العلّامة الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي
تدابير الغرب للوقوف في وجه انتشار الإسلام
تدابير الغرب للوقوف في وجه انتشار الإسلام
الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي
ولكن فما هي هذه التدابير التي كان الغرب ولا يزال يتخذها عموماً، ثم الولايات المتحدة خاصة من أجل تبديد المخاوف المتفاقمة لديها من مدّ إسلامي ينتشر ويهيمن على أقطاب انفراد الأمريكية تقريباً على مسرح الأحداث؟.
إن الحديث التفصيلي عن هذه التدابير يدخلنا في متاهات وعلاقات معقدة جداً وهي هدف مطلوب بحد ذاته بل هي جزء أساسي من سلسلة التدابير ذاتها.
غير أن نظرة متفحصة إلى الخطوط العريضة المستخلصة تضعنا أمام تبصر واضح للأهداف الفرعية التالية:
أولاً: إثارة مزيد من المشكلات التي تستعصي على الحل في العلاقات القائمة بين معظم الدول الإسلامية لاسيما العربية ابتغاء تبديد ما قد تتمتع به من استقرار وقوة وزجها جميعاً في يمّ من القلق وفقدان الثقة ومن ثمّ إخضاعها لتيار التبعية السياسية والفكرية والاقتصادية للغرب.
إن حرب لاستنزاف التي اتّقد سعيرها بين العراق وإيران، وانتهت إلى ما عبروا عنه مجاملة: (لا غالب ولا مغلوب) وهي إنما انتهت في الحقيقة إلى هلاك مرسوم حاق بكلا الطرفين – إن هذه الحرب ليست في الحقيقة إلا واحدة من هذه المشكلات المبرمجة ابتغاء الوصول إلى آثارها المتطلّبة ولعل الذين تابعوا ما سمّي بفضيحة إيران غيت، وصبروا على متابعة تعقيداتها المصطنعة بدقة إلى النهاية أتيح لهم أن يضعوا أيديهم على الخطط الخفية التي رسمت ابتغاء هدف واحد هو أن تدور من تلك الحرب رحى الدمار على سائر ما قد يوجد من قدرات مادية ومعنوية لدى كلا الطرفين بعد إثارة عوامل البغضاء العرقية بينهما إلى أقصى الحدود الممكنة.
وإن مأساة الخليج التي بدأت بخطة اجتياح العراق للكويت ثمّ أدّت إلى انتشار الجيوش الأمريكية وحلفائها متمركزة حول ينابيع البترول ثم انتهت بالحرب العاصفة التي أتت على بقايا القوة المادية والمعنوية التي كانت تتمتع بها المنطقة ثم خلفت من ورائها عوامل التدابر والبغضاء وأحالت كثيراً من دول المنطقة إن لم نقل كلها إلى محاور متشرذمة قد تقطّعت مما بينها جسور التواصل والقربى لتترسخ في مكانها جسور من العاطفة المشبوبة نحو الغرب!.. أقول: إن هذه المأساة التي فرضت على المنطقة فرضاً حلقة فريدة في سلسلة هذه التدابير المبرمجة وهي مرتبطة ارتباطاً مباشرة بعمليات التعجيل بالقضاء على المعسكر الشرقي.
والثمرة المرجوة من جر هذه المأساة هي فرض السياسة الأمريكية الجديدة على المنطقة والدائرة على محور (سأنقذكم من الغرق بشرط أن تعطوني قلوبكم).
ثانياً: إثارة الخصومات المفتعلة والدائرة بين قادة كثير من دول المنطقة العربية وفئات من مواطنيها باسم السعي إلى تحقيق إصلاحات إسلامية والتي تنتهي في أغلب الأحيان إلى هياجات عدوانية واتهامات بالمروق والكفر، وهي ليست في حقيقتها إلا من دخان هذه التدابير وقد تعوق كثافة الدخان عن رؤية السبل المتخذة لذلك ولكنّ احتراق الدّخان يسير على من يراقب الأمور ويتبع سلسلة الأحداث.
إن هذا الهياج المتصادم يتم من خلال خطتين متقاطعتين تنتهيان إلى غاية واحدة.. الأولى منهما استثارة العواطف الإسلامية المتأججة في صدور كثير من الشباب ثم السعي بهم إلى مزاحمة الحكام على كراسي الحكم، لفرض الإسلام على الناس من هناك.. والثانية منهما تتمثل في لفت أنظار الحكام إلى الخطر الحقيقي الكامن في تحركات هؤلاء الناس وتطرّفاتهم بل ربما في لفت أنظارهم– في الوقت المناسب- إلى صلات خفية ممتدة بين هؤلاء الإسلاميين وقوى أجنبية معادية.
ثالثاً: الثمرة المرجوة من التخطيط لهذا التصادم تحقيق غايتين اثنتين:
أولاهما تفويت فرص الاستقرار في المنطقة كلها ما أمكن عن طريق شغل القادة والحكام بالعمل على درء هذه الأخطار الداخلية.. والثانية تسليط الجماعات الإسلامية عن طريق التآكل الذاتي الذاتي بعيداً عن أيّ يد أجنبية ظاهرة قد تتهم بالتدخل.
ولا شكّ أن سلسلة هذه العمليات التي تنقذ بإتقان قد آتت ولا تزال ثمارها المرّة هذه ونظرة سريعة إلى أحداث المناطق الإسلامية القريبة منا والبعيدة، تجسّد هذا الواقع كله بدءاً من التدابير الخفية التي لم تعد بحمد الله خفيّة وانتهاء بالثمار المرة التي عم فينا جميعاً مذاقها.
المصدر:
كتاب هذه مشكلاتنا صـ 105 وما بعدها.
تاريخ كتابة المقال عام 1990.