مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 28/09/2007

أمران مهمان : ليلة القدر (وقتها وخصوصيتها)،الزكاة (فرضيتها ودورها)


28/09/2007

أما بعد: فيا عباد الله، هما أمران تقتضي المناسبة أن أتحدث عنهما، وأن ألفت أنظاركم إليهما، أما الأمر الأول فهو ليلة القدر التي أنبأ بيان الله سبحانه وتعالى عن أهميتها وعن عظيم فضلها، وذلك عندما قال: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر: 97/3] أنزل في حقها سورة مستقلة كاملة. كثيرون هم الذين يتصورون في هذا العصر أن ليلةَ القدر منوطةٌ بليلة السابع والعشرين من شهر رمضان، استقر هذا في أذهان كثير من الناس. والسبب في ذلك هذا الاحتفال المتكرر المنوط بهذه الليلة لا يتقدم عنها ولا يتأخر، كان من نتيجة ذلك أن وقر في أذهان كثير من الناس أن ليلة القدر هي هذه، وكان من آثار ذلك أن أعرض هؤلاء الناس عن التماسها في الليالي الأخرى، في حين أن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنبأ أنها واردة في ليالي رمضان كلها، ولكن قال: ((التمسوها في العشر الأخير من شهر رمضان)). وأنا أبرر هذا الاحتفال المتكرر في ليلة السابع والعشرين، على كلٍّ هي دعوة إلى عبادة، ودعوة إلى تعرُّض لرحمة من رحمات الله سبحانه وتعالى في هذه الليلة، ولكن ينبغي أن تعلموا وألا تنسوا أن ليلة القدر ليست محصورة في ليلة السابع والعشرين من رمضان، بل احتمال وجودها في هذه الليلة وفي غيرها سواء، ومن ثَم فمن الخير للإنسان أن يحتفي بها في هذه الليلة التي يحتفل بها المسلمون في كثير من البلاد العربية والإسلامية، ولكن على ألا يكون هذا سبباً في إعراضهم عن التماسها في الليالي الأخرى، ولا سيما في الليالي المفرَدَة، ليلة الحادي والعشرين، الثالث والعشرين، الخامس والعشرين، السابع والعشرين، التاسع والعشرين

هذه ناحية. ومن ناحية أخرى ينبغي أن نتنبه إليها، أن فضيلة هذه الليلة ليست آتية من طبيعتها، وليست نابعة من طبيعة الزمن، وإنما هي آتية من تجليات الله سبحانه وتعالى على عباده في هذه الليلة، {إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر: 97/1-3]. من أين جاءت هذه الخيرية؟ هل جاءت من طبيعة زمن؟ الأزمنة كلُّها واحدةٌ، لا فرق بين زمن وزمن، كما أنه لا فرق بين مكان ومكان من حيث الطبيعة، من حيث التربة، ولكنّ الخيرية آتية من تجليات الله سبحانه وتعالى على عباده فيها، ولذلك ثبت أن ليلة القدر تنتقل من ليلة من ليالي رمضان إلى التي تليها أو التي قبلها مع مرور السنوات وتطاولها

أما الأمر الثاني الذي أعود إلى بيانه بعد أن ذكرته ونبَّهت إليه في الأسبوع الماضي، فهو ضرورة تذكُّر فريضة من الفرائض الإسلامية الكبرى، بل ركن من الأركان الإسلامية العظمى، ألا وهو ركن الزكاة، وأنتم تعلمون أن ركن الزكاة هذا منوط برمضان، ذلك لأن الزكاة إنما يبتغي بها السنة الهجرية، ولا يبتغي بها السنوات الميلادية كما تعلمون، وأفضل ميقات لإخراج الإنسان زكاة ماله إنما هو هذا الشهر، الذي ينبغي للإنسان أن يتخلص فيه من بخله، وينبغي أن يتخلص فيه من شحه، وأنتم تعلمون أن أجر المنفق في هذا الشهر لا يَقِل عن أجر الصائم، بل لعله يزيد أيضاً

هذه حقيقة لا داعي إلى تكرار التنبيه إليها، فهي حقيقة تتكرر على أسماعكم في كل عام، ولكن هنالك مداخل للشيطان - يا عباد الله - ينبغي أن نكون على حذر منها، وينبغي أن نتنبه إليها دائماً، ليست وسيلة الشيطان دائماً الصَّد عن الطاعة التي أمر الله عز وجل، كثيراً ما لا يستطيع الشيطان أن يصدك عن الطاعة، ولكن هنالك وسائل أخرى خفية لا يتنبه إليها إلا من كان حذراً على نفسه من مكائد الشيطان، هنالك خطط شيطانية تنتهي إلى شل فاعلية الزكاة، تنتهي إلى مسخ وجود الزكاة، بحسب الصورة الزكاة موجودة، وتتألق فاعليتها في المجتمعات، لكن اخترقِ الصورة تجد أن الزكاةَ قد شُلَّت، وأن وجودها مُسِخ، وأن سبيلها إلى الفقراء قد تقطَّع، من هذه الوسائل الشيطانية؛ أن تجد صاحب المال قد تعلقت زكاته بالسيولة المالية التي في صندوقه يُعْرِض عن إخراج زكاة ماله من هذه السيولة التي تعلقت الزكاة بها، ويعقد أو يبسط الموائد الرمضانية - كما قد قلت لكم بالأمس - يرسل الأموال الكثيرة أو القليلة إلى هنا وهناك، حيث تبسط الموائد الرمضانية المختلفة، وبالأسماء المتنوعة، ثم إنه يَحْسِب ذلك على الله زكاة، بل يمتن على الله عز وجل بأنه قد أخرج زكاة ماله، أفتعتبر هذه العملية دفعاً للزكاة؟ هذا هو المسخ لزكاة المال، وتلك هي الوسيلة لشل فاعليتها، أموال كثيرة تدفع في سبيل الموائد الرمضانية - وهذا شيء جيد، وقد أنبأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأجر العظيم الذي يدخره الله لمن أفطر صائماً - ولكن من قال: إن المصطفى صلى الله عليه وسلم قصد بذلك أن تُفْطِر صائماً من مال زكاتك؟ من الذي قال هذا؟ تُفْطِر الصائم ثم تقول لله عز وجل: لقد أعطيت زكاة مالي. متى؟ أَفْطَرتُ هذا الصائم بالأمس، والصائم الآخر، وأَفْطَرتُ كثيراً من الناس، وبسطت لهم مائدة متنوعة. هذا لا يُعَدُّ زكاة قط، لإفطار الصائم طريق يصل الإنسان من ورائه إلى الأجر الذي يدخره الله له يوم القيامة، لكنه مختلف كلياً عن طريق الزكاة، وللزكاة طريق آخر، فمن خلط هذا بذاك، ومن أَفْطَرَ الصائم بمال كثيرٍ أو قليلٍ، ثم احتسبه على الله زكاةً، باء بوزر كبير - قولوها على لساني - بدلاً من أن يكتب الله له الأجر الوفير

الزكاة - أيها الإخوة - تتعلق بالمال، ويجب أن يُخْرِج الإنسان الزماة من جنس المال الذي تعلقت به الزكاة، عندك قَدْرٌ من السيولة المالية التي تتعلق بالنقدين الفضة أو الذهب، أو التي تتعلق بالأوراق النقدية التي حَلَّت اليوم محل الذهب والفضة، إذن ينبغي أن تُخْرِج الزكاة من هذه الأموال، ينبغي أن تُخْرِج الزكاة من جنس ما تعلقت به الزكاة، لك أرض أنتجت زراعة كثيرة، تعلقت الزراعة بهذا المزروع بهذا المُسْتَحْصَد، ينبغي أن تُخْرِج الزكاة من عين ما تعلقت به هذا المال، ولذلك انظروا - يا عباد الله - إلى الوسائل التي كانت تمر من خلالها أموال الزكاة من جيوب الأغنياء إلى أفواه الفقراء، فأجد أن هذه السبل تقلصت، وأنظر فأجد أن هذا الاندفاع الزكوي تراجع، وأسأل ما السبب؟ السبب أن هذه الوسيلة تحولت إلى الموائد الرمضانية، هذا هو شلل الزكاة، حتى ما يسمى بصندوق حفظ النعمة، عمل عظيم جداً، كل ما يمكن أن نتصور من الوسائل التي تتم تحت اسم حفظ النعمة أمر رائع، لكن صمام الأمان في ذلك ألا يكون هذا عن طريق أموال الزكاة، أموال الزكاة لها طريق، وهذه الأموال المتمثلة في الأطعمة التي ترسل إلى الفقراء في الأدوية فيما يشبه ذلك له طريق آخر

وانظروا - يا عباد الله - إلى سيرة سلفنا الصالح، كم كان الكرم جلياً في حياتهم، وعلاقة ما بين الأغنياء والفقراء، الزكاة كانت جانباً من هذه الجوانب، زاوية من هذه الزوايا، الجوانب الأخرى الكثيرة كانت مختلفة عن الزكاة؛ الأموال الوقفية المختلفة، الأطعمة المتنوعة الكثيرة، الأموال التي تُغْدَق على الفقراء، كل ذلك كان يتم بمنأىً عن الزكاة، بعيداً عن الزكاة، تحت قاعدة ((إن في المال حقاً سوى الزكاة)). ننظر ونقارن بين ما كان عليه سلفنا الصالح بالأمس وما آل إليه حال المسلمين اليوم. ماذا أجد؟ أجد شيئاً يخيف، في الظاهر هو قربى إلى الله، وفي الباطن يستنزل غضب الله، موائد رمضانية لا أدري من الذين يجتمعون عليها، ومن أي حَدَب ودرب اجتمعوا عليها، ومن هم. أَعُدُّها زكاة؟! أَدْفَع مليون من المال في سبيل بسط مائدة رمضانية ثم أسجل مساءً على الله عز وجل أنني دفعت مليون ليرة زكاة من حسابي؟ والله سبحانه وتعالى مُطَّلع، يرى الحقائق

يا عباد الله.. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل أعمالنا خالصةً لوجهه، وأسأل الله عز وجل أن يطهّر قلوبنا من الرياء، ومن النفاق وألا يجعلنا ممن يستخدم الدين أُطُراً من أجل المصالح، من أجل المصالح الدنيوية، من أجل المظاهر، من أجل السمعة، اللهم ارزقنا الإخلاص لوجهك، اللهم طهِّر قلوبنا من الشوائب يا ربَّ العالمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم

تحميل



تشغيل

صوتي