مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 20/07/2007

فأذنوا بحرب من الله

فأذنوا بحرب من الله


خطبة الإمام الشهيد البوطي


تاريخ الخطبة: 20/07/2007


 


الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده. يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطنك. سبحانك اللهم  لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:


تأملت في خطاب الله سبحانه وتعالى لعباده فلم أجد فيه حرباً معلنةً إلا على فئتين مِنَ الناس، الفئة الأولى تلك التي لا تتقي الله سبحانه وتعالى في ابتعادها عن الربا الذي حرمه الله عز وجل وتظل على الرغم مِنْ تحذيرات الله عز وجل لها عاكفةً على ارتكاب هذا المحرم، وقد سبق أن تحدثنا عن هذه الفئة وعن خطاب الله عز وجل الذي يتضمن إعلان الحرب عليها، يقول الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾.


أما الفئة الثانية التي أعلن الباري سبحانه وتعالى الحرب عليها مِنْ خلال خطابه فيه تلك التي تصر على معاداة أولياء الله عز وجل، يقول الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي، وهو خطاب مِنَ الله سبحانه وتعالى لعباده عن طريق رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب". إذاً هما فئتان لم أجد فئة ثالثة لهما، العاكفون على الربا والمعرضون عن تحذيرات الله سبحانه وتعالى له، والذين يمعنون في إطالة ألسنتهم إيذاءً في حق أولياء الله سبحانه وتعالى، وخطاب الله سبحانه وتعالى في هذا الحديث القدسي ورد في حديث صحيح يرويه الإمام البخاري مِنْ حديث أبي هريرة وغيره أيضاً: "من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب" إلى آخر الحديث الطويل الذي سنذكر بعضاً منه بعد قليل.


وربما قال مِنَ النَّاس قائلٌ: ولكنَّا لا نعلم أولياء الله سبحانه وتعالى ومِنْ ثَمَّ فإن الإنسان في حل مِنْ أن يمد لسان الأذى إلى أناس لا يرى فيهم دلائل الولاية بل لا يرى فيهم دلائل الصلاح فضلاً عن الولاية، هنالك مَنْ يجعل مِنْ هذا الكلام اعتذاراً له، ولكنَّ هذا الذي يقوله بعض الناس هو الذي يستوجب أن يكف هؤلاء الناس ألسنتهم عن الخوض في إيذاء عباد الله سبحانه وتعالى الذين يمكن أن يكونوا مِنَ الأولياء الصالحين المقربين إلى الله عز وجل، ما دمت لا تعلم أنَّ هذا الذي تطيل لسانك بالإيذاء في حقه، لا تعلم هويته ولا تعلم أهو مِنْ أولياء الله أم لا، إذاً فأنت تفترض أنَّه ربما كان مِنْ أولياء الله ولا تعلم ما الذي تقتضيه مخافتك مِنَ الله وما الذي تستلزمه الحيطة أمام قول الله عز وجل في الحديث القدسي "من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب"؟ عندما تتوجس خيفة مِنْ شيء تبتعد عنه لأن الحيطة تقتضى ذلك، عندما تريد أن تسير في طريق وأنت تفترض أن هذا الطريق فيه مخاطر، ربما كانت هذه المخاطر أو وجودها بنسبة عشرين أو عشرة في المئة فإن العقل يفرض عليك أن تبتعد عن هذا الطريق وألا توغل فيه.


فيا عجباً لأناس هم مِنْ أبناء جلدتنا وهم يتجملون بالإسلام وكلماته وشعاراته لا تجد شيئاً يلتذون به ويستمرئونه ويبعث النشوة لديهم في رؤوسهم أو في نفوسهم كقالة السوء عندما تمتد ألسنتهم بها، لا في حق الفاسقين، لا في حق الطالحين، لا في حق الذين أعلنوا الحرب على دين الله عز وجل أو على شرائعه، لا، بل هم في شغل شاغل عن هؤلاء الناس، وإنما يطيلون ألسنتهم بقالة السوء عن أناس هم في الظاهر مِنْ عباد الله الصالحين، هم في الظاهر مِنْ عباد الله المتمسكين بشرائعه ومبادئه وآدابه، هؤلاء هم الذين يطيلون ألسنتهم في حقهم دون أن يرعَوِيَ الواحد منهم عن ذلك ودون أن يقيم وزناً لهذا الذي يقوله الله جل جلاله "من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب".


أموقن أنت أن هذا الذي تنتقصه وتؤذيه وتمزق سمعته بجهدك، بكل الوسائل التي تمتلكها بين الناس، أموقن أنت أنه ليس ممن قد أحبهم الله عز وجل؟ أموقن أنت أنه ليس مِنْ أولياء الله سبحانه وتعالى؟ ما السبب ترى في أن هؤلاء الناس، وهم موجودون بين ظهرانينا، يعرضون أنفسهم لحرب معلنة مِنَ الله عز وجل عليهم وهم في الظاهر غيارى على الإسلام، وهم في الظاهر لا يطيلون ألسنتهم بقالة السوء بحق هؤلاء الصالحين إلا لأنهم في الظاهر غيارى على دين الله سبحانه وتعالى؟ لكن ما الذي يجعلهم تائهين عن هذا التحذير الخطير الذي نقرؤه ونسمعه مِنْ كلام الله عز وجل؟


لعل السبب يا عباد الله، ولا أعلم سبباً آخر له، أن هؤلاء الناس إنما تقودهم أمزجتهم فيما يتكلمون وفيما يقولون ويفعلون. ليس الذي يقودهم في كلماتهم التي ينطقون بها ولا في سلوكاتهم التي يصطبغون بها، ليس الذي يدفعهم إلى ذلك انضباطاً بأوامر الله عز وجل وتمسكاً بأوامر الله عز وجل وانتهاءً عن نواهيه ولكنه هاجس نفسي ومزاج داخلي هما اللذان يقودان هؤلاء الناس إلى السلوك الذي يسلكونه وإلى الكلمات التي يقولونها وإلى مواقفهم مِنْ عباد الله سبحانه وتعالى، وإذا تحكم المزاج بكيان الإنسان المسلم أودى به إلى الهلاك لا شك في هذا ولا ريب.


أولاً ينبغي أن يعلم كل مسلم، فضلاً عن الإنسان الذي يتظاهر بالغيرة على دين الله، أن الغيبة مِنَ المحرمات التي قرر جل العلماء أنها مِنَ الكبائر منها ونحن جميعاً نقرأ كلام الله عز وجل ﴿وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ﴾، هذا بقطع النظر عن الشخص الذي أغتابه أياً كان، وقد فتح البيان الإلهي السبيل للغيارى على الإسلام وشرائعه فيما يقولون، فتح لهم سبيلاً آخر إلى ذلك يغنيهم عن مجالس الغيبة، يغنيهم عن إشفاء الغليل استجابة للهواجس والأمزجة النفسية، أن يطرق أحدنا باب هذا الإنسان الذي تراه قد ارتكب إثماً أو شرد عن دين الله في أمر مِنَ الأمور، تطرق بابه، تدخل إليه، ترحب به ويرحب بك، تعلن عن غيرتك عليه ومودتك له ثم تحدثه عن هذا المنكر الذي ظننت أنه قد ارتكبه، ربنا سبحانه وتعالى فتح لنا طريقاً نؤجَرُ فيه بدلاً عن الطريق الآخر الذي نرتكب فيه محرماً، الشأن فيه كالمسألة التي تحدثنا فيها قبل أسبوعٍ أو أسبوعين عندما حرم الله الربا وأغلق بابه فتح لك باباً آخر إلى الغاية الاقتصادية التي تنشدها لا ترتكب في سيرك إلى تلك الغاية أي محرم، كذلك أأنت تغار على دين الله حقاً ومِنْ ثَمَّ تريد أن يقلع هذا الإنسان عن منكر تصورت أنه منكر؟ إذاً فليس السبيل إلى ذلك أن تجلس مجلساً تغتاب فيه هذا الإنسان ثم أن تستبدل به مجلساً ثانياً فثالثاً فرابعاً وكلما وجدتَ في مكان شفيت غليلك بالحديث عن هذا الإنسان بحجة أنك تغار على شريعة الله، السبيل المفتوح الذي شرعه الله إليك أن تذهب إليه وأن تجلس إليه وأن تحدثه وتحاوره فإما أن يتبين أنك محق فيما تقول ولسوف تجد أن هذا الإنسان قد رجع إلى الصواب وإما أن تجد أو أن تكتشف أنك مخطئ فما تصورت أنت وعندئذٍ ستعود أنت إلى جادة الصواب، لكن المصيبة التي حاقت بنا والتي يفيض بها مجتمعنا الإسلامي ما تراه مِنْ كثير مِنَ الناس يرتدون أقنعة الغيرة على الإسلام ثم إنهم آذان صاغية إلى الناس، يلتقطون مِنْ هذا وهذا وذاك ما يحسبونه ابتعاداً عن أوامر الله وشروداً عن ميزان شريعة الله عز وجل ثم إنهم يجعلون مِنْ هذا الذي التقطوه معزوفة يتغنون بها أينما وجدوا وحيثما جلسوا إلا أن يجلسوا إلى هذا الإنسان ذاته فلا يعرفون عندئذٍ إلا الصمت، هذا إن وقعوا فيما يفرون منه إلى الجلوس إليه. أما في أغلب الأحيان فهم يفرون مِنْ هذا الإنسان الذين يوغلون في الحديث عنه وفي إيذائه وفي تمزيق عرضه على أسماع الناس.


أليس هؤلاء الناس مؤمنين بكلام رسول الله، وكثير منهم يعكفون على دراسة حديث رسول الله؟ ألا تسري مخافة الله عز وجل في قلوبهم مِنْ هذه الحرب المعلنة مِنَ الله على هؤلاء الناس "من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب". تقول  أنا لا أعلم أنه ولي. أنت لا تعلم أنه ولي ولكنك لا تعلم أيضاً أنه فاسق، لا تعلم أيضاً أنه منحرف، أنت تجهل حاله فلماذا لا تحتاط لدينك. هذا بالنسبة للذين لا نعلم عنهم إلا الاستقامة، لا نتبين فيهم إلا دلائل القرب مِنَ الله عز وجل مع العلم بأنه ليس في الناس بعد الرسل والأنبياء معصومون، فكيف بأناس تائهين عن صراط الله، هؤلاء يجوز لي أن أغتابهم؟ يجوز لي أن أجلس مجلساً تلو مجلس تلو مجلس لأمزق أعراضهم؟ لأمزق سمعتهم في نفوس الناس؟ تقول إنهم فسقة. صحيح ربما كانوا فعلاً فسقة لكن هل أنت موقن أن فاسق هذا اليوم سيموت وهو فاسق؟ بل هل أنت موقن أنك أنت يا أيها الغيور على دين الله والمستقيم على دين الله أموقن أنت أنك ستموت على هذه الحالة ولن تموت وأنت أفسق الناس وأبعد الناس عن صراط الله عز وجل؟ كم مِنْ أناس فاسقين نظرنا بعد أيام أو أشهر أو سنوات وإذا بهم مِنْ أصلح الناس ومِنْ أقرب الناس إلى الله سبحانه وتعالى. لماذا تغامر وتخالف أمر الله؟ لماذا لا تطرق باب هؤلاء التائهين واحداً إثر آخر لتجلس إليهم فتكسب مثوبة الحوار معهم وتكسب مثوبة الأمر لهم بالمعروف والنهي لهم عن المنكر لماذا؟ ليس هنالك مِنْ جواب إلا جواب واحد أن المسألة في الصورة غيرة على حرمات الله ولكنها في الحقيقة وواقع الأمر استجابة لرعونات النفس واستجابة للهاجس النفسي والمزاج النفسي اللذين يتحكمان في كثير مِنَ الأحيان بالناس.


هذه حقيقة. وصدق الله عز وجل القائل: ﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ﴾. أنا عندما أجلس في المجالس وأفتح باب الحديث على مصراعيه تمزيقاً لأعراض الناس وإيغالاً في الغيبة في حق فلان وفلان وفلان مِنَ الناس: فلان أخطأ، فلان روى حديثاً منكراً ونسبه إلى البخاري ومسلم، فلان يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنا عندما أقول هذا الكلام أعلم ما الذي يدفعني إلى هذا الكلام ولكني لا أعلن ذلك للآخرين، أنا أعلم أن هنالك غيظاً يتحكم في قلبي أريد أن أشفي غيظي هذا بهذا السلوك، أنا أعلم أن هنالك حقداً على طائفة مِنْ عباد الله عز وجل لأسباب نفسية، كيف السبيل إلى أن أُبرِدَ لظى هذا الحقد؟ هذه هي الطريقة، ربما لا يعلم الناس، وربما يغترون بظاهر قولي أنها غيرة على دين الله عز وجل ولكني أعلم ما الذي يدفعني إلى ذلك ﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ﴾.


يا عباد الله إنني أحذر نفسي وأحذركم وأحذر إخوة لنا يطيلون ألسنتهم في حق أناس لا نعلم عنهم إلا الصلاح ونحسب أنهم مِنْ أولياء الله عز وجل، ولا نتألَّى على الله سبحانه وتعالى، أحذر نفسي وأحذركم وأحذرهم مِنَ الاستمرار في هذا المنهج ومِنْ تجاهل كلام الله عز وجل "من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب" فإنَّ الذي يركب رأسه في السير على هذا الطريق مخالفاً أمر الله عز وجل، مستخفاً بتحذير الله عز وجل لابد أن يجد أمامه النتيجة التي لا يتوقعها، لابد أن يجد أمامه مقومات وأسباب الهلاك تتربص به ولابد أن يقع في سوء الخاتمة، ولقد شاهدنا ورأينا نماذج كثيرة تدل على هذا الذي أقوله لكم وإلا فما معنى إعلان الله الحرب على هؤلاء الناس، كم وكم رأينا أناساً إذا جلسوا في مجالسهم التي يجلسونها لم يطب لهم إلا أن يستحضروا سيرة فلان مِنَ الناس لينهشوا عرضه ولحمه غيبة باسم الدين، باسم الغيرة على دين الله عز وجل، ورأينا خواتيم حياتهم شيئاً تقشعر لها الجلود، هذه حقيقة.


فإما أن يهدي الله عز وجل هؤلاء الذين يسلكون هذه المسالك الخطرة، وأسأل الله لنا ولهم الهداية، وإما إن ظلوا راكبي رؤوسهم على هذا المنهج فإن عاقبة وخيمة تنتظرهم ولسوف يجعل الله عز وجل منهم عبرة لعباد الله الصالحين.


عباد الله عندما تحدثت قبل أسبوعين عن الفئة الأولى التي أعلن الله عز وجل الحرب عليها وهم الذين يستمرئون أكل الربا كان عليَّ أن أتحدث عن الفئة الثانية التي أعلى الله عز وجل أيضاً الحرب عليها، وأنا لا أعلم أن هنالك فئة ثالثة غير هاتين الفئتين.


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.


 

تحميل



تشغيل

صوتي