مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 23/12/2007

خطبة عيد الأضحى المبارك

خطبة عيد الأضحى المبارك


يأتي على الناس زمان يدعو الرجل فيه لخاصّة نفسه


فيستجاب له ويدعو لعامة المسلمين فلا يستجاب له


الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر. الله أكبر ما طاف الطائفون، الله أكبر ما سعى الساعون، الله أكبر ما ازدلف المزدلفون إلى مولاهم وخالقهم عز وجل، الله أكبر ما استغفر مستغفر وتاب تائب فعفا الله عز وجل وغفر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر. الله أكبر من طغيان الطاغين، الله أكبر من بغي الباغين، الله أكبر من عتو المستكبرين، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر. سبحان الله ملء الميزان، سبحان الله المُسَبَّحِ في كل زمان ومكان، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله و الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر. الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.


أمّا بعدُ فيا عباد الله ..


كلنا نستقبل في صباح هذا اليوم تجليات الرحمة الإلهية مقبلة إلى عباده جميعاً في مشارق الأرض ومغاربها، لا يستثنى منهم إلا من استكبر على الله وعتى عتوّه الدائم وأنكر هويته عبداً مملوكاً ضارعاً لله سبحانه وتعالى. إنها تجليات رحمانيةٌ ليست حكراً للحجيج في عرفة بل هي متسعة شاملة لعباد الله جميعاً في مشارق الأرض ومغاربها، ينال هذه الرحمات كل من تعرض لها ويُحرم منها كل من استكبر عليها وأعرض عنها. ولكن أحب أن أجيب عن سؤال يتطارحه كثير من الناس في مثل هذا اليوم عندما يجدون الكم الهائل من عباد الله المؤمنين الذين جاؤوا من مشارق الأرض ومغاربها إلى بيت الله الحرام طائفين، راكعين، ساعين، مبتهلين، متضرعين؛ إنهم ليسوا مئات ولا ألوفاً ولكنهم ملايين.


يتساءل كثير منا: كيف لا تستجاب أدعية هؤلاء الذين أقبلوا تسوقهم مشاعر العبودية لله، يدعون لهذه الأمة بالنصر والتأييد، وننظر عندما يعود كل منهم إلى دويرة أهله، إلى بلده، ينفض الجمع، ويتفرق كل إلى المكان الذي أتى منه وننظر إلى حال المسلمين فنجد أنها كما كانت؟. أين هي استجابة الله عز وجل لدعائهم والكل ضارع، والكل متبتل، والكل خاشع، والكل يدعو لهذه الأمة أن يضمد الباري عز وجل جراحاتها وأن يوقف نزيفها ولكننا ننظر فلا نجد أثراً بيِّنَاً لهذه الأدعية الكثيرة التي تصَّاعد إلى السماء في مثل هذا اليوم، فما الجواب عن ذلك؟ ورد في الأثر-يا عباد الله- أنه )يأتي على الناس زمان يدعو الرجل فيه لخاصّة نفسه فيستجاب له ويدعو لعامة المسلمين فلا يستجاب له[. هذا الأثر هو الذي يتضمن الجواب عن هذا السؤال. يدعو الرجل لخاصة نفسه؛ سرعان ما يجد دلائل الاستجابة، يعود فيدعو لعامة المسلمين ولكنه لا يجد شيئاً من هذه الاستجابة التي وجدها في نفسه وخاصته.


سبب ذلك؛ أن هناك شروطاً لابد منها ينبغي أن تتحقق بين يدي الدعاء، وهي شروط معروفة ذكرناها وكررنا الحديث عنها في مناسبات كثيرة مرَّت. إذا تحققت هذه الشروط تحققت الاستجابة، أما إن لم تتحقق هذه الشروط في شخص الداعي فالأمر عائد إلى فضل الله عز وجل وحكمه، والمفروض ألا يستجاب الدعاء في هذه الحال. الإنسان الذي يدعو لنفسه يملك أن يحقق شرائط الاستجابة في شخصه؛ يملك أن يتوب إلى الله، يملك أن يعاهد الله عز وجل ألا يعود إلى المعاصي التي كان عاكفاً عليها، يملك أن يعيد الحقوق إلى أربابها ومن ثم يدعو فتأتي الاستجابة.


ولكن عندما أدعو الله عز وجل لعامة المسلمين من لي بأن يستجيب هؤلاء المسلمون جميعاً لله قبل أن يستجيب الله دعاءهم فيصلح الفاسد ويُقَوِّمُ الاعوجاج ويتوب إلى الله عز وجل ويعيد الحقوق إلى أصحابها ويجددون بيعتهم لله عز وجل سائرين على أمره، منتهيين عما نهى؟. أنت تدعو لهؤلاء الناس ولكن مَنْ لك بأن يستجيب هؤلاء الناس لله ويحققوا شروط الاستجابة في أنفسهم؟ نظراً إلى أن هذا الشرط غير محقق؛لذلك صح كلام هؤلاء الذين قالوا- وقد صح ما قالوا-: )يأتي على الناس زمان يدعو الرجل فيه لخاصة نفسه فيستجاب له ويدعو لعامة المسلمين فلا يستجاب له[.


كأن ملكاً يقول له: دعوتَ لنفسك بعد أن حققتَ شرائط الاستجابة وها هي ذي الاستجابة وصَلَتْكَ،أما هؤلاء المسلمون الذين تدعو لهم فَمُرْهُمْ قبل أن تدعو لهم أن يحققوا شروط الاستجابة؛ أن يحققوا شروط استجابة الدعاء التزاماً بأوامر الله، انتهاءً عما نهى الله عز وجل؛ عندئذٍ يستجيب الله عز وجل دعاءك لهم كما استجاب دعاءك لنفسك.


وننظر إلى المسلمين اليوم؛ إنهم مسلمون في الانتماء؛ نعم، إنهم مسلمون في ترداد شهادة أن لا إله إ لا الله، نعم ولكننا ننظر إلى واقع الحال، ننظر إلى السلوك، ننظر إلى ولايتهم لمن هي؟ أهي لله عز وجل أم لأعداء الله سبحانه وتعالى؟ ننظر ونتأمل فنجد أن الإسلام في حياتهم وعاء يتمثل في كلمات، وننظر إلى داخل هذا الوعاء فلا نجد شيئاً، لا، ليت أننا وجدناه فارغاً، نجده مليئاً بما يتنافى مع أوامر الله سبحانه وتعالى؛ حذّرنا الله سبحانه وتعالى من أن نخضع بالولاية لأعداء الله عز وجل، قال: ) لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ[ وننظر وإذا بمعظم المسلمين خاضعين لولاية أعداء الله عز وجل؛ إن وجدوا الأوامر آتيةً من عند الله عز وجل أعرضوا عنها،وإن وجدوها آتية من لدن أعداء الله عز وجل طأطؤوا الرأس لها وخضعوا لها. ننظر فنجد أن الالتزام الحقيقي بأوامر الله وأحكامه، بشرعته، بأنظمته، بالأخلاق الإسلامية قد طُوِيَ ذلك كله واستبدل به بما يسمى الحداثة، استبدل به ما يسمى التوجه إلى الأليق والأنسب، الأليق في نظر مَنْ؟ في نظر أعداء الله، والأنسب في نظر مَنْ؟ في نظر أعداء الله سبحانه وتعالى.


أمرنا الله سبحانه وتعالى وقد أكرمنا بأرض جعلها كنـزاً للمدخرات، جعلها كنـزاً للخيرات، أكرمنا الله سبحانه وتعالى بهذا كله فجعلَنا- لا أقول من أغنى عباد الله في الأرض- بل جعلنا أغنى عباد الله عز وجل في الأرض، وأمرنا الله سبحانه وتعالى أن نسخِّر كنوز الأرض، الظاهرة والباطنة، أمرنا الله أن نسخِّرها لما يرضيه، أن نسخِّرها لإقامة المجتمع الإسلامي، أن نسخِّرها لجمع الشمل وتحطيم أسباب الفُرقة؛ وننظر وإذا بهذه الكنوز تُقَدَّم مالاً حلالاً زلالاً لأعداء الله سبحانه وتعالى، ننظر فنجد أننا، وقد متَّعنا الله عز وجل بالغنى الذي لم يُمَتِّع به أحداً من عباده، ننظر فنجد جُلَّ المسلمين قد خلعوا هذه الخلعة التي ميزهم الله بها وقدَّموها إلى أعداء الله وارتضوا لأنفسهم الفقر بعد الغنى الذي متَّعهم الله عز وجل به.


يقولون:إن المسلمين يعانون من الضَّنْك، يعانون من الفقر، ولا والله ليس على وجه الأرض أمة أغنى من الأمة الإسلامية. وآية ذلك؛ أن الله عز وجل لم يجعل كنوز الأرض إلا تحت أقدام المسلمين، لم يجعل الله عز وجل الطاقات التي تتفجَّر كنوزاً وأموالاً لا تنتهي إلا تحت أقدام المسلمين، ولكن المسلمين عندما ارتضوا لأنفسهم المهانة بخضوعهم لسلطان غير سلطان الله، بخضوعهم لولاية غير ولاية الله عز وجل لهم؛ تحوَّل غناهم إلى فقر مُدْقِع،وتحوَّل عزّهم إلى ذل ومهانة،فأنَّى يستجاب لي عندما أدعو الله لهذه الأمة الإسلامية التي آل أمرها إلى ما ترون؟ صح فعلاً كلام من قال: )يأتي على الناس زمان يدعو الرجل فيه لخاصَّة نفسه فيستجاب له، ويدعو لعامة المسلمين فلا يستجاب له).


قلت قبل أيام:إن الوكالة -فيما درسناه وعرفناه من أحكام الشريعة الإسلامية- واردة ومشروعة في المعاملات المالية، في المعاملات التجارية، في الشركات، في البيوع، في الإيجار، في الرهن، في نحو ذلك،ولكن ما عهدنا أن الوكالة مشروعة في العبادة، ما عهدنا- فيما درسناه من أحكام ديننا الحنيف- أن الوكالة مشروعة في الالتجاء إلى الله، في التوبة إلى الله عز وجل. كيف يُتَصَّور أن أقول لإخوة لي: توبوا إلى الله بدلاً عني وادعوا الله لي كي يستجيب دعائي، التجئوا إلى الله بدلاً عني ثم ادعوا الله عز وجل أن يخلصني من هذا الذل الذي أعاني منه؟.


أيقبل الله هذا الكلام؟! ألستَ عبداً كأخيك هذا الذي توكّله بهذا الأمر؟! ألستَ أنت أيضاً مكلفاً بالتوبة والإنابة إلى الله؟! ألست أنت الآخر مكلفاً بأن تلتجئ إلى الله وتلتصق بأعتابه وتنكسر بالذل والمهانة عند أعتابه؟! كيف يتأتّى التوكيل في مثل هذه الأمور؟! لسان حال الأمة هكذا يقول. جُلّ المسلمين التائهين عن صراط الله عز وجل البعيدين عن أوامره في أحسن أحوالهم يقولون لهؤلاء القلة الذين يتجهون حجاجاً إلى بيت الله الحرام: التجئوا عنا إلى الله عز وجل، ادعوا الله عنا لله سبحانه وتعالى، توبوا لله عنا، أما نحن فلسوف نظل عاكفين على غينا، لسوف نظل عاكفين على شؤوننا. هذا هو السبب-أيها الإخوة- في أن الملايين التي تتقاطر مزدحمة حول بيت الله الحرام وتجتمع في ذُرى عرفة يدعون الله عز وجل لهذه الأمة فلا تجد أثراً لدعائهم. فلا يستشكلنَّ أحد هذا ولا يرتابنَّ أحد في رحمة الله وفضله ولا يدخلن الشك في قلب أي منكم في كلام الله عز وجل القائل: )وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [.


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.    

تحميل



تشغيل

صوتي