مميز
EN عربي
الكاتب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 04/05/2015

واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه

مقالات مقالات في المواعظ والرقائق والأذكار والسلوك

{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ}

متى يكرمنا الله بنعمة الإخلاص لوجهه؟

الإمام الشهيد البوطي

ما تحدثت يوماً عن منكر تلبّست به الدولة أو بعض من مؤسساتها، مذكِّراً بضرورة الإقلاع عنه، إلا واجهتني على ذلك من الناس عبارات المديح والإطراء ومشاعر الإكبار والإعجاب‏.‏‏.‏ وربما نَعَتَني كثير منهم بالبطولة والجرأة النادرة، ونكران المصالح الشخصية في سبيل الانتصار لأمر الله والدفاع عن الحق‏.‏‏.‏ وربما أقبل إليّ منهم من يهلل ويصفق، لنهوضي بهذا الواجب الجهادي، ويحمسني ويدفعني إلى المزيد‏.‏

ولكني ما أذكر أني تحدثت عن ذلك المنكر ذاته أو مثله، متجهاً به فئة من الناس، بعيداً عن الدولة والمسؤولين، محذراً منه ومهيباً بضرورة الإقلاع عنه، إلا واجهتني على أعقاب ذلك عبارات النقد والعتاب‏.‏ وربما نالني الكثير من التقريع، واتُهمت من جراء ذلك بالقسوة والبعد عن ضوابط الحكمة‏!‏‏.‏‏.‏ وفي الذهن الآن نماذج وشواهد كثيرة، لكلٍ من هاتين الحالتين المتناقضتين‏!‏‏.‏‏.‏

ترى ما الفرق في مشروعية إنكار المنكر والتحذير منه، بين أن تكون أنت المتلبّس به فيتجه الإنكار له والتحذير منه، مني إليك، وبين أن يكون رئيسك هو المتلبس به فيتجه الإنكار والتحذير إليه‏؟‏‏.‏‏.‏

لماذا تظهر خطورة المنكر وشناعته، عندما يظهر في إحدى مؤسسات الدولة، وتغيب خطورته وتنطوي شناعته، ويغدو أمراً مقبولاً عندما يظهر في أي من المرافق العامة العائدة إلى تجار أو رجال أعمال أو أي طبقة مرموقة من الناس‏؟‏‏.‏‏.‏

لا أجدني من هذا السؤال إلا أمام جواب واحد، لا أملك سبيلاً للتحول عنه، إنه الجواب التالي‏:‏

إن الحافز في كلا الحالتين، إنما هو الأمزجة والمصالح‏.‏

أما في الحالة الأولى، فإن أمزجة أكثر الناس تنتعش وتطرب لمرأى المعارضة إذ تهبّ في وجه الدولة ورجالها، لسبب مّا أياً كان‏.‏‏.‏ لاسيما عندما تتورط الدولة في بعض المظالم وتنال من حقوقٍ للآخرين‏.‏ فهم إذ يصفقون ويطرون ويمدحون، إنما ينفّسون بذلك عن مشاعرهم ويشفون به غليل نفوسهم‏.‏

أما في الحالة الثاني، فإن أمزجة الناس بعضهم تجاه بعض، خاضعة لشبكة المصالح المتبادلة، والأطماع الدافعة، والأغراض السارية‏.‏‏.‏

وهو الأمر الذي يقتضيهم اتخاذ موقف جامع من الدفاع لاعن أنفسهم فحسب بل أيضاً عن رفاقهم وأندادهم الذين تجمعهم معهم شبكة المنافع والمصالح‏.‏ فهم إذ ينتقدون ويتهمون بالقسوة والشرود عن ضوابط الحكمة، إنما يرسخون بذلك آمالهم المصلحية، ويدافعون عن شبكة علاقاتهم التجارية‏.‏

أما مسألة التوجه إلى رضا الله والقرب منه، فغائبة عن الساحة في كلا الحالين‏!‏‏.‏‏.‏

والأمر الذي يؤرق النفس ويرمض القلب، يتمثل في مواجهة السؤال التالي‏:‏

عندما يتعامل جلّنا مع الله الذي يعلم السر وأخفى، على هذا المنوال، تمسّحاً بدينه في الظاهر، واستخفافاً به وإعراضاً عنه في الباطن، ما هي المعاملة التي يجب أن نتوقعها منه لنا‏؟‏‏.‏‏.‏ ترى كم واحداً منهم التفت إلى خطاب الله وقرآنه فوعاه، ووقف أمام قوله تعالى‏:‏

‏{‏وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 2‏/‏235‏]‏ ‏؟‏‏!‏‏!‏‏.‏‏.‏‏.‏

تحميل