مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 15/04/2005

دلائل محبة النبي عليه الصلاة والسلام وثمراتُها

دلائل محبة النبي عليه الصلاة والسلام وثمراتُها


خطبة الإمام الشهيد البوطي


تاريخ الخطبة: 15/40/2005


 


الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك, سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلِّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد  صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.


أمّا بعدُ فيا عباد الله ..


إذا هبت الرياح في فصل الربيع على الحدائق والبساتين انبعث من ذلك عبق الرياحين والزهور وانتشرت من ذلك في النفوس نشوةٌ وأي نشوة، وكلكم يعلم هذا المعنى ويتبينه. كذلك في شهر ربيع الأنور عندما تهتاج رائحة ذكرى مولد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، تسري عبق هذه الذكرى، يسري عبقها نشوة في النفوس، ويسري عبقها طرباً في الرؤوس، وتهتاج من ذلك عوامل الشوق مجدداً إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.


وما من إنسانٍ عرف معنى رائحة الورود والزهور والرياحين وتمتع بفطرة النشوة عندما يشم رائحتها إلا وكان له إلى جانب ذلك فطرة الشوق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفطرة الحنين إليه وفطرة الحب المنطوي له بين جوانحه، وإذا مرت رياح هذه الذكرى تحركت المشاعر واهتاج الحب الذي ربما كان راكدا وانتشرت من ذلك في النفس عوامل الشوق إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.


وهذا أمرٌ فطري كما أقول لكم بل هو جزء لا يتجزأ من إيمان الإنسان بالله عز وجل والإيمان بالله فطرة مودعة في النفوس قبل أن تكون علماً تتلقاه الرؤوس، وكلكم يعلم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: )لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ماله وولده ونفسه التي بين جنبيه[ قالها تبليغاً عن الله جل جلاله ولم يقلها أنانية واعتزازاً بنفسه ــــ معاذ الله.


فلينظر الإنسان الذي يريد أن يتبين مدى صدق إيمانه بالله عز وجل إلى خبيئة نفسه وليفتش عن مكان محبته لله عز وجل بين جوانحه، فإذا رأى أنه يتمتع بهذا الحب وأنه في مثل هذه المناسبة عندما تهتاج رياح ذكرى مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر من كل عام، تستيقظ مشاعر حبه وتستيقظ مشاعر حنينه وشوقه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فليطمئن أنه يتمتع بالإيمان بالله عز وجل، وليطمئن أن إيمانه بالله سبحانه وتعالى سيحقق له السعادة العاجلة والعقبى.


وأحب أن ألفت نظركم إلى وهمٍ قد يقع كثير من الناس، بل يتصيده كثير من المنافقين إذ يقول أحدهم: إن حب العبد لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتمثل إلا في تنفيذ أوامره واتباع هديه وسنته.


هذا الكلام الذي هو في ظاهره أشبه بالصواب كلامٌ باطلٌ أيها الإخوة، ولو كان مجرد اتباع الإنسان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مظهر حبه له إذاً لكان المنافقون كالمؤمنين الصادقين محبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم سواءً بسواء، لأن الجامع المشترك بين المنافقين وبين المؤمنين الصادقين هو الاتباع، وما سمي المنافق منافقاً إلا لأنه يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يصلي إذا صلى ويحضر مجالسه ويؤدي الأوامر التي يبلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها، ومع ذلك فإن فؤاد المنافق خالٍ وهاو من حب رسول الله صلى الله عليه وسلم.


حب العبد المؤمن لرسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يسوقه إلى الامتثال وهو المحرك والمهيج بين جوانحه للسير على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يوجد هذا الحب فبأي دافعٍ سيتحقق الاتباع أيها الإخوة؟


في هذا الشهر المبارك عندما تهب رياح هذه الذكرى العزيزة علينا فتحرك في وجدان المؤمن مشاعر حبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتنشر في نفسه عبق حنينه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينبغي لكل منا أن يقارن بينه وبين أي واحدٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ليرجع فليسائل نفسه عن حظه من السير على صراط المصطفى صلى الله عليه وسلم، بل يسائل نفسه عن حظه الحقيقي من مدى محبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم. عندما تقف أمام قصة رجل كخبيب بن عدي وقد أتي به غدرا ليقتل في مكة ثأراً لبعض قتلى المشركين في غزوة بدر، وعندما يُحمل ويُوثق بالصليب الذي وُضع له، صُلب قبل أن يُقتل ثم يأتي من يبضعه قطعة قطعة ويقول له وجسمه يُبضع وينزف: أتحب يا خبيب أنك آمنٌ في أهلك وأولادك ومحمد في مكانك الساعة؟ فيقول خبيب وهو يبضع ويُقطع: والله ما أحب أن أكون في أهلي وأولادي وإن محمداً ليُشاك بشوكة.


سلوا أنفسكم أيها الإخوة وقارنوا بين حب أولئك الناس ذلك الرعيل الأول للمصطفى صلى الله عليه وسلم وحبنا نحن له. صحيحٌ أن هنالك عاملاً هيج بين جوانح ذلك الرعيل الأول المزيد والمزيد من الحب للمصطفى ألا وهو عامل رؤيتهم له وجلوسهم إليه، أما نحن فلم تكتحل أعيننا كما تعلمون برؤيته صحيح أن ذلك عاملٌ لم نتمتع به نحن، ولكن هنالك عاملٌ آخر يقتضي أن نزداد اشتياقاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقتضي إن لم نكن أكثر حباً للمصطفى صلى الله عليه وسلم منهم، فما ينبغي أن يكون حبنا أقل من حبهم له ألا وهو عامل بعدنا عنه صلى الله عليه وسلم، ومن شأنه أن يُهيج الشوق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، المحب الذي يجلس إلى محبوبه يراه صباح مساء من المفترض أن تكون حرارة اشتياقه إليه أقل من المحب البعيد عن محبوبه الذي لم يتأتى أن يجلس إليه ولا أن يراه، أليس كذلك؟ لا سيما وقد تشوق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إخوانه الذين لم يرهم والذين سيأتون من بعد كما قال، أما ينبغي أن يكون في هذا ما يهيج مزيداً ومزيداً من شوقنا نحن إلى المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟


في هذه المناسبة التي تُطل علينا خلال كل عام، في هذه المناسبة التي تخب فيها رياح ذكرى مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنشر عبق الحنين والحب له في فؤاد كل إنسانٍ غُرس في قلبه شيء من حب المصطفى صلى الله عليه وسلم، غُرس في قلبه شيء من تعظيمه، من الشوق إليه، ينبغي أن نبحث أيضا عن برهان زعمنا لمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.


أنا أفرق بين مكمن الحب وبين ثمرات الحب، أما مكمن الحب فهو القلب ولا شك، هي المشاعر ولا ريب، وأما ثمرات الحب فهو الالتزام بنهج المصطفى صلى الله عليه وسلم والسير على هديه وتنفيذ وصاياه وأوامره، أليس كذلك؟ أنا لا أستطيع دعوى محبة العبد لرسول الله أياً كان هذا العبد لأن الله عز وجل قد صاغ رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم صياغةً تقتضي أن تتعشقه الإنسانية أياً كان القالب الذي صُبت فيه هذه الإنسانية، أجل، ولكن كثير ما يكون الإنسان محبا ًولكن سلوكه يتقاعص عن التناغم مع حبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم.


عودوا إلى نفوسكم هذه ولسوف تجدونها تنطوي على قدرٍ من الحب للمصطفى صلى الله عليه وسلم، ثم عودوا إلى سلوككم وإلى واقع حياتكم وتساءلوا عن مدى الانسجام بين الحب الذي تكنونه لحبيبكم المصطفى صلى الله عليه وسلم وبين السلوك الذي تعرفونه لأنفسكم، فإن رأيتم التطابق فاشكروا الله عز وجل على ذلك، وإن رأيتم التقصير وهذا ما أراه وأشعره في نفسي فاسألوا الله سبحانه وتعالى أن يوفقكم ويجنبكم نتائج هذا التقصير وعواقبه الوبيلة، إن رأيتم أن النفس وأن شياطين الإنس والجن تقطع الطريق وتجعله ذا أخاديد وذا تضاريس تمنعكم من مواصلة السير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فالتجؤا إلى الله عز وجل وثابروا على الدعاء الواجف في الأوقات الخاصة في البكور والآصال، ثم توجوا اتجاهكم هذا بالإكثار من الصلاة على رسول الله، بالإكثار من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. صلاة الإنسان على رسول الله صلى الله عليه وسلم مطلوبة في كل وقت، ولكن النفس تتشوق إلى مزيدٍ من هذا الذي أمرنا به الله عز وجل عندما تهب رائحة هذه الذكرى في مثل هذا الشهر المبارك أيها الإخوة.


كلكم يقرأ قول الله سبحانه وتعالى: )إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[ من ضاقت به السبل وأراد أن يكون أكثر قرباً من الله ورسوله ولم يتأتى له ذلك فليستعن على تيسير هذا الأمر بالإكثار من الصلاة على رسول الله، ومن أطبقت عليه الهموم وتكاثرت عليه الغموم فليكثر من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم يجد الفرج القريب، ومن وجد أن الدنيا هي التي تشغله وأن المصير الذي هو آيلٌ إليه بعيدٌ عن شكله وبعيد عن تصوره وأهدافه فليكثر من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.


الالتجاء إلى الله بالدعاء كفة والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم كفة أخرى، وانظروا في هذا والأحاديث عن فضل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة ومتواترة كما قالوا تواتر معنوياً، ولكن حسبكم من ذلك هذا الذي يرويه الإمام أحمد والترمذي والحاكم في مستدركه من حديث أبي بن كعب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفاق بعد ربع الليل قال: )"أيها الناس اذكروا الله، أيها الناس اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه" سمعت رسول الله يقول هذا. فقلت له: يا رسول الله إني أكثر من الصلاة فكم أجعل من صلاتي لك أي من صلاتي عليك؟ قال "ما شئت" قال: الربع  قال "ما شئت وإن زدت فذلك خير لك" قال فالثلث؟ قال: "ما شئت وإن شئت فذلك خير لك" قال فالنصف؟ قال: "إن شئت وإن زدت فذلك خيرٌ لك" قال فلسوف أجعل صلاتي لك كلها، أي أحبس وقتي كله بعد أداء الفرائض للصلاة عليك قال: "إذاً يُكشف همك ويزول غمك ويغفر الله سبحانه وتعالى لك"[.


أيها الإخوة إن رأيتم من يثير الشغب في رؤوسكم حول أهمية ذكرى حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم وحول ضرورة الاحتفاء بها والاحتفال لها وتجديد العهد في هذه المناسبة مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا تناقشوا ولا تجادلوا وبوسعكم أن تتبينوا مقياساً يدلكم ببصيرة واضحة على أن هؤلاء المشاغبين وهؤلاء المجادلين فقراء في حبهم لرسول الله، لا تنطوي أفئدتهم على شيء من هذا الحنين الذي نتحدث عنه، والدليل على هذا أنكم إن لاحظتم حال واحدٍ منهم لن تجدوا لسانه يتحرك في صباحٍ أو مساءٍ أو في أي ساعة من ليل أو نهار بكثير صلاة على رسول الله، ولم تجدوا هذا الإنسان ذا اهتمام بمجالس الذكر أو ذا اهتمامٍ بأن يأخذ نفسه بوردٍ من أوراد ذكر الله عز وجل من استغفار أو تهليل أو تسبيح أو نحو ذلك، ولسوف تنظر إلى حال واحد من هؤلاء فتجد أن قلبه يعاني من قسوة ما مثلها قسوة، لا تهمي من عينيه الدموع ولا يعرف معنى الخشوع، وإذا بكى الباكون في مجلس من المجالس وارتفعت الأكف بالتجاء وانكسار إلى الله نظر إليهم يميناً وشمالاً وكأنه سائح يجوب بلدة غريبة عنه، إذا رأيتم هذه الظاهرة عرفتم عرفتم الخلفيات ومن ثم استغنيتم عن النقاش والجدل.


أقول قولي هذا وأسأل الله عز وجل أن يزيدنا حباً لرسولنا المصطفى صلى الله عليه وسلم وأن يتوج حبنا له بالسير على نهجه وعلى الالتزام بهديه.


تحميل



تشغيل

صوتي