مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 07/09/2007

لا تنتهكوا حرمة شهر رمضان

خطبة الإمام الشهيد البوطي

‏07‏/09‏/2007م

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:

إن هي إلا أيام قليلة ويعود شهر رمضان المبارك ضيفاً عزيزاً كريماً مقدساً ينـزل برحاب عالمنا العربي والإسلامي، وأنتم تعلمون أن صوم شهر رمضان ركن مِنْ أَجَلِّ أركان الإسلام ولكن مَنْ فاته أن يؤدي هذا الركن، مَنْ تغَلَّبَتْ عليه نفسه، فأعرض عن الصيام ما ينبغي أن يفوته تقدير حرمة هذا الشهر، ما ينبغي أن يفوته احترام هذه الشعيرة.

وشهر رمضان بقطع النظر عن الصوم الذي هو ركن من أركان الإسلام، شهر رمضان بحد ذاته شعيرة مِنْ أَجَلِّ شعائر الإسلام، وصدق الله عز وجل القائل في محكم تبيانه: ”ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب“. ومعنى هذا الكلام في مفهومه المخالف أن مَنْ لم يعظم شعائر الله عز وجل فلا ريب أن قلبه خالٍ مِنْ تقوى الله عز وجل وإذا خلا القلب مِنْ تقوى الله تسربت إليه معاني النفاق شاء صاحب هذا القلب أو أبى، إذاً ينبغي أن نعلم أن علينا أن نستقبل هذا الشهر المبارك، هذه الشعيرة الإسلامية القدسية العليا، الاستقبال الذي يناسبه، يناسب مكانته عند الله سبحانه وتعالى، وإنها للمكانة التي أعلن عنها بيان الله بصراحة وبنص جليل وواضح في محكم تبيانه. ومرة أخرى أقول: إن الإنسان الذي اسْتَخْذَتْ نفسُه وضعفت شخصيته فلم يستطع أن يؤدي حقَّ هذا الشهر صياماً، ينبغي أن يؤدي حقَّ هذا الشهر احتراماً، ينبغي أن يؤدي حقَّ هذا الشهر مِنْ حيث إنه شعيرة مِنْ أخطر الشعائر الكبرى. ولعل الله عز وجل يجعل مِن احترام هذا الإنسان لشعيرة هذا الشهر شفيعاً له يوم القيامة إذا قام الناس لرب العالمين.

ولكن إذا كان في الناس المسلمين من لا يريدون أن يؤدوا حقَّ هذا الشهر مِنْ حيث هو ركن مِنْ أركان الإسلام صياماً ولا يريدون أن يؤدوا حقه من حيث هو شعيرة مِنْ شعائر الإسلام وأصروا على أن يمزقوا هذه الشعيرة في الأسواق وفي الشوارع علانية، إذا كان في المسلمين مَنْ يجرؤون على هذا، فينبغي أن تتجلى مهمة الأمر بالمعهروف والنهي عن المنكر عندئذ وصدق الله عز وجل القائل: ”ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون“.

وأنا كنت ولا أزال أقول إن مهام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منوطة بادئ ذي بدء بقادة هذه الأمة بالمسؤولين فيها بالذين حملهم الله سبحانه وتعالى مهمة رعاية هذه الأمة ديناً ودنيا، هذه المهمة منوطة بادئ ذي بدء بهم، وأنا كنت ولا أزال أحذر من أن يدخل في هذا المجال عامة الناس دون انضباط بشروط معروفة معينة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حذرا ًمن وقوع الفتنة وشريعة الله عز وجل تتشوف دائماً إلى إغلاق باب الفتنة ومن ثم أنا أُذَكِّرُ المسؤولين في بلادنا العربية والإسلامية ولا سيما في شامنا هذه لا سيما في بلدتنا هذه التي ميزها الله عز وجل عن كثير من البلاد بمظاهر هذا الدين بالبركة التي أعلن عنها كتاب الله سبحانه وتعالى أكثر من مرة، نعم.. أهيب بقادة المسلمين أن ينهضوا بواجبهم أن يضربوا على يد كل من أصر على أن يمزق شعيرة هذا الشهر، له ألا ينضبط بالصيام بينه وبين ربه وحسابه على الله عز وجل، ولكن عليه في هذه الحالة ألا يجعل من جهره بالإفطار أداة لتمزيق شعيرة هذا الشهر على رؤوس الأشهاد هذا أمر خطير جداً يستنزل غضب الله وإذا نزل غضب الله بالأمة فحدث عن النتائج التي تتولد من هذا ولا حرج.

في الناس من يقولون إن بلادنا هذه مفتوحة للسائحين، وإن السياحة مصدر كبير من مصادر الرزق، ولا يتأتى لنا ان نضبط السائحين بما نضبط به أنفسنا ولا يتأتى لنا أن نلزمهم بما لم يلتزموا به، وأنا أقول هذا كلام منطقي سديد.

لا نحن بل الله عز وجل لم يأمر من لم يؤمن بالله عز وجل عقلُه ولم يدخل في ساحة الإسلام من حيث الأساس الاعتقادي فإن الله عز وجل لا يلزمه في دار الدنيا بالفروع الشرعية من صيام أو صلاة أو نحو ذلك، وهو لو صلى لا تقبل صلاته، وهو لو صام لا يقبل صيامه، نقول هذا ولا نلزم غير المسلمين من سائحين وغيرهم بما لم يلزمهم به الله عز وجل في دار الدنيا، ولكن نقول عليهم هم أيضاً لا يمزقوا شعيرةً نعتز بها، أمرنا الله سبحانه وتعال برعايتها وعلى القائمين بشؤون المسلمين أن يدخلوا إلى روعهم هذه الحقيقة.

الفنادق هي المجال الذي يتلاقى فيها السائحون والمسافرون من المسلمون ويستطيع هؤلاء الناس السائحون والمسافرون أن يمارسوا رغباتهم النفسية في نجوة من الأسواق في نجوة من الشوارع والمطاعم المكشوفة الواضحة، المطاعم في الفنادق موجودة ومخبوءة والسواح لا مكان لهم سوى هذه الفنادق فيها يلهون ويسرحون وفيها يأكلون ويشربون وإذا خرجوا.. خرجوا إلى نزهاتهم وما إلى ذلك، إذاً فيما نجعل من المطاعم المكشوفة في شوارعنا الإسلامية مظهراً يتحدى شعيرة هذا الشهر، ومتى كان السواح يفدون إلى هذه المطاعم المفتوحة، كان السواح ولا يزالون يطعمون ويأكلون ويشربون في الفنادق التي ينامون فيها، كذلك المسافرون _والمسافر لا حرج عليه في أن يفطر_، المهم أن هذا الشهر له شعيرة وله حرمة ويجب على المسلمين وغير المسلمين ألا يمزقوا شعيرة هذا الشهر، والله عز وجل هيَّأ لغير المسلمين مكاناً يستطيعون أن يمارسوا فيه حرياتهم وأن يحققوا فيه رغباتهم وأن يمتعوا أنفسهم بالطعام والشراب في نجوة من أعين المسلمين، وبعيداً عن الأسواق والشوارع الإسلامية المكشوفة هذا هو الجواب الذي ينبغي أن يعلمه الناس جميعاً وهذا جواب منطقي وفي الوقت نفسه جواب ديني سديد، نحن نذكر عهداً مرَّ على هذ البلدة كان إذا رُئِي زيدٌ من الناس أياً كان قد جاهر في الإفطار في شارع من شوارع هذه المدينة أو سوق من أسواقها أُخِذ وأُودِع السجن إلى نهاية هذا الشهر، أتذكرن ذلك والإسلام اليوم أكثر ازدهاراً منه بالأمس في هذه البلدة، والمسلمون اليوم أكثر وعياً لإسلامهم من العهد السابق الغابر الذي أتحدث عنه، ومساجد المسلمين تكتظ بالمسلمين أكثر من ذي قبل وإقبال المسلمين في ليالي هذا الشهر المبارك وأوقات العبادة فيه في ليل ونهار، إقبالهم في هذه الأيام وهذه السنوات أكثر من إقبالهم إلى الإسلام من قبل، فلماذا نجد هذه الظاهرة المعاكسة، لماذا نجد أن حرمة هذا الشهر كانت بالأمس قبل سنوات قليلة مكلوءة بالعناية التامة في حين أن الإسلام لم يكن مزدهراً كشأنه اليوم، وتنظر اليوم وإذا بك لا تكاد تشعر بمعنى من معاني هذا الشهر في الأسواق، صاحبُ الدخينة يتباهى بدخينته التي لا تخرج من فمه، المطاعمُ جلها ولا أقول كلها مفتحة الأبواب، الغادي والرائح يتمتع بشرابه ولهوه وطعامه كما يشاء، ورب العالمين يطلع وهو القائل: ”ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب“.

قيل لي وأنا أذكِّر بهذا الواجب القدسي، قال لي أحدهم: إن فاقد الشيء لا يعطيه من هو هذا الذي سيتعقب المفطرين من أجل أن يردعهم ويزج الواحد منهم في السجن إلى أخر الشهر ربما كان هو المفطر.

وقلت: ليس الإشكال في الإفطار، ربَّ مفطر يكون فؤاده مليئاً بالخوف من الله، ضعفُ شخصيته زجته في هذه المعصية لكنه في الوقت ذاته يحترم الشهر ويقدس هذه الشعيرة فمن وجد نفسه ضعيفاً مستخذيَ الشخصية قد خالف أمر الله سبحانه وتعالى وعصاه فأفطر فليحاول أن يتخذ من حراسته لهذه الشعيرة شفيعاً له غداً عند الله عز وجل، وليكن لسان حاله أيّ رب لقد أفطرت لضعف في نفسي لتغلب رعوناتي عليَّ لكن هأنذا عين حارسة لشعيرة هذا الشهر فاجعل من عملي هذا شفيعاً لسوء حالي في هذا الشهر المبارك، أجل.. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يلهم المسلمين في هذه البلدة وسائر بلاد الإسلام أن ينهضوا كما ينبغي لاستقبال هذا الشهر الاستقبال الذي أمر به الله بالاحتفاء بهذا الشهر على النحو الذي يرضي لله سبحانه وتعالى، وأسأل الله عز وجل أن يلهم قادة المسلمين في بلدنا هذه وسائر بلاد الإسلام أن يكونوا أعين ساهرة على قدسية هذه الشعيرة، وألا تخترق هذه القدسية في الشوارع في الأزقة على رؤوس الأشهاد.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

تحميل



تشغيل

صوتي