مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 06/07/2007

ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم

تاريخ الخطبة : ‏الجمعة‏، 20‏ جمادى الثانية‏، 1428 الموافق ‏06‏/07‏/2007

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله رحمة إلى العالم كلِّهِ. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:


إن الله عز وجل أعلن في محكم تبيانه لعباده جميعاً أنه إنما خلق ما خلقه مِنَ المتع والنعم للإنسان لا على وجه التمليك له وإنما على وجه التمتيع به فقال عز مِنْ قائل: ”هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً“. وقد استظهر علماء الشريعة الإسلامية مِنْ هذا الإعلان الإلهي أن الأصل في الأشياء كلها الإباحة ثم إن التحريم يأتي عارضاً ولأسباب. ثم إن البيان الإلهي فَصَّلَ هذا الإعلان المجمل ووضع له قيده. قيداً جامعاً مانعاً، كما يقولون، يتضمن التفاصيل التي نقرأوها في المعاملات الشرعية أجمع وذلك عندما قال عز وجل في مكان آخر: ”ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً“. السبيل إلى التمتع بالنعم التي أغدقها الله عز وجل علينا وجعل مِنَ الأرض صندوقاً بل كنـزاً ومُدَّخَرَاً لها، السبيل إلى ذلك التعاون، وخير سبيل تعاوني إلى ذلك التجارة. ولكن هناك قيداً واحداً ينبغي التنبه إليه والعمل به والخضوع له ألا وهو التراضي؛ ”ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم“. ولاحظوا أن البيان الإلهي لم يقل: إلا عن رضاًً، وإنما قال إلا عن تراضٍ منكم. والرضا غير التراض. ربما كان التعامل التجاري بين اثنين قائماً على رضا طرف دون طرف، يُقال إنها تجارة قائمة على الرضا، لكنه غير التراضي الذي شرعه الله عز وجل. يشترط البيان الإلهي في التعاون الإنساني للاستفادة مِنْ ذُخْرِ الأرض وخيرِها أن يكون هنالك رضاً من الطرفين وهذا هو الذي جعل البيان الإلهي يقول: ”عن تراضٍ منكم“. هذا الذي ذكره بيان الله عز وجل جمع سائر التفاصيل التي نقرأوها في شريعة الله عز وجل في أحكام المعاملات المالية والتجارية. هذه الآية جمعت فأوعت: ”ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم“. لما قيد البيان الإلهي التجارة، بل التعاون الإنساني للاستفادة مِنْ ذُخْرِ الأرض وخيرها بالتراضي خرج كثير مِنْ أنواع المعاملات وشُطِبَ عليها لأن التراضي لا يتوافر فيها. قد يتحقق رضاً مِنْ طرف دون طرف ولكن الشرط هو التراضي. وكان في مقدمة المعاملات التي خرجت وشُطِبَ عليها بهذا القيد الربا. التعامل بالربا يتوفر فيه الرضا مِنْ جانب مَنْ يأخذ الفائدة، هو راضٍ، بل هو مسرور بهذا الذي يفعل ولكن هذا الرضى لا يتحقق بمعناه الحقيقي الكامل النفسي بالنسبة للطرف الآخر. الذي يأكل الربا شيءٌ طبيعيٌ أن يكون راضياً بما يأكله ويقتنصه أما ذاك الذي يُلْجَأ إلى المعاملات الربوية ويضطر إلى ذلك اضطراراً يتمتع بالرضا ظاهراً ولكن قلبه يتحرق مِنْ هذا الرضا الكاذب باطناً ومِنْ هنا حرم الله سبحانه وتعالى الربا وأنزل في ذلك ما أنزل مِنَ الآيات المهددة والمنذرة والمحذرة: ”الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون، يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم“ إلى أن قال: ”يا أيها الذي آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي مِنَ الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تَظْلِمون ولا تُظْلَمون“. هل تتعارض هذه الآيات التي حرم الله فيها الربا مع قوله تعالى: ”ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم“؟ في الناس مَنْ ظن أن هنالك تعارض. قالوا: المترابيان راضيان بهذا التعامل ولقد نص البيان الإلهي أن التجارة التي تكون عن تراضٍ لا حظر فيها. مَنْ قال هذا؟! الحقيقة ليست كذلك. عندما يجتمع الطرفان على عملية ربوية فالطرف الواحد منهما فقط هو الراضي حقيقة أما الثاني فهو راضٍ في الظاهر ولكن الذي ألجأه إلى الرضا الظاهري إنما هي الضرورة، الذي ألجأه إلى أن يتعامل فعلاً وكأنه راضٍ بما يفعل، الذي ألجأه إلى ذلك الضرورة التي تعرفون. ومِنْ فإن الرضا موجود متجلياً في طرف واحد أما التراضي الذي شرعه الله سبحانه وتعالى فغير موجود. ونحن نلاحظ يا عباد الله مصداق النذير الذي هدَّدَنا به بيان الله عز وجل وحذرنا منه. ما أصاب المسلمين ما أصابهم مِنْ ذُلٍّ وهوان ومِنْ شلل في قدراتهم الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية إلا لأنهم خالفوا أمر الله سبحانه وتعالى في هذا الذي حذرهم منه أيما تحذير”اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين“ ثم قال: ”فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله“. هذه هي الحرب التي نراها، أن تتحكم الصهاينة بنا، أن تتحكم الخطط الماكرة بالمسلمين وأن تنظر فتجد أنهم مهما تحركوا هنا وهناك اقتصادياً لا يتأتي منهم شيءٌ لأن أخطبوط الربا شَلَّ فاعليتهم. وهذا الأخطبوط في الظاهر أتى مِنْ أناس مِنْ أمثالنا لكنه الإنذار الرباني الذي حاق بنا. أقول هذا يا عباد الله بين يدي هذه النعمة الإلهية التي تجلى الله عز وجل بها علينا فأوعز إلى كثير مِنَ المسلمين، قادةً وشعوباً أن يبذلوا كل ما يملكون مِنْ وسائل التخلص مِنْ هذا الأخطبوط الذي حذرهم الله عز وجل منه. ها أنتم ترون ظاهرة تدل على رجعة إلى دين الله عز وجل، على أوبة إلى الله سبحانه وتعالى تتمثل في هذه المصارف التي تتزايد، هذه المصارف الإسلامية، أو التي تُسمى إسلامية. هذه المصارف التي تتزايد بل أصبح رشاشُها يصل حتى إلى البلاد الأوروبية البعيدة النائية. على ما تدل هذه الظاهرة؟ أرجوا ألا أكون مخطئاً إن قلت: إنها تدل على رجعة وأوبةٍ صادقة إلى الله سبحانه وتعالى وكأن لسان حال المسلمين يقول يا رب ها نحن نبذل كل ما نملك مِنْ جهد لنعود في معاملاتنا المالية إلى ما قد أمرت ولكي نصفيها عن شوائب الربا الذي حذرتنا منه. أمام هذه الظاهرة التي نحمد الله عليها ينبغي ألا تتوقعوا أن يسير المسلمون لتحقيق هذا الأمر الإلهي على أرض معبدة، لا تتوقعوا ذلك. لا تتوقعوا أن يسير العالم الإسلامي لتحقيق أمر الله وللتخلص مِنْ شوائب الربا في طريق معبد دون أي تعب ولا نصب ولا تضاريس تصدنا عن مواصلة الطريق. هنالك قوى كثيرة تحاول أن تصد المسلمين عن السعي إلى هذه الغاية بل هنالك قوى شرسة ألهب كيانَها الخوفُ مِنْ أن يتحرر المسلمون عن طريق هذا الهدف الذي يسعون إليه أن يتحرر المسلمون اقتصادياً وأن يُفْلَتُوا مِنْ أخطبوط الربا الصهيوني بل اليهودي العالمي ومِنْ ثَمَّ فهناك قوى كثيرة ذات ألوان متعددة تحاول أن تصد وترد وبأساليب شتى. هنالك مَنْ يُرْجِفون، يدخلون الريب والشكوك في أذهان المسلمين ليخيلوا إلى المسلمين أن هذه المساعي مساعٍ مخفقة وليست ناجحة وأن هذه المصارف التي تصطبغ بمظهر الإسلام ليست إسلامية إلا في مظهرها أما في الباطن فهي ذات المصارف الأخرى بكل ما فيها مِنْ محرمات ومفاسد. هنالك مَنْ يشتغل بطريقة الإرجاف وهم في الظاهر مسلمون، وهنالك مَنْ يضع العقبات ليصد العاملين عن الوصول إلى الغاية، هنالك سبل كثيرة ولكن، إذا صدق المسلمون وإذا التجأوا إلى الله عز وجل بصدق وفي مقدمتهم القادة وحكام الأمة فإن هذه العقبات لا تضر شيئاً وإن التضاريس التي في الطريق سرعان ما تتحطم، نعم. لكن المسألة تحتاج إلى كثرة الالتجاء إلى الله وإلى الصدق مع الله سبحانه وتعالى. الأمر أيها الإخوة ليس يسيراً. أن تتحول الخدمات المصرفية كلُّها،وجلُّها آت مِنَ الغرب، أن تتحول إلى مصارف إسلامية بل إلى خدمات إسلامية في ظاهرها وباطنها، في شكلها ومضمونها أمر عسير، ليس أمراً مستحيلاً ولكنه أمر عسير وعلماء الشريعة الإسلامية المخلصون لله عز وجل بوسعهم أن يُصَفُّوا هذه الخدمات مِنَ الشوائب شيئاً فشيئاً. ما ينبغي أن نستعجل الأمور، ما ينبغي إن نصغيَ السمع إلى مَنْ يقول ربما الصكوك هيَ هيَ والسندات والأسهم هيَ هيَ فإن صُبِغَتْ بصبغة الإسلام أو إن تعامل بها الناس كما كانوا يتعاملون في المصارف التقليدية لا فرق هم كاذبون، هم كاذبون. وأنا واحد مِمَّنْ يبذل الجهد الذي أمكنه الله عز وجل منه لنحيل هذه الخدمات إلى خادم لشريعة الله عز وجل، لنحيل هذه الأساليب التي كانت يوماً ما محشوة بالربا المحرم، بالغبن المحرم، بالغرر المحرم، نحاول أن نصفيها مِنَ الشوائب بحمد الله عز وجل. قد يحتاج الأمر إلى تجربة وربما نظرنا فوجدنا أن التجربة لم تكن دقيقة. نعيد التجربة ثم نعيد التجربة والطريق طويل ولكنه جهاد مِنْ أهم أنواع الجهاد اليوم في سبيل الله سبحانه وتعالى. أريد أن أصل مِنْ هذا الكلام إلى ألا نصغيَ السمع إلى المرجفين أولاً وما أكثرهم، هم مجندون وهم بين ظهرانينا. ثانياً ينبغي أن نعلم أن الله سبحانه وتعالى ما ترك أمراً في مصلحة لعباد الله إلا وشرع إليه طريقاً يمكن للمسلمين أن يصلوا إليه طبق منهجٍ عدلٍ وعن طريق التراضي بين الأطراف لا عن طريق الرضا مِنْ طرف واحد دون الطرف الآخر ولكن المسألة تحتاج أولاً إلى أن نعكف على دراسة شرع الله عز وجل. ثانياً الأمر يحتاج إلى الصدق مع الله. ثالثاً يحتاج الأمر إلى كثرة الالتجاء إلى الله. أما المسلمون الذين هم مسلمون في الظاهر ولكن دأبهم بسبب وظيفة كُلِّفُوا بها أن يصطادوا بالماء العكر، لا، بل أن يعكروا الماء الصافيَ ليصطادوا فيه فأحذركم منهم أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.


 

تحميل



تشغيل

صوتي