مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 12/10/2007

مسألتان تقتضي المناسبة الحديث عنهما (ثبوت الشهر وزكاة الفطر)

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلِّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد  صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.


أمّا بعدُ فيا عباد الله ..


فيا عباد الله، مسألتان تقتضي المناسبة أن أتحدث إليكم فيهما، المسألة الأولى: أن كثيراً من الناس اعتادوا في أول شهر رمضان وفي آخره أن يجعلوا من الحديث عن بداءة الشهر ونهايته فاكهة مجالسهم، يجتمعون ويتداولونَ التساؤلَ، أفكانت بداءة الشهر عندنا صحيحة أم لم تكن صحيحة؟ أفكان إخطارنا في نهاية هذا الشهر صحيحاً أم لا؟ إن الدولة الفلانية والفلانية لم تفطرا، أو أفطرتا ولم نفطر نحن، فأيهم الصحيح وأيهم المخطئ؟ ويتحول الحديث في هذا الأمر إلى تسلية ممتدة، ولربما تحولت التسلية إلى باب للفتنة، ووسيلة للشقاق والخلاف، وكم رأينا أناساً لم يقتعنوا بما أعلنه المسؤولون عن نهاية الصوم وبداءة العيد، فواصلوا الصوم فيما بينهم وبين أنفسهم، وكم رأينا أناساً لم يقتنعوا بما أعلنه المسؤولون عن بداءة شهر رمضان، فقرروا الإخطار فيما بينهم وبين أنفسهم، وهذه ظاهرة تتكرر في كل عام، وينبغي أن نقف عند هذه الظاهرة بكلمة تلفت أنظارنا جميعاً إلى الحق الذي ينبغي علينا أن نتمسك به.


 هذا الخوض - يا عباد الله - في هذا الأمر من اللغو الباطل، وهو دخول فيما لا يعني، وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه: )من حُسنِ إسلام المرء تركُه ما لا يعنيه[. الواجبات التي خاطب الله عز وجل بها عباده قسمان اثنان: قسم منها خاطب الله عز وجل به الأفرادَ مباشرة، فكل واحد منا مسؤول عن تمحيص الأمر فيما خاطبه الله عز وجل به.


والقسم الثاني خاطب الله عز وجل به عباده عن طريق أئمة المسلمين، وعن طريق أولياء أمورهم، ومن ثَم فإن المسؤولية في هذا القسم الثاني يتحملها أولياء أمور المسلمين، يتحملها ولي أمر المسلمين، إن أصاب فذاك، وإن أخطأ فذنبه على جنبه، وفي كلتا الحالتين إن هو أصاب أو أخطأ فلا يجوز لعامة الناس إلا الاتباع، لا يجوز لعامة المسلمين وأفرادهم إلا الانقياد لما يمليه عليه ولي أمر المؤمنين، وذلك انقياد لقول الله سبحانه وتعالى في محكم تبيانه: )يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ[  [النساء: 59].


من ثَم فلا يجوز لي وقد أعلن ولي أمر المسلمين أن الصوم ينتهي بمساء هذا اليوم، وأن أول أيام العيد هو الغد، لا يجوز لي أن أتدخل في هذا الأمر باجتهاد، ولا يجوز لي أن أجعل من هذا الموضوع تسلية أو فاكهة مجالس بيني وبين الآخرين، ولا يجوز لي أن أقارن بين دولة ودولة أخرى، لماذا أفطر أولئك وصمنا؟ ولماذا حصل هذا الخلاف؟ هذا باب يفتحه الشيطان، وليس من وراء هذا الباب الذي يفتحه الشيطان إلا الشقاق وإلا الخلاف.


 أمر لم يكلِّفْك الله سبحانه وتعالى الدخولَ فيه، لم يُحَمِّلك الله سبحانه وتعالى مسؤولية وجع رأسك في هذا الأمر، فلماذا تتصدر المجالس لتنفق الوقت الطويل أو القصير في الرأي الذي تبديه وفي القرار الذي تمليه؟ أمر يدخل فيما لا يعنيك وقد نهاك الله سبحانه وتعالى عنه، ومن ثَم فكم أتمنى لو أن هذه العادة المستمرة في كل عام طويت وانتهت، ولكنها إلى اليوم لم تنطوِ، ما من عام يُقْبِل فيه شهر رمضان إلا ونجد الحديث والجدل يمتد في اليوم الأول والثاني والثالث منه، أكانت البداءة صحيحة أم ليست صحيحة؟ أفطرت الدولة الفلانية، والدولة الفلانية صامت، من صومها الصحيح؟ في حين أن الله عز وجل أراحنا عن هذه المسألة، ذلك لأن الله عز وجل حكيم.


 الأمور الاجتماعية لم يجعلْها الله عز وجل منوطة بالأفراد، وإنما جعلها الله عز وجل منوطة بالقادة وأولي الأمر، تقولون: ربما أخطأ ولي الأمر. خطؤهم لسنا نحن المسؤولين عنه، خطؤهم على جنبهم، أما نحن فمكلفون بالانقياد لهم، مكلفون بطاعتهم بآيات كثيرة متعددة في كتاب الله سبحانه وتعالى، وبأحاديث كثيرة ذكرها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.


 أقول هذا أوصي نفسي وأوصيكم إذا رأيتم من يجالسكم غداً ليستثير من هذا الموضوع تسلية له، أوصيكم بأن تغلقوا باب الحديث في هذا، قولوا: أمر لا يعنينا لم نتدخل فيه، أمر أراحنا الله عز وجل منه لن نتعب أنفسنا به، هذا لغو من الكلام، نخوض في أمر يفيدنا، نخوض في أمر أناطه الله سبحانه وتعالى بنا، وما أكثر الأمور التي نحن بحاجة إلى أن نتبادل أطراف الحديث فيها.


 أما المسألة الثانية التي تقتضيها المناسبة أيضاً فهي مناسبة زكاة الفطر، هذه شعيرة عامة - يا عباد الله - جعل الله سبحانه وتعالى منها باباً يلج فيه كل المسلمين تقريباً، ولكأني أرى الحكمة واضحة جلية في هذا. الحكمة هي أن تمتد وشيجة الألفة، أن تمتد وشيجة الحب، شبكة المودة والقربى بين هذه الأسرة الإنسانية المسلمة، دون أن يشرد عنها شارد، ودون أن يشذّ عنها فرد من الناس.


 زكاة الفطر شرعها الله سبحانه وتعالى وأوجبها على كل من دخلت عليه ليلة العيد وهو لا يزال حياً، إذن أصبحت زكاة الفطر هذه واجبة عليه، ومن وجبت عليه زكاة الفطر وجبت أيضاً عليه لمن تلزمه نفقته كالزوجة والأولاد، ويُسَن إخراجها كما تعلمون قبيل صلاة العيد، ويحرم تأخيرها عن يوم العيد، وهذا كلام مكرور نكرره ونذكر به في كل مناسبة، أما الشرط الذي لا بد منه لوجوب هذه الشعيرة فهي أن يملك الإنسان من المال ما يزيد على احتياجاته لنفسه ولأسرته في ليلة العيد ويومه، ومن ذا الذي لا تزيد ممتلكاته المالية على هذا الذي يحتاج إليه الإنسان؟ إذن ما منا إلا وهو مكلف تقريباً بإخراج زكاة الفطر، من كانت عنده نفقة أهله ونفقة نفسه التي يحتاج إليها ليلة العيد ويومه، ووجد مزيداً على ذلك، فقد وجب عليه إخراج زكاة الفطر.


 وهنا أذكركم بسؤال يسأله كثير من الناس في كل عام: كم هي زكاة الفكر في هذه السنة؟ وكأن مقدار زكاة الفطر يختلف من عام إلى عام، من الذي قال هذا؟ زكاة الفطر لا تختلف من عام إلى عام منذ أن شرعها الله عز وجل إلى يوم القيامة؛ هي صاع من غالب قوت البلد كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي ملء صاع من قوت البلد التي يُخْرَج الزكاة فيها، هذه هي زكاة الفطر، وهذا هو مقدارها، لا تزداد ولا تنقص، وغالب قوت البلد كما تعلمون عندنا هو الحنطة، وصاع من الحنطة لا يزيد على ألفي غرام، وهو حديث مكرور ومعاد ذكرته مراراً وتكراراً، فلينظر كل واحد منكم كم يساوي هذا القدر من الحنطة من المال، وليخرج زكاة فطره بهذا القدر، هذا القدر لا يختلف من عام إلى عام، ولكن على كل منا أن ينظر كم هو ثمن هذا القدر من الحنطة في هذا العام، هل اختلف عن العام الماضي أو لم يختلف؟ هذا شيء يتعلق بالسوق ولا يتعلق بحكم الشرع.


 هذه الشعيرة يا عباد الله هي شعيرة صغيرة في كَمها، ولكنها كبيرة جداً جداً في آثارها، وكبيرة جداً في نتائجها، ولكأن الله عز وجل يطلب منا من خلال هذه الشعيرة أن نفتح قلوبنا لإخواننا، وأن نزيل كل ما يمكن أن يتجمع في أفئدتنا من مشاعر البغضاء، من مشاعر الحقد والضغينة، وأن نحيل قلوبنا هذه إلى قلوب نقية بيضاء، لا تجاه أقاربنا وأرحامنا، بل تجاه إخواننا المسلمين جميعاً، بل تجاه إخواننا في الإنسانية جمعاء، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، فاستغفروه يغفر لكم. 

تحميل



تشغيل

صوتي