مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 18/03/2005

المنهج النبوي في مواجهة الشدائد والأزمات

المنهج النبوي في مواجهة الشدائد والأزمات


رسالة الإمام البوطي للشعب والمسؤولين


تاريخ الخطبة: 18/03/2005


 


الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك, سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلِّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد  صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.


أمّا بعدُ فيا عباد الله ..


لقد كان من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إذا ألمت به وبأصحابه شدة أو محنة اتخذ سائر الأسباب المادية المختلفة لدرئ هذه الشدة والتغلب عليها، حتى إذا استنفذ الأسباب المادية المختلفة وجندها لهذا الأمر تناسى الأسباب وأعرض عنها والتجئ  إلى الله سبحانه وتعالى بالتضرع والدعاء.


هكذا كان شأنه يوم ألمت به محنة العمل على قتله أو طرده من مكة؛ يوم أمره الله بالهجرة، اتخذ سائر الأسباب وجند سائر العدد لخروجه من مكة إلى المدينة متخفياً، حتى إذا استنفذ هذه الأسباب كلها تناساها وراح يلتجئ إلى الله عز وجل بالضراعة والدعاء، كان في طريقه من مكة إلى المدينة لا يفتأ يتلو كتاب الله سبحانه وتعالى ويلتجئ إليه بالضراعة.


كان هذا شأنه يوم بدر، يوم أُحيط به، اتخذ الأسباب التي تمكن من اتخاذها، حتى إذا لم يقصر في شيء منها تناساها وبات ليلته تلك ليلة الجمعة يجأر إلى الله عز وجل بالتضرع والدعاء كما تعلمون.


وكان ذلك شأنه يوم غزوة الأحزاب، اتخذ العدد كلها وخرج هو وأصحابه يحفرون الخندق حول المدينة المنورة ولم يُقصروا في اتخاذ هذه الوسائل قط، حتى إذا استنفذها حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم تناساها وأخذ يجأر إلى الله عز وجل بالدعاء والاستغاثة والالتجاء طوال ليالي الخندق، لم تكن ترقد له عين، كان يبكي ويتضرع ويسأل الله عز وجل النصر وهكذا كان شأنه.


كان المصطفى صلى الله عليه وسلم في هذا منسجماً مع سنة رب العالمين في عباده التي يبينها لنا مؤكدة ومكررة في مثل قوله عز وجل: )وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ[. كان عمله صلى الله عليه وسلم خضوعاً لهذه السنة بل لهذا الأمر الرباني الذي كان يقرأه في مثل قوله سبحانه وتعالى: )ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ[. وفي مثل قوله: )وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ[، وكان رب العالمين ينجده ويستجيب لدعائه وتضرعه.


هذا هو شأن حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، وذلك هو قرار الله الذي نتلوه في كتابه وتبيانه، وما أشبه الليلة أيها الإخوة بالبارحة، المحن التي كانت تدور رحاها على حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم وأصحابه هي اليوم تدور علينا نحن أيضاً كما تعلمون وكما تشهدون، ولأمرٍ ما يشاء الله سبحانه وتعالى أن تكون هذه البلدة بالذات أكثر تعرضاً للشدائد والمحن. ما الحكمة؟ حديث ذلك يطول ولسنا بصدده الآن، ولكن فلتعلموا أيها الإخوة أن هذه الشدائد التي تتجه إلى بلدتنا هذه أكثر من أي بلدةٍ أخرى؛ ظاهرها أنها آتيةٌ من لدن طاغيةٌ من طواغي أمريكا، ولكن الحقيقة أنها جزءٌ من سنة رب العالمين القائل: )وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ[ لماذا يا رب؟ )لعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ[.


هذه هي الحقيقة أيها الإخوة يشاء الله عز وجل أن يوقظنا إلى واجبنا، واجبنا الذي رقدنا عن التعامل معه، عن القيام بشأنه، واجب العبودية، نحن نحرك ألستنا دائماً بأننا عبيدٌ لله وإذا وقفنا في الصلاة قلنا )إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين[، ولكننا بعيدون عن مصداق هذا الكلام بعيدون عن مصداق هذه الدعوة، من أقر بالعبودية لله كان عليه أن يكثر التضرع على أعتاب الله سبحانه وتعالى، فإن انتهى عن هذا الواجب ونسي ثمرة العبودية إذ تكون تضرعاً وتبتلاً والتجاءً إلى الله عز وجل لابد أن يقوده الله إلى محراب هذا التبتل بعصي الابتلاءات، بعصي الضغوط التي تأتي في الظاهر من هنا وهناك وهي في الواقع ابتلاءٌ من رب السموات والأراضين من أجل أن نلتجئ إلى الله، نحن أم رسولنا المجتبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟


وإنكم لتلاحظون أيها الإخوة أن هذه البلدة ينالها من هذه المحن ما لم ينل أي بلدة أخرى، ولعلكم تعجبون ولا عجب من أن تسمعوا اليوم أن طاغية أمريكا يهدد الذين أعلنوا موالاتهم لهذه البلدة في لبنان، يهددهم في أموالهم، يهددهم في حقوقهم والجريمة أنهم يعلنون عن موالاتهم لهذه البلدة. هذه المحنة، هذه الشدة ما ينبغي أن ننظر إليها نظرة سطحية عجلاء اخترقوا الصورة وتجاوزوها إلى الحقيقة التي تضعكم أمام سنة رب العالمين في عباده التي حققها في الأمم السابقة ولابد أن تتحقق في هذه الأمة أيضاً )وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[.


نعوذ بالله من أن نكون من أولئك الذين قست قلوبهم وأيقظنا الله إلى واجب التضرع ولكننا لم نستيقظ، أقول هذا الكلام لألفت نظري وأنظاركم وإخوانكم جميعاً إلى ضرورة التعامل مع سنة رب العالمين سبحانه وتعالى، نتوب إلى الله أولاً ونتضرع إليه ثانياً، هذه البلدة يمثلها شعب من أمثالكم، ويمثلها قادة يسوسون أمرها ويرعون شأنها، والواجب يُخاطب به كلا الفريقين:


أولاً أدعو نفسي وأدعوكم إلى توبة صادقة نصوح بين يدي الله عز وجل، كونوا حراساً على دين الله في بيوتكم، كونوا حراساً على الأخلاق الإسلامية التي شرفكم الله بها في أسركم، طهروا بيوتكم من اللغو الذي تسمعونه ومن الرجس الذي ترونه، طهروا بيوتكم من هذه النافذة التي يندلق إليها الشر ليل نهار وأنا لست ممن يحرم هذا الجهاز، ولكني أحرم استعمال هذا الجهاز فيما يفتت كيان هذه الأمة، وفيما يقضي على هذه الأمة.


ولعلكم تعلمون أن طغاة العالم لم يألوا جهدا ًفي أن يدخلوا الرجس تلو الرجس تلو الرجس من خلال هذه النافذة إلى بيوتنا، توبوا إلى الله، عودوا إلى الله سبحانه وتعالى وإذا تبتم وأنطقتم أهليكم وأولادكم بالتوبة الصادقة النصوح إلى الله، فاجأروا إلى الله بالتضرع كما كان يصنع حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم )لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ[ التجؤا إلى الله تضرعوا إليه في البكور والآصال ببكاء بانكسار بتذلل، هذا واجب الأمة المتمثلة في شعبها.


أما القيادة، فإني لأرجو والله قادر أن يبلغ كلامي أسماع هؤلاء القادة الذين شاء الله أن تكون سياسة هذه البلدة بأيديهم، أقولها لهم من منطلق حب، أقولها لهم من منطلق شفقة، أقولها لهم كما أقول لنفسي وكما أقول لكل واحد منكم، أيها الناس أيها الإخوة الذي جعل الله أمر هذه الأمة منوطاً بأيديكم، آن لكم أن تؤبوا إلى الله آن لكم أن تتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى، آن لكم أن تصطلحوا مع الله عز وجل نعم اتخاذ الأسباب والوسائل أمرٌ ضروري وواجب وقد سبقكم إلى ذلك رسول الله، لم يقصر مرة واحدة في جمع العدد والوسائل من أجل درء شدة ومحنة، كل ذلك مهم لكن اتخاذ الوسائل كلها لا يجدي فتيلاً إن لم يتوج ذلك بالالتجاء إلى الله، بالتوبة النصوح بالرجوع إلى الله عز وجل كما أن مجرد الالتجاء إلى الله عز وجل دون اتخاذ الأسباب ودون اتخاذ العدد أيضاً لا يجدي، ولكن الله أمرنا أن نتأدب مع نظامه الكوني فنتخذ الأسباب كلها كما أمرنا أن نحقق عبوديتنا لله عز وجل بالالتجاء الدائم إليه.


أقول لإخواننا الذين جعل الله أمر هذه الأمة بأيديهم: الأمر بسيط والحل قريب والمفتاح بأيديكم، المفتاح يدار عن طريق ثلاثة وسائل: التوبة الصادقة إلى الله عز وجل، إصلاح الفساد الذي لا يرضى الله عز وجل عنه في كل المرافق وعلى كل المستويات، في المعسكرات، في المرافق المختلفة وهذا هو الأمر الثاني.


أما الأمر الثالث: فهو التجلبب بجلباب العبودية لله عز وجل، التذلل والتضرع كما كان يفعل حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، خيرة الله من خلقه، خيرة الله من خلقه يقف ليلة كاملة يجأر إلى الله بالشكوى يبسط كفيه إلى السماء وقد سقط رداؤه يستتنزل النصر من عند الله عز وجل، ألستم يا قادة المسلمين أولا من حبيبكم المصطفى بهذا؟


حان أن نعود إلى الله حانت ساعة التوبة والاصطلاح مع الله عز وجل، افعلوا هذا وأنا الضامن والكفيل أن تنظروا وإذا بهذا الضغط قد ذاب كما تذوب فقاقيع الزبد الطافي على السيل.


القوة قوة الله، والمتحكم بالكون هو الله، والذي يسلط فئة على فئة هو الله. إذاً الملجأ هو من؟ الله سبحانه وتعالى.


ألم يحدثكم بيان الله عز وجل عن أولئك الثلاثة الذين خلفوا ارتكبوا شناعة لعلها كبيرة وهي التخلف عن ركب المصطفى صلى الله عليه وسلم في غزوة من الغزوات، ماذا كانت النتيجة؟ كيف تاب الله عز وجل عليهم؟ بالالتجاء إلى الله: )وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا[.


التجئوا إلى الله، تضرعوا إلى الله مهما كان الذنب كثيراً، مهما كانت المعصية جليلة خطيرة، توبوا إلى الله اطرقوا باب كرم الله وصفحه، وقولوا: لقد عدنا إليك يا رب العالمين قولوها، الضغط ليس آتيا من شرق أو غرب والله الذي لا إله إلا هو، الضغط آت من قيوم السموات والأرض ولكن لله جنود السموات والأرض، هذه كلمتي أقولها في أعقاب هذا الذي تسمعونه وتعرفونه، نصيحة أوجهها إلى نفسي وإليكم وأمثالكم أولاً وإلى قادة المسلمين في هذه البلدة ثانياً.ني تعبت وبذلت الجهد في هاهايييييس


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.    

تحميل



تشغيل

صوتي