العلّامة الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي
إلى صانعي قرارات المكر السياسي في العالم
إلى صانعي قرارات المكر السياسي في العالم
مقال بتاريخ 1 أيار 2000م
الإمام الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي
كنا ولانزال، نؤكد أن الديمقراطية التي نَعني حرية الشعوب في اختيار قادته.
ليت أن كلمتي هذه تبلغ أسماع صانعي قرارات التحكم في العالم، أولئك الذين نجحوا في إذلال القانون العالمي لسلطان أطماعهم، ونجحوا في تأجيج نار الخصومات بين الجيران والأشقاء لامتصاص خيراتهم؛ ونجحوا في شلّ أنشطة ذوي الاقتصاديات المحدودة، إبقاء على احتكاراتهم وإمعاناً منهم في تحويل العالم إلى أسواق استهلاكية لشركاتهم... نجحوا في كل ذلك.. ولكنهم لم ينجحوا في أن يبرهنوا للعالم على أنهم يتمتعون كغيرهم من البشر، بمعاني الإنسانية التي تميزهم عن البهائم والوحوش.
نجحوا في الادعاءات العريضة، ولكنهم أخفقوا في استنطاق أي دليل على صدق ما يدّعون... نجحوا في دعوى أنهم ملائكة يمشون على الأرض، ولكنهم أخفقوا في استبعاد سمة الشياطين العاتية عن أعمالهم وعن خططهم الماكرة الظالمة.
ليت أن هؤلاء الذين يعبثون بالعالم من حولهم، ويتخذون من حقوقه كرة يتقاذفونها بينهم، يصادفون كلمتي هذه باهتمام ولو عابر، وبوعي ولو قليل!... إذن لقلت لهم:
هل لكم أن تذكروا بأنكم لستم القوة الكبرى في العالم الذي تعيشون فيه، وأن تعلموا ـ إن كنتم لم تعلموا بعد ـ بأنكم عبيد أذلاء لمن نشر من قوته ذرة واحدة في العالم الذي تعيشون فيه، ليستخلف الناس في النهوض بأمره وإقامة شرعه وعدله.
لسوف تُستَردُّ منكم هذه القوة بكل مظاهرها وأنواعها... ولسوف تحلّ محلّها نار من الندامة الكاوية، تسري مسرى الهواء من أنفاسكم وتجري مجرى الدم من عروقكم.. ولسوف يسألكم ذلك الذي لا تقيمون له اليوم وزناً ولا تحسبون له حساباً، عن أمانة القدرة والعلم التي استودعها لديكم، لترسِّخوا بها على الأرض دعائم الرحمة والعدل، فاتخذتم منها سلاحاً للبغي وحبالة للظلم والمكر!...
سيسألكم عن الأقوات التي قدّرها في كل بقعة من ظاهر الأرض وباطنها، وراعى فيها كفاية الناس جميعاً في كل زمان ومكان، فحبستم تلك الأقوات كلها ملكاً لأطماعكم، واتخذتم من أصحابها عبيداً أذلاء لتنفيذ خططكم وخدمة أحلامكم... سلبتم الحقوق وخنقتم الحريات تحت ستار من الاهتمام الكاذب بها، والحماية الزائفة لها.
أنا أعلم أن هذا المنطق غريب عن أسماعكم، إذ لا يقاضيكم اليوم إليه أحد، بل لعلكم تسخرون منه ما وسعتكم السخرية!...
وليت أن حوافز سخريتكم تصحبكم ولا تتخلى عنكم إلى النهاية، إذن لكانت سخريتكم هي المنطق الحق، ولكن فلتعلموا أن حوافزكم هذه ستتخلّى عنكم عما قريب.. إنّ عمر هذه الحياة الدنيا لقصير، لسوف تمر الأيام وتنقضي، ولسوف تستيقظون من وهم أحلامكم على الحقيقة التي لا مردّ لها.
لسوف تُسْتَوقَفُون أمام محكمة الله الذي يراقب الظاهر والباطن من كل شؤونكم اليوم، ولسوف يكون حكمه المبرم ـ كما قد أخبر وتوعد في محكم كتابه وصادق خطابه ـ شقاء دائماً لانهاية له!...
وبعد.... فيا طغاة العالم باسم الإشفاق عليه، و يا لصوص الحقوق والممتلكات باسم الحماية لها والسهر عليها، ويا مستعبدي الشعوب باسم العولمة والسوق إلى النظام العالمي الواحد: لكم أن تستمروا في كل هذا الذي استمرأتموه واستعذبتموه. ولكن حاذروا من أن تخونكم البطولة فلا تتمكنون من الثبات إلى النهاية.. حاذروا من ندامة تعتصر منكم القلوب، ومن عذاب واصب ينسيكم نشوة الطغيان، ويوقظكم من سكرة العبث الأرعن بمملكة الله عز وجل، والاستهانة بعباده، وأنتم يا أيها المستضعفون ليس لكم من دواء إلاّ أن تتحدوا... فهل أنتم فاعلون؟