مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 03/06/2005

آن الأوان أن نستعلن بهويتنا الإسلامية؟!

آن الأوان أن نستعلن بهويتنا الإسلامية؟!


خطبة الإمام الشهيد البوطي


تاريخ الخطبة: 03/06/2005


 


الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، ياربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك, سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلِّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد  صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.


أمّا بعدُ فيا عباد الله  ..


أعود فأذكركم بالأحاديث الكثيرة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مزايا الشام وفضلها، ولو لم يكن في هذه الأحاديث الكثيرة إلا ما رواه أبو داوود وابن حبان والحاكم في مستدركه بسندٍ صحيح من حديث عبد الله بن حوالة أن النبي صلى الله عليه وسلم تحدث عن فتنٍ ستقع فقال له ابن حوالة: خر لي يا رسول الله، أي اختر لي إن أدركني ذلك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: )عليك بالشام فإنها خيرة الله من أرضه، يجتبي إليها خيرته من عباده ثم قال: وإن الله توكل أو تكفل لي بالشام وأهله[.


هذه الشهادة أيها الإخوة من حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم للشام وأهله ينبغي أن تلقى منا وفاءً كبيراً على المستوى الشعبي وعلى المستوى الرسمي معاً. وإنكم لتذكرون أن تيارات فكرية وسياسية كثيرة مرت بشامنا هذه، مرت ولم تتلبث وما هو إلا أن عادت شمس الهوية الإسلامية تتلألأ على أرضها وسمائها.


مر تيار القومية بهذه البلدة وكادت القومية أن تتحول إلى دينٍ يحل محل دين، ولكنها مرت دون أن تملأ فراغا ودون أن تقوم اعوجاجا ودون أن تصلح فسادا. ومر بعد ذلك تيار اليسار الفكري والسياسي وكاد هذا اليسار هو الآخر أن يتحول إلى معتقد ديني يزاحم الدين الذي شرفنا الله سبحانه وتعالى به، ولكن هذا التيار هو الآخر انجاب عن شامنا هذه دون أن يصلح فساداً ودون أن يقوم اعوجاجاً، وما ترك إلا آثار النكبات وما ترك إلا مظاهر الاعوجاج. وتجلت الهوية الإسلامية جلية واضحة راسخة، كما قال المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، تجلت هذه الهوية على كل الأصعدة وعلى كل الفئات وعلى سائر المستويات الشعبية والرسمية معاً.


وهكذا أيها الإخوة مرت تجارب مختلفة متنوعة على شامنا هذه، ولكن شاء الله عز وجل أن يجعل الله عز وجل من هذه التجارب لا درساً بل دروساً تعيدنا إلى الهوية الراشدة، تزيدنا اعتزازاً بها وتزيدنا تمسكاً بها. لقد أيقن كل ذي فكر أن اللغة الوحيدة التي يمكن لأهل هذه البلدة أن تواجه بها المستعمر والعدو الحاقد، إنما هي لغة الدين، هي لغة الإيمان بالله سبحانه وتعالى.


أعتقد أيها الإخوة أن هذا الذي أقوله لكم لا يرتاب فيه عاقل ولا يشك صاحب فكر أياً كان صاحب الفكر هذا. أليس من الوفاء إذاً مع شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم للشام وأهله أن نستعلن بهذه الهوية؟ أليس من الوفاء الواجب مع رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وشهادته هذه للشام وأهلها أن نستعلن بهذه الهوية على المستوى الشعبي وعلى المستوى الرسمي معاً؟ لماذا لا نجعل من هذه الهوية شعارنا المرتفع في سائر المناسبات، في سائر الندوات، في سائر المؤتمرات، في سائر الدوائر، في سائر المعسكرات؟ لماذا؟


أليس من الوفاء مع شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا - لا سيما وقد جربنا التيارات التي مرت بشامنا هذه مر العاصفة ثم ذهبت وانجلت عنا، أليس من الوفاء أن نستعلن بهذه الهوية وأن لا نتلجلج وأن نغص فيها؟ وأليس من التقصير كل التقصير أن نتكتم بهذه الهوية أن نستخفي بها؟


هذا هو الموضوع الذي ألفت نظري وأنظاركم وأنظار إخواننا القائمين على رعاية هذه الأمة الساهرين على مصالح هذه البلدة. أنتم تعلمون أن كل اللغات فشلت ولم تنجح في مواجهة الخصوم والأعداء وإنما نجحت لغة واحدة هي لغة هذا الدين، هذا الدين الجامع ولا يفرق، هذا الدين الذي يصلح ولا يفسد، هذا الدين الذي يُقوم ولا يترك أي أثرٍ من الاعوجاج بين أهل المسلمين في هذه البلدة المباركة، وديننا هو لا غيره الذي يحذر من الغلو، ديننا هو لا غيره الذي يحذر من التطرف. أما كلمة الإرهاب فلا أجد لها مصطلحاً في قاموس شريعتنا الإسلامية، إن هو الغلو الذي يحذر منها الإسلام والتطرف الذي يحذر منه الإسلام، أما هذه الكلمة الجديدة الواردة إلينا فمعناها في قلب من صدرها إلينا، وإذا أردنا أن نحارب الغلو فبالإسلام نحاربه، إذا أردنا أن نحارب التطرف فبالإسلام نحاربه، هذا شيء.


والشيء الآخر هو أن هذا العدو الذي لا يبرح يرسل وسائل وسلسلات ضغوطاته علينا صباح مساء، هذا العدو لا يحارب فينا قوميتنا، لا يحارب فينا يسارنا ولا يميننا، لا يحاربون فينا حداثة ولا علمانية، يحارب فينا هذه الهوية وكلكم يعلم ذلك، ولا شك أن أمتنا هذه على المستوى الرسمي وعلى المستوى الشعبي تمتاز عن كثير من البلاد العربية والإسلامية الأخرى بأنها لم تخفض الرأس بعد لهذه الشدائد وهذه الضغوطات، لا تزال ترفع الرأس عالياً، لا تزال تتحدى العداوة وسلسلة أسبابها وآثارها ونتائجها، وهذا ما نحمد الله عز وجل عليه.


ولكن ما اللغة التي ينبغي أن نستعملها في الوقوف في وجه هذه التحديات؟ عدونا يحارب فينا هويتنا الإسلامية ونحن نقف له بالمرصاد حقيقةً، كيف نقف له بالمرصاد إذا تجاهلنا هذه الهوية التي يحاربنا هذا العدو الذي جاء من وراء البحار ليحاربنا بها؟ لابد أن نرفع شعار هذه الهوية عالياً.


راح زمن الاستحياء والخجل من الاستعلان بهذه الهوية، تجاوزنا المنعطف الذي كنا نغص لكلمة الإسلام واعتزازنا بالإسلام على مستوى الإعلام الرسمي، أو على مستوى المنتديات والمؤتمرات والندوات والحفلات، أو على مستوى التقارير والحوارات، انتهينا وتجاوزنا ذلك المنعطف أيها الإخوة، نحن الآن أمام حقيقة واحدة ما ينبغي أن نتجاهلها، عدونا سفر عن وجهه وكشف اللجام عن أحقاده، لا يبتغي بالقصد إلى تمزيق هويتنا الإسلامية بديلاً، هذا ما يقرره في ظلام الخفاء والسر وهذا ما يعلنه تحت أضواء الإعلانات لهم. فإذا كان الأمر كذلك لماذا نستخفي بهذه الهوية؟ لماذا لا نستعلن بها في كل المناسبات؟ لماذا نكني عن الإسلام بالوطنية؟ لماذا نكني عن الإسلام ومبادئه بالعبارات المغطاة؟ أهو حياءٌ أم خجل أم هو ماذا؟


فيما مضى كانوا يقولون إنها الوحدة الوطنية تقتضي أن لا نثير الحساسية بين المسلمين وغيرهم ولكن ها أنتم تنظرون فتجدون أيها الإخوة أن وطنية مواطنينا من غير المسلمين قد سبقتنا إلى الاعتزاز بهذا الدين الذي يحاربه ذلك العدو الأرعن، ورحم الله قائداً في هذه البلدة قالها كلمة صريحة معلنةً تناقلتها وسائل الإعلام قال: المسلمون ينتمون إلى إسلامهم عن طريق العقيدة والوطنية، والنصارى ينتمون إلى الإسلام عن طريق الوطنية.


هذه حقيقة ليس هنالك من يتصور أن الإسلام الذي نرفع لواءه اليوم عالياً يخلق فرقة بين المسلمين وغيرهم، الإسلام فيما مضى واليوم وفي المستقبل عندما يحال الأمر إليه وعندما يكون هو الحاكم والحكم يحتضن كل من تحتضنه هذه الأرض ولا يمكن باسم الإسلام وشرعته أن يميز هذا الدين فئة على فئة، والتاريخ الإسلامي بعد الفتح الإسلامي خير شاهد على ذلك، مصر عندما فُتحت من الذي قال إن الإسلام تحيز للمسلمين وميز غير المسلمين وجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية مثلاً؟ الشام التي شهدت الفتح الإسلامي من ذا الذي قال إن غير المسلمين كانوا مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة؟ وهل جهل التاريخ اللحمة العجيبة التي تحققت ما بين المسلمين والنصارى يوم جاءت فلول الصليبية تغزو بلاد الشام؟ ألم يشهد التاريخ كيف أن المسلمين وإخوانهم من النصارى حاربوا الصليبية الوافدة في خندق واحد؟ لا إن إعلان هذه الأمة عن هويتها ضرورة تقتضيها الوفاء مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.


أنا أعجب أيها الإخوة أن أنظر إلى شامنا هذه التي تتمتع بشهادة أفضل الورى سيدنا ونبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، أعجب عندما أنظر إلى جهاز الإعلام في شامنا هذه في مثل هذا اليوم في مثل هذه الساعة وإذا بجهاز الإعلام هذا غارقٌ في اللهو والغناء وما إلى ذلك، في حين أن الفضائيات العربية كلها مشغولة في هذه الساعة بنقل صلاة الجمعة، أهو استحياء؟ أهو خجل؟ أم هو ضعف في الشخصية؟ إن كان لنا عذرٌ فيما مضى لشيء من هذا فإن هذا العذر ذهب، انتهى.


أقول أيها الإخوة وأرجو أن يبلغ كلامي سمع إخواننا القائمين والساهرين على مصالح هذه البلدة: ارفعوا لواء هذا الدين فوق رؤوسكم واجهموا باعتزازكم به على كل المستويات واجعلوا شعائر الإسلام القولية والفعلية واضحة جلية في دوائركم كلها، تلك هي الخطوة الأولى في محاربة العدو الذي يريد أن يقضي على هويتكم الإسلامية واجعلوا محاربة الإرهاب إن جاز التعبير ومحاربة الغلو والتطرف عن طريق الإسلام، عن طريق دين الله سبحانه وتعالى.


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.    


 

تحميل



تشغيل

صوتي