مميز
EN عربي

الفتوى رقم #27781

التاريخ: 15/12/2011
المفتي:

هل صحيح ما يدعيه البعض بان قراءة الفاتحة للأموات بدعة

التصنيف: فقه العبادات

السؤال

السلام عليكم..... أستاذتي العلماء تكثر الأقوال أنه لا يجوز قراءة الفاتحة للأموات (يقولون أنها لا تصل)، ويقولون أنها بدعة لأني النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعلها ولو كانت مفضلة لكانت فعلها... أرجو الاجابة مع الاستفراط لإعطاء دليل وبرهان دامغ ، وجزاكم الله عنا ألف خير
إن أصل المسألة ضمن مسلكين الأول: قراءة القرآن على الأموات الثاني: انتفاع الميت بعمل الحي. أما الأول: فقد قال سيدي الدكتور سعيد حفظه الله وأدام نفعه: قراءةُ شيء من القرآن بقصد وصول ثوابه إلى ميت ليس محرماً كما يظنُّ البعض، والمأمول أن يصل ثوابها فعلاً إليه إن ختمت التلاوة بدعاء يتضمن هذا الطلب -أي فيصِلُ بدعائنا للأموات وهذا في أصله جائز-. ثم قال: والدليل قول الله عز وجل (وقال ربكم ادعوني استجب لكم) وهذا مذهب جمهور الشافعية وكثير من المالكية بل هو رأي أكثر الفقهاء - كتاب مع الناس 177/178. وفي الموسوعة الفقهية الكويتية: ذهب الحنيفة والحنابلة إلى جواز قراءة القرآن للميت وإهداء ثوابها له. قال ابن عابدين نقلاً عن البدائع: ولا فرق بين أن يكون المجعول له ميتاً أو حياً، ثم بعد ذلك يجعل ثوابه لغيره وقال الإمام أحمد: الميتُ يصل إليه كل شيء من الخير، للنصوص الواردة وقال العلامة ابن قدامة المقدسي: وقد روي عن أحمد أن قال: إذا دخلتم المقابر آية الكرسي وثلاث (قل هو الله أحد) ثم قل: اللهم اجعل فَضله لأهل المقابر. هذا؛ وروي عنه أنه قال: القراءة عند القبر بدعة... قال أبو بكر نَقَلَ ذلك عن أحمد جماعةٌ ثم رجع رجوعاً أبان به عن نفسه، فروى جماعة أن أحمد نهى ضريراً أن يقرأ -أي القرآن- عند القبر ... فقال له: يا أبا عبد الله: ما تقول في مبشّر الحلبي، قال: ثقة، قال: فأخبرني مبشر عن أبيه أنه أوصى إذا دُفن يقرأ بفاتحة البقرة وخاتمتها، وقال: سمعت ابن عمر -أي الصحابي الجليل- يوصي ببذلك. قال أحمد بن حنبل: فارجع فقل للرجل يقرأ. وقال الإمام السيوطي؛ وقد استدلوا على الوصول -أي وصول ثواب القراءة- بالقياس على الدعاء والصدقة والصوم والحج والعتق، فإنه لا فرق بينها. وأخرج الطبراني عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج قال: قال لي أبي: يا بني إذا وضعتني في لحدي فقل: بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سُنّ التراب سنا ثم عند رأسي بفاتحة البقرة وخاتمتها، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك. تنبيه: ينظر إلى أن العلاء تابعي وإنما سمع من ابن عمر -أي الصحابي- يوصي بذلك. وأخرج الخلال في الجامع عن الشعبي قال: كانت الأنصار إذا مات لهم الميت اختلفوا إلى قبره يقرؤون لموتاهم من غير نكير فكان ذلك إجماعاً. وقال النووي في شرح المهذب: يستحب لزائر القبور أن يقرأ ما تيسر من القرآن ويدعو لهم عقبها نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب. وزاد في موضع آخر: وإن ختم القرآن على القبر كان أفضل ...أه (من شرح الصدور للحافظ السيوطي). وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى: إن الميت ينتفع بقراءة القرآن كما ينتفع بالعبادات المالية من الصدقة ونحوها. ونُقل مثله عن ابن القيم. ويقول الإمام النووي رحمه الله وعلى هذا الجمهور منذ القديم إلى عصرنا هذا وفي عمده القاري على شرح البخاري لحافظ العيني عند شرحِه لحديث ابن عباس "مرّ النبي صلى اله عليه وسلم. بحائط من حيطان المدينة فسمع صوت إنسانين يُعذبان ... والذي آخره أنه وضع جريدة النخل بعد أنْ شقّها نصفين ثم قال: "لعلّه أن يُخفف عنهما ما لم يَيْبَسا" قال: واستحب العلماء قراءة القرآن عند القبر لهذا الحديث، لأنه إذا كان يُرجى التخفيف لتسبيح الجريد فتلاوة القرآن أولى – (كتاب عمدة القاري في شرح البخاري 3/117). وقال الإمام الطحطاوي في حاشيته على مراقي الفلاح: وإذا كان يُرجى التخفيف بتسبيح الجريدة فتلاوة القرآن أعظمُ بركة (الكتاب ص 343) الثاني: انتفاع الميت بعمل الغير أدلّته مستفيضة أذكر منها؛ ما رواه البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن سعد بن عبادة توفيت أمّه -وهو غائب- فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أمي ماتت وأنا غائب فهل ينفعها إن تصدقت عنها ؛ قال صلى الله عليه وسلم: "نعم" قال سعد: فإني أشهدك أن حائطي صدقة عنها". بقي الجواب عن مفهوم قول صلى الله عليه وسلم "إذا مات ابن آدم انقطع عمله ...إلخ الحديث" فقد استدل المنكرون به على عدم جواز قراءة القرآن على الميت... نعم؛ انقطع عمله هو، ولكن عمل الناس له هل انقطع؟؟. فلو أجزنا هذا المفهوم للزم أن نلغي جملة من الأحاديث الصحيحة الشاهدة على جواز انتفاع الميت عموماً بعمل الحي، ولما صحت صلاة الجنازة عليه التي هي من عمل الغير وما قال بمثل هذا أحد، وأخبرني .. من المنتفع بها؟ ومن أجل مَن أقيمت؟ وهل فيها إلا قراءة الفاتحة والصلوات الإبراهيمية والدعاء؟. أقول في الختام: إننا لا نُنكر على من يأبى القراءة فهو وشأنه ولكن إنكارنا على من يحجِّر رحمة الواسع جل جلاله. فاللهم ارحمنا حيين وميتين آمين يا رب العالمين.