مميز
EN عربي
الكاتب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 08/12/2013

كيف تكون مسلماً - موجهٌ للمسلمين الجدد

بحوث ودراسات

بسم الله الرحمن الرحيم
[من آخر ما كتبه الإمام العلامة شهيد المنبر والمحراب السعيد في العقيدة الإسلامية مبسطاً للمسلمين الجدد]

الحمد لله الموفق والهادي إلى طريق الرشاد، والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه وبعد:

فهذه صفحات يسيرة تتضمن بياناً سهلاً جامعاً لمعنى الإسلام، كتبته للمتطلعين إليه والسائلين عنه من غير المسلمين.

أسأل الله أن يجعله سبيل الوصول إلى ما يبتغون وأن يهدينا جميعاً إلى دينه القويم وصراطه المستقيم.

- من هو الإنسان؟

- هو أكرم المخلوقات، بسبب المزايا التي يتمتع بها. وأجلّها مزية العقل والفكر، ومزية توجه الأنظمة الكونية التي تتحرك من حوله إلى خدمته وتحقيق مصالحه.

- من الذي خلقه وميّزه بهذا التكريم؟

- هو الله الذي أبدع هذه المكونات كلها، وقد دلت عليه مصنوعاته العجيبة في نظامها وأهدافها.

يقرر العلم أن كل المخلوقات المختلفة التي من حولنا لها وظائف فهي عاكفة عليها. أليس للإنسان المتميز عليها جميعاً وظيفة كُلِّف بها؟

- بلى، هو مكلف بوظيفة قدسية هامة، من قِبَل إلهه الذي خلقه وكرّمه.

-فما هي وظيفته؟

- هما وظيفتان: إحداهما علمية اعتقادية، والثانية سلوكية عملية.

-ما هي الوظيفة العلمية؟

هي أن يتأمل فيعلم الحقائق التالية:

أولاً: أن يعرف نفسه مخلوقاً ومملوكاً لله عز وجل، يتحرك بقدرته، ويعيش تحت حمايته وألطافه، وهذا معنى كونه (عبداً لله).

ثانياً: أن يعلم أن الله الذي خلقه واحد لا شريك له في الألوهية والرعاية.

ثالثاً: أن يعلم أن الله له ملائكة ذوو أجسام روحانية لا يعصون الله ما أمرهم، وأن لهم وظائف قائمون على أدائها.

رابعاً: أن يعلم أن الله أرسل رسلاً إلى أقوامهم، خلال العصور المتصرّمة، وكان آخرهم محمد عليه الصلاة والسلام ولكنه أُرسل إلى الناس جميعاً، وأن يؤمن بنبوة من ذكر القرآن أسماءهم منهم.

خامساً: أن يعلم أن الله بعث معهم إلى الناس كتباً عن طريق (جبريل) تتضمن دعوة الناس إلى الإيمان بأن الله واحد وهو إله الكون كله (ومعنى الإله مالك الكون والمتصرف به)، وتتضمن دعوته إلى الإيمان بأن الله سيميت كلاً منهم عند حلول أجله، وأنه سيعيدهم إلى الحياة، وأنه سيثيبهم على الخير ويعاقبهم على الشر، وأن يعلموا أن الجنة عَالَم كبير فيه كل أصناف النعيم أعدّ للصالحين، وأن جهنم عالَم من العذاب أعدّ للأشرار.

ثم إن معرفة هذه الأمور الخمسة واليقين بها تسمى (الإيمان).

وما هي وظيفة الإنسان السلوكية؟

هي الالتزام بالواجبات التالية:

1- إقامة الصلوات الخمس الموزّعة على ساعات اليوم والليلة.

2- صيام شهر رمضان بالطريقة المفصّلة في القرآن وفي بيان محمد صلى الله عليه وسلم.

3- الحج إلى بيت الله الحرام (الكعبة) وأداء المناسك المعروفة التي بيّنها القرآن ومحمد عليه الصلاة والسلام، إن استطاع ذلك بجسده ومالِه.

4- إخراج نسبة محددة من ماله للمحتاجين كل سنة (الزكاة) إن بلغت ممتلكاته قدراً معيناً.

5- أن يشهد بلسانه أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. وأن يعزم على تنفيذ سائر شرائعه وأحكامه التي جاء بها القرآن وشرحها لنا رسول الله، جهد الاستطاعة وكلها واجبات إنسانية تحقق الحب والعدل، ثم إن الالتزام بهذه الوظائف والاستسلام الفكري لها يسمى (الإسلام)

هل بعث الأنبياء كلهم بهذه التعليمات ذاتها؟

- أما الوظائف العلمية والفكرية التي تسمى (العقائد) فإن جميع الرسل والأنبياء بدءاً من أولهم (آدم) عليه السلام إلى آخرهم (محمدٍ) عليه السلام بعثوا بعقيدة واحدة أَمَرُوا الناس بها، وهي هذه العقيدة التي لخصّتُها لك في الحقائق الخمس التي يجب الإيمان بها.

وأما الشرائع والأحكام السلوكية، فقد اختلفت ما بين نبي وآخر، لأن الأحكام السلوكية (الواجبات، المحرّمات، المباحات) إنما يراعي الشارع فيها - وهو الله - مصالح الناس، ومصالحهم تختلف ما بين زمان وآخر، وما بين منطقة وأخرى.

ما الفرق بين الشرائع التي بعث بها محمد صلى الله عليه وسلم، والتي بعث بها بقية الرسل من قبله؟

- الفرق هو أن الشريعة التي بعث بها محمد عليه الصلاة والسلام عامة للناس جميعاً، ومستمرة إلى يوم القيامة، لأنه خاتم الرسل وآخرهم، ولأنه أرسل للناس جميعاً. أما الرسل الذين جاؤوا من قبله، فإنما أرسل كل منهم إلى قومه، فشريعته خاصة بهم، ولمدة محدودة.

 ولكنا نرى أن الديانة التي بعث بها موسى عليه الصلاة والسلام، والتي بعث بها عيسى عليه الصلاة والسلام، والتي بعث بها محمد عليه الصلاة والسلام، يختلف بعضها عن بعض في التعاليم الفكرية أيضاً وهي التي تسمى (الاعتقاد)

- إن الاختلاف الذي تراه، أمور استُحدِثت مع الزمن، واختلقها بعض رجال الدين من عندهم، ولم تكن موجودة لا في التوراة التي أوحى الله بها إلى موسى عليه السلام، ولا في الإنجيل الذي أوحى الله به إلى عيسى عليه السلام، ولو طرحنا ما استحدثه بعض رجال الدين اليهودي والمسيحي ورجعنا إلى ما أوحى به الله إلى كل من موسى وعيسى، لعلمنا أن المبادئ الإيمانية الخمسة التي لخّصت بها الوظيفة العلمية الاعتقادية التي يتحقق بها (الإيمان) بعث بها سائر الرسل إلى أقوامهم دون أي اختلاف.

إن الله فيما نقرؤه في الإنجيل مكون من أقانيم ثلاثة: الأب والابن وروح القدس، وإن الله فيما نقرؤه في القرآن واحد لا شريك له،فكيف نوفق بين الرسالتين وقد علمت منك أنهما من عند الله؟

- قلت لك: الإنجيل الحقيقي الذي أنزل على عيسى لا يختلف في مبادئ العقيدة عن نظيرها في القرآن، ولكن جرى دسّ وتطوير وتبديل للإنجيل لا سيما على يد (بولس الرسول) أوهم أن بين القرآن والإنجيل خلافاً في المعتقدات.

فإذا كانت المبادئ الاعتقادية التي بعث بها موسى وعيسى ومحمد واحدة في الأصل والحقيقة، فلماذا تكون هذه المعتقدات الواحدة أدياناً متعددة؟

- الأنبياء كلهم بعثوا بدين واحد، تمثله المعتقدات الخمسة التي ذكرتها لك في تعريف الإيمان. ولكن لما دخل التبديل والتغيير في كل من التوراة والإنجيل لظروف وأسباب لا مجال لذكرها، تحول الدين الواحد الذي بعث الله به كل الأنبياء إلى أديان مختلفة متناقضة، وأصبح الناس يتلقونها على أساس ذلك.

إذن لماذا تسمى أدياناً سماوية؟

- هي تسمية شائعة ولكنها غير صحيحة، إذ كيف تكون سماوية آتية إلى الناس من عند الله، وهي متناقضة؟!.. كيف يوحي الله إلى عيسى بأن الله ثالث ثلاثة (الآب والابن وروح القدس) ثم يوحي إلى محمد الردّ على ذلك والتأكيد بأنه واحد لا شريك له؟!.. أيّ ذي عقل يوقن بأن الله أوحى بكلا هذين النقيضين إلى الناس؟!..

ما هو المصدر الذي جاءت منه الشريعة الإسلامية، أي الأحكام السلوكية حسب تعبيرك؟

- المصدر الذي جاءت منه الشريعة الإسلامية، هو القرآن أولاً، وهو كلام الله نزل لفظاً ومعنى على محمد رسول الله، ثم شروح محمد وبياناته التفصيلية للقرآن وتسمى (السنة) وألفاظها التي خاطب بها رسول الله الناس صاغها من عنده. أما المعاني التي تتضمنها فهي وحي من عند الله. وهذا هو الفرق بين القرآن والسنة.

 هل من الواجب على الناس الالتزام بسائر أحكام (الشريعة) في كل الظروف وهل هي ثابتة لا تقبل التغيير والتطوير؟

- روعيت في أحكام الشريعة تحقيق مصالح الناس على أساس من العدالة التامة.

والأحكام التي تضمن تحقيق مصالحهم، منها ما تعبّر عنه نصوص قاطعة في دلالتها لا تقبل تأويلاً ولا تدل على أكثر من معنى واحد، وهي التي تتناول مصالح ثابتة لا تتغير ولا يحتاج الإنسان إلى تبديلها أو تطويرها. فهذه أحكام ثابتة مستمرة لا يجوز تغييرها.

ومنها ماتعبر عنها نصوص ظنية الدلالة تحتمل التأويل، وهي التي تتناول مصالح تتغير حسب تغير الظروف والأحوال. فهذه النصوص خاضعة للاجتهاد والتطوير حسب ما تقتضيه مصالح الناس. وعلماء الشريعة الإسلامية مكلفون بالاجتهاد في ذلك.

 هل يخرج المسلم عن الإسلام إن شك أو أنكر مسألة من مسائل الإيمان الخمس أو مسألة من مسائل الشريعة (السلوكية) أو أبى أن يلتزم بأحكام الشريعة أو ببعض منها؟

- أما مسائل الإيمان والإسلام الاعتقادية، فإن إنكار واحدة منها أو الشك فيها يكون سبباً للخروج عن الإسلام إلى الكفر. وأما عدم الالتزام بأحكام الشريعة، فإن كان سببه إنكار صحتها أو إنكار صلاحيتها أو وجودها، فهو أيضاً يكون سبباً للخروج من الإسلام إلى الكفر، وأما إن كان سبب عدم الالتزام بها مجرد التقصير والتهاون مع اليقين بوجوبها وصلاحيتها، فإن ذلك لا يكون سبباً للخروج عن الإسلام. بل يعدّ ذلك معصية قد يعاقب الله عليها وقد يعفو.

هل المسلمون كلهم بدرجة واحدة عند الله؟

- تتفاوت درجات المسلمين عند الله حسب درجات أعمالهم الصالحة المفيدة للناس فقط. فلا فرق فيما وراء العمل الصالح بين الرجل والمرأة والعربي وغير العربي، والغني والفقير والأمير والأجير.

 أخبرني الآن عن الموت ما هو، وما الذي سيكون بعده مما يتعلق بالإنسان؟

- الموت هو انفصال الروح عن الجسد، ويتم ذلك في ميقات محدد بحكم الله وقضائه ويسخّر لذلك ملك من الملائكة أطلق القرآن عليه اسم (ملك الموت). والروح تظل باقية متمتعة بشعورها وإحساسها، إلى اليوم الذي قضى الله أن تعود فيه أرواح الناس إلى أجسادها وهو ما يسميه القرآن (يوم القيامة).

 ما الشعور الذي تنتاب الروح في هذه المرحلة، أي مدة انفصالها عن الجسد؟

- أخبرنا القرآن، أن روح الإنسان تتعرض، بعد موته، للنعيم أو للعذاب. فإن كان الإنسان مؤمناً بالله في حياته التي عاشها، ملتزماً بالأعمال الصالحة جهد استطاعته متع الله روحه بالنعيم وأراه مقرّه الذي أعدّه الله له في جنان الخلد يوم القيامة. وإن كان جاحداً بالله مستكبراً عليه في حياته التي عاشها، تعرضت روحه لألوان من العذاب وأراه الله مقره الذي ينتظره في عالم الجحيم. بهذا أخبرنا القرآن ورسول الله محمد عليه الصلاة والسلام.

فما هي الأحداث التي يواجهها الإنسان يوم القيامة؟

- يخبرنا القرآن مع ما يبيّنه لنا محمد رسول الله بالأحداث التالية:

أولاً: تعود الأرواح إلى أجسادها، وذلك بخلق جديد لتلك الأجساد.

ثانياً: تتلاقى سلسلة أجيال الناس من فجر الوجود الإنساني على صعيد واحد لا يعلم مدى اتساعه إلا الله.

ثالثاً: تبدل الأرض غير الأرض والسماوات غير السماوات ويُخضعها الله لنظام جديد.

رابعاً: يوقَف الناس للحساب، بين يدي الله، وتكون الشواهد والبيّنات ممثلة في سجلات تعيد أمام الإنسان صورة أيامه الخوالي وأعماله التي عملها وسيئاته التي اقترفها، كما تكون ممثلة في نطق أعضاء الإنسان: يده، رجله، عيناه، سمعه، شفتاه، تشهد لصاحبها أو عليه، ويوضع ميزان توزن به الأعمال.

خامساً: المرور على الصراط (جسر منصوب على جهنم) يمرّ الناس جميعاً من فوقه، فالسعداء الذين رجحت حسناتهم على سيئاتهم يتجاوزونه إلى جنان الخلد، والأشقياء الذين رجحت سيئاتهم على حسناتهم يترنحون فوقه ويهْوون إلى الجحيم.

بهذا كله أخبر القرآن بعبارات ذات دلالات قاطعة لا تقبل التأويل، وزاده بياناً وتأكيداً رسول الله في أحاديثه التي وصلت إلينا بطرق صحيحة.

 هل مستند هذه الأحداث الغيبيّة هو خبر القرآن وبيان محمد رسول الله، أليس كذلك؟

- نعم إن جميع الأخبار الغيبيّة التي تتحدث عن وقائع الماضي البعيد أو المستقبل البعيد إنما تستند إلى الخبر الصادق، هذا ما يقرره العلم، سواء كانت متعلقة بالدين أو غيره. ولقد ثبت بيقين أن القرآن كلام الله، وأن محمداً الذي نُزّل عليه القرآن رسول الله. إذن فكل ما أخبر به القرآن أو أخبر به محمد رسول الله وصلنا بطريق علمي صحيح، فهو حقيقة يقرّها العلم.

والآن، أخبرني ما معنى القضاء والقدر؟

- القضاء: علم الله بكل ما سيجري في الكون مستقبلاً، سواء في ذلك أحداث الطبيعة والتصرفات الصادرة من الإنسان، سواء ما كان منها باختياره وقصده، وما كان منها جبراً بدون قصده، كالولادة والمرض والموت .. والقَدَر وقوع الأحداث الكونية على اختلافها مطابقة للعلم الإلهي السابق بها.

هل يجب على المسلم أن يؤمن بكل من القضاء والقدر؟

- نعم. يجب على المسلم أن يعلم بيقين أن كل ما يقع في الكون من أحداث، وكل ما يمارسه الإنسان من تصرفات اختيارية وكل ما يواجهه من أحداث قسرية، فهو داخل في قضاء الله وقدره.

ما مصير اليهودي الذي آمن بالتوراة والمسيحي الذي آمن بالإنجيل، دون أن يؤمنا بنبوة محمد عليه الصلاة والسلام، يوم القيامة؟

- اليهودي الذي لم يؤمن بنبوة محمد عليه الصلاة والسلام، غير مؤمن بالتوراة التي أنزلت على سيدنا موسى، لأن التوراة الحقيقية تتضمن إخباراً عن خاتم الأنبياء محمد عليه الصلاة والسلام، وأمراً للناس جميعاً بمعرفته والإيمان به. والمسيحي الذي لا يؤمن بمحمد عليه الصلاة والسلام غير مؤمن بالإنجيل الذي أنزل على عيسى عليه الصلاة والسلام، لأنه ينص على بعثة محمد خاتم الأنبياء ويدعو إلى الإيمان به. فهو في الحقيقة كافر.

-ما مصير المسلم الذي آمن بأن القرآن كلام الله دون أن يؤمن بكل من موسى وعيسى عليهما السلام يوم القيامة؟

- المسلم الذي لا يؤمن بنبوة موسى والتوراة التي أنزلت عليه، ولا يؤمن بنبوة عيسى والإنجيل الذي أنزل عليه، غير مسلم في الحقيقة، لأنه غير مصدق بالقرآن الذي ينص في أكثر من مناسبة على نبوة كل منهما، وعلى أن التوراة والإنجيل كلام الله المنزل عليهما. فهو في الحقيقة كافر غير مؤمن.

-من هو الكافر؟ وما مصيره؟

- الكافر هو الجاحد بحقائق الإيمان الخمس التي مرّ ذكرها، أو بواحدة منها. والجاحد بحقائق الإسلام الخمس التي مرّ ذكرها أو بواحدة منها، وهو مخلد في العقاب يوم القيامة.

-ما المراد بالجاحد؟

المراد بالجاحد من يعلم حقائق الإيمان والإسلام، ولكنه ينكرها استكباراً أو عناداً وعصبية، كشأن الجاحدين الذين قال الله عنهم في القرآن (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً)[النمل: 14]

إذا فالمنكر لحقائق الإيمان والإسلام جهلاً منه بها معذور ولا يسمى جاحداً أو كافراً. وهم الذين يسمون (أهل الفترة) أي الذين لم يتح لهم أن يدركوا النبي السابق ولا النبي اللاحق، فعاشوا في جهالة مطبقة، ويُعدُّ في حكمهم الناسُ الذين لم تساعدهم ظروفهم على معرفة الإسلام وسيرة الرسل والأنبياء، ككثير ممن يعيشون في مجاهل أفريقيا، بل في أمريكا وأمريكا اللاتينية وغيرها.

- أخيراً حدثني عن الفرق بين حياة المسلم وغيره وعن أثر الإسلام في نفسية الإنسان.

- أما المسلم، فالشأن فيه أن يستأنس بالحياة وأن يطمئن بالاً أياً كانت الحالة التي يتقلب فيها، لأنه عرف نفسه عبداً مملوكاً لله الذي يتصف باللطف والرحمة، والحكمة في قضائه وتدبيره لعباده، ولأنه عَلِم منهاج رحلته في هذه الحياة الدنيا، وعَلِم أن هذه الدنيا بحلوها ومرّها ممرّ إلى المقرّ الذي ينتظره يوم القيامة عند الله. والشأن في المسلم أنه يظل على صلة دائمة بالقرآن الذي هو خطاب الله للإنسان، إنه يقرأ فيه الخطاب الإلهي الذي يعِدُه بمغفرة ذنوبه إن هو طلب منه ذلك، ويعده بشرح صدره وحمايته من أسباب الشقاء، ويطمئنه بأنه مكلوء بولاية الله له، ويؤكد له أن الدنيا بكل ما فيها لا قيمة لها، أمام سائر أنواع النعيم الخالد الذي سيمتّعه بها يوم القيامة جسداً وروحاً. إنه يقرأ خطاب الله له القائل: (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ)[البقرة: 257] ويقرأ خطابه القائل: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)[النحل: 97] ويقرأ كلامه المطمئن: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً)[الزمر: 53]

إذن فالمسلم مشدود النسب إلى الله في كل الأحوال، يثق بلطفه به ورحمته له وبحكمته في كل ما يأتيه من عنده، وإنها لسعادة لا ينالها الإنسان إلا في رحاب الإسلام

وأما غير المسلم، فالشأن فيه أن يعيش في حياته الدنيا ضائعاً عن ذاته، جاهلاً بسرّ وجوده، غافلاً عن مصيره، تأخذه وتردّه أحداث الدنيا دون أن يدرك مصدراً أو معنى لها، يغامر في البحث عن ملاذّها والفرار من آلامها، كيتيم غريب ليس له من راعٍ ولا وليّ، فإذا أوغل في الحياة واجتاز معظم عمره ودنا منه الموت، سيطرت الوحشة على كيانه وتفاقم الخوف من المصير المجهول على نفسه، وربما تعرض لألوان من الأمراض النفسية وآفات الكآبة التي تطغى على مشاعره.

إذن فالغائب عن معرفة مولاه، وهو الله، لابدّ أن يعاني من شقاء النفس وإن تقلب في مظاهر النعيم.

اللهم أسعدنا بمعرفتك والقرب منك، ولا تُشقنا بجهالتنا لك وبعدنا عنك.

تحميل