مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 21/09/2007

من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً

من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً


خطبة الإمام الشهيد البوطي


تاريخ الخطبة: 21/09/2007


 


الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:


آية في كتاب الله سبحانه وتعالى أحسب أنه ما مِنْ إنسان آمن بالله جل جلاله وآمن برسوله صلى الله عليه وسلم وتلا هذه الآية إلا وفاض كيانه خجلاً مِنَ الله سبحانه وتعالى. إنها آيةٌ يتحبب فيها الرب عز وجل إلى عباده. يقول: ﴿من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون﴾. ما الذي يخجل العبد مِنْ مولاه عندما يقرأ هذه الآية بتمعن؟ إنك تعلم أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يرزقك وهو الذي أعطاك مِنَ المال ما أعطاك فالمال ماله والملك ملكه ولم أجد في القرآن آية تثبت ملكية الإنسان للمال وإنما يستخلف الله عز وجل عباده على هذا المال ﴿وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه﴾ أو يقول: ﴿وآتوهم من مال الله الذي آتاكم﴾. فالمال الذي بين يديك إنما هو لله عز وجل والذي أرسله إليك رزقاً هو الله عز وجل ومع ذلك ومع ذلك فهو يقول: ﴿من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة﴾. يخاطبك وكأنه يقول ألا تقرضني شيئاً مِنْ هذا المال الذي هو بين يديك! إن أقرضتني شيئاً منه أعدك بأنني أعيده إليك أضعافاً مضاعفة. كيف يمكن ألا يخجل الإنسان مِنْ مولاه إذ يخاطبه بهذا الكلام المحبب. يعطيني المال، والمال ماله، ثم يقول ألا تقرضني شيئاً مِنْ هذا المال الذي معك. وكيف أقرض الله عز وجل؟ وما المراد بهذا الإقراض؟ مِنَ الواضح أن الله عز وجل هو الغني وكل مَنْ عدا الله وما عدا الله فقراء ولكن المعنى المراد: مَنْ ذا الذي ينفق مِنْ هذا المال الذي أغدقه الله عز وجل عليه إلى المحتاجين والفقراء الذي ابتلاه الله عز وجل بهم. عبر البيان الإلهي عن هذا بإقراض الله سبحانه وتعالى.


ويرحم الله ابن عطاء الله إذ يقول مِنْ تمام فضله عليك إذ خَلَقَ فيك ونسب إليك. يكرمك بالمال ثم يعدك المثوبة الكبرى إن أنت أنفقت مِنْ المال للمحتاجين ويعد البيان الإلهي ذلك إقراضاً منك لله سبحانه وتعالى. هذه الآية لا ريب أنها تثير مشاعر الخجل والاستحياء مِنَ الله عز وجل. والمفروض مِنَ العبد الذي أكرمه الله عز وجل بشفافية إيمانية أن يخاطب مولاه قائلاً: يا رب العبد عبدك والمال مالك، كيف تجعلني مقرضاً لك إن أنا وهبت أو أعطيت الفقراء الذي ابتليتني بهم شيئاً مِنْ مالك أنت الذي جعلته وديعة عندي ثم أنك تلزم ذاتك العلية بأن تعيده إلي أضعافاً مضاعفة وليس في ذلك أيٌّ مِنَ الربا المحرم كما تعلمون.


هذه الآية ما ينبغي أن يتيه الإنسان عنها إطلاقاً مادام الباري عز وجل قد أكرمه بشيء مِنَ النعم التي قد أغدقها الله عز وجل عليه وابتلاه بها لاسيما في هذا الشهر المبارك. ومَنْ استوعب هذا الكلام الرباني ومَنْ تدبره وتأمله لا يمكن أن يجد البخلُ سبيلاً إلى كيانه قط ولا يمكن أن يتسرب الشحُّ في ساعة مِنَ الساعات إلى نفسه قط. كيف؟ هو يعلم أن الله لا يخلف الميعاد، وهو يعلم أن المال مال الله، وهو يسمع كلام الله عز وجل القائل: ﴿فيضاعفه له أضعافاً كثيرة﴾، لعل الأضعاف لا تقف عند العشرة، لعلها تزيد على ذلك وليس لهذا العطاء الرباني سقف قط ومِنْ ثَمَّ فإن المؤمن بالله عز وجل لا يمكن أن يجد البخل إلى نفسه سبيلا قط.


وقد روى الشيخان مِنْ حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ﴿ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينـزلان يقول أحدهما اللهم أعط منفقاً خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكاً تلفا﴾ الحديث متفق عليه والكلام كلام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم والمضمون إنما هو تأكيد لهذا يقوله الله سبحانه وتعالى ﴿من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون﴾. أن يصور لك البيان الإلهي في هذا الكلام أنه يقف منك موقف المقترض وأنت تقف منه موقف المقرض كيف هذا؟ لابد أن تقول لمولاك وخالقك يا رب أنت ربي ومالكي، المال مالك وأنت الذي أعطيتنيه أفأقرضك مالاً هو مالك، أفيقرضك عبد هو مملوك لك، لا، بل العبد وكل ما في يديه ملكك. نعم، هكذا يقف العبد المؤمن بالله عز وجل مِنْ هذا البيان الإلهي المحبب الذي يخاطب الله سبحانه وتعالى به عباده. هذا بالنسبة للإنفاق المطلق الذي يشمل الزكاة وغير الزكاة ﴿وإن في المال حقاً سوى الزكاة﴾. ولكن كيف عندما يكون الإنسان مرهقاً تحت مسؤوليات الزكاة التي خاطبه الله عز وجل بها! ومع ذلك فإن الله عز وجل يخرج زكاة مالك، التي أنت مكلف بها، يخرج ذلك منك مخرج الإقراض لله سبحانه وتعالى.


هذا المعنى ينبغي أن نتذكره دائماً كلما رأينا نعمة بين أيدينا مِنَ النعم التي يغدقها الله عز وجل علينا ولكن ينبغي أن نزداد شعوراً بهذا المعنى خلال هذا الشهر المبارك. وينبغي أن نعلم أيها الإخوة أن الغنى والفقر أمران نسبيان. فما مِنْ إنسان من الناس إلا وهو غني بالنسبة لمن كان دونه في الامتلاك وما مِنْ إنسان إلا وهو فقير بالنسبة لمن كان فوقه في التمول فالمسألة نسبية.


وإذا عرفنا هذا فلنعلم أن هذا الخطاب الرباني موجه إلى الناس جميعاً. لا يقولن قائل إنني لست مِنَ الأغنياء وإنما يخاطب الله عز وجل بهذا الموسرين مِنْ عباده، لا. ما مِنْ إنسان إلا وهو موسر بالنسبة للبعض وهو فقير بالنسبة للآخرين أيضاً، نعم. وما مِنْ إنسان يعاني مِنَ الفقر والضنك وعالج فقره وضنكه بالإنفاق إلا أبدل الله بفقره الغنى وأكرمه سبحانه وتعالى بالنعمة، وخطاب الله عز وجل لا يلحقه خلف قط. على أننا نذكر أنفسنا، أقل المراتب، بما افترضه الله عز وجل علينا وهو إخراج الزكاة، الزكاة التي هي حق الله عز وجل في مال الإنسان. هذا المال الذي بلغ نصاباً لله عز وجل فيه حق ثابت. ومعنى ذلك أن للفقراء الذي تحدث البيان الإلهي عنهم كمستحقين للزكاة لهم في هذا المال حق ثابت. ولو أن إنساناً باع ماله كله، وقد تعلقت به الزكاة، قبل أن يخرج زكاته لما صح هذا البيع في جزء من هذا المال لأنه ليس ماله.


أذَكِّرُ نفسي وأذكركم بهذا الذي ينبهنا إليه بيان الله عز وجل، وأذكركم بأن الإنفاق الذي أمرنا به الله عز وجل هو الحصن الذي يقي الإنسان مِنَ المصائب، هو الحصن الذي يقي الإنسان مِنَ الأمراض، هو الحصن الذي يقي الإنسان مِنَ الفقر والعوز. هذه حقيقة ينبغي أن نعلمها يا عباد الله. وإذا تشَبَّعَ الإنسان بهذا البيان الإلهي لا يمكن أن يجد الشحُّ إلى نفسه سبيلاً قط ومِنْ ثَمَّ فلابد أن يتقدم بفضل ماله الذي أكرمه الله عز وجل به يقول لمولاه وخالقه يا رب تَفَضَّلْتَ عليَّ فجعلتني مقرضاً لك وجَعَلْتَ مِنْ ذاتك العلية مقترضاً مني! لا، أنا عبدك والمال مالك والكل ملكك وها أنذا أعود بالمال الذي هو ملكك لمن أمرتني أن أتوجه بالمال إليهم.


وهنا لابد أن أنبه نفسي وإياكم إلى حكم ينبغي أن نعلمه جميعاً. إذا تعلقت الزكاة بالنقدين وجب إخراج الزكاة مِنْ جنس النقدين، إذا تعلقت الزكاة بعروض التجارة، بالسلع التجارية، وجب إخراج الزكاة مِنْ جنس تلك السلع، إذا تعلقت الزكاة بالأنعام والمواشي يجب إخراج الزكاة مِنْ جنس ما تعلقت به الزكاة. إذاً إذا تعلقت الزكاة بالنقد من مالي لا يجوز لي أن أجعل نفسي مخرجاً للزكاة التي أمرني الله عز وجل بها عن طريق المآدب وعن طريق إطعام الفقراء، هذا ليس زكاة. تعلقت الزكاة بالنقدين ينبغي أن أدفع للفقراء النقدين.


أما أن أبسط الموائد الرمضانية فهذا شيء حسن، ومَنْ أفطر صائماً كان له من الأجر القدر العظيم الذي لا يحصيه أحد ولكن على ألا يكون هذا زكاة. زكاتك تعلقت بسلع تجارية، تعلقت بنقدين، تجعل مِنَ الموائد الرمضانية حساباً تحسبه على الله عز وجل لتقول في آخر هذا الشهر لقد أنفقت على هذه المآدب الرمضانية كذ وكذا وكذا فقد برئت إذاً مِنَ الزكاة التي افترضها الله عز وجل عليَّ! لا، هذا تحايل على الله سبحانه وتعالى. لا تحاول أن تُرِيَ الفقراء إحسانك وبرَّكَ بهم لتَمْتَنَّ بذلك على الله عز وجل أنك قد دفعت زكاة مالك. ليت أن الناس يعرفون هذه الحقيقة. هنالك كثير مِنَ المآدب تبسط في رمضان أجل، الموائد الرمضانية شيءٌ جيد لكن ما ينبغي أن نهدر الزكاة عن طريق هذه الموائد، ما ينبغي أن نمسخ الزكاة عن طريق هذه الموائد.


أسأل الله سبحانه وتعالى أن يكرمنا بالصدق في إيماننا بالله، وأسأله سبحانه وتعالى أن يكرمنا بالصدق في التعامل مع الله سبحانه وتعالى أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

تحميل



تشغيل

صوتي