادنا ذاك نابع من اعتقادٍ بتأثيرهم الذاتي فإن أحداً من المسلمين حتى عوامهم لا يقول به أبداً، فعقيدتنا التي نلقى الله عليها أنه لا يملك التأثير الذاتي ابتداءً إلا الله سبحانه وتعالى فذلك من خصائص الربوبية. إذاً فما الذي يدور في فلكه العبد؟ أقول: إنه مقام عبوديته الخالص لربه هو ما يمكن العبد ويجعله به يسمو وفي دوحته يتمتع فيه يرتقي وبسببه وسيلة يرتقى وكلّها وسائط والمعطي الله سبحانه. وألفت النظر إلى لطيفة سهلة الفهم واضحة الدلالة؛ إننا حينما نتوسل إلى الله بأحبابه من أنبياء وأولياء وصالحين وندعو فنقول: اللهم إني أسألك بفلان تُرى مَن نسأل سوى الله؟؟ أقول: إننا نسأل الله بأعمالنا الصالحة وهي مخلوقة، ونسأل الله بخواصّ عباده وهم مخلوقون ونسأل الله بما يحب منا أن نسأله وهي بجملتها مسائل مشروعة وأدلتها كثيرة في كتاب الله وهدي حبيبه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم. ختاماً: أحيلُ السائل إلى عدة مصادر يجد فيها ما يثلج صدره وينير عقله ويفرح قلبه؛ 1- شرح الصدور بشرح حال المولّى وأهل القبور. 2- كتاب الروح لابن القيم أو مختصره سر الروح للمحدث البقاعي. 3- كتاب التحرير المرسخ في أحوال أهل البرزخ لابن طولون. 4- الوسيلة إلى فهم حقيقة التوسل للدكتور محمد سامر النص.