مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 29/04/2005

أهمية المرجعية عندما يَقِلُّ العلماء ويتصدر الجهال

أهمية المرجعية عندما يَقِلُّ العلماء ويتصدر الجهال


خطبة الإمام الشهيد البوطي


تاريخ الخطبة: 29/4/2005


 


الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئُ مَزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلالِ وجهك ولعظيم سلطانك, سبحانك اللّهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسِك، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأشهدُ أنّ سيّدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه وصفيّه وخليله خيرُ نبيٍ أرسلَه، أرسله اللهُ إلى العالم كلِّه بشيراً ونذيراً، اللّهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد  صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.


أمّا بعدُ ..


فقد روى الشيخان البخاري ومسلم والإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: )إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً، ينتزعه من العلماء ولكن يقبضه بقبض العلماء حتى إذ لم يبقي عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا[. هذا حديث من أصح الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.


ونحن أيها الإخوة نعيش في عصر يسير حثيثاً وبسرعة إلى هذه الحالة التي يصفها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. لا أقول إن العلم انتزع كله من العلماء، وإن العالم الإسلامي يفيض بالجهال المتعالمين فقط، ولكني لا أشك في أن عالمنا الإسلامي يسير حثيثاً إلى هذا المنحدر الذي يصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم.


كثرت الرؤوس الجاهلة، وكثر الذين يعتمدون عليها ويستفتونها فيفتيهم، وتقلص العلم وقل، وأصبحت الفئات الحاكمة في العالم الإسلامي والعربي تعتمد في أكثر الأحيان على هذه الرؤوس الجاهلة، ولكأنها تفتش عنها وتبحث عنها، لتضعها في موضع المسؤولية عن الدين ولتستنطقها بالفتاوى الشرعية الخطيرة المتنوعة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر من هذه العاقبة الوخيمة التي ستقع فيها الأمة في فترة من الفترات كما يقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.


المشكلات الكثيرة المتنوعة المختلقة تطرح في عالمنا العربي والإسلامي من أجل أن يُسأل عنها هؤلاء الجهال ومن أجل أن يُستفتوا في شأنها فيفتوا بها، مشكلات مختلقة لا وجود لها، ولكن القصد من اختلاقها أن تصبح أشبه ما تكون بالقنبلة الموقوتة تتفجر عن طريق الرؤوس الجاهلة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، تتفجر بالدمار على الشريعة الإسلامية ومن ثم ينظر العالم العربي والإسلامي إلى البقية الباقية من الأحكام الشرعية التي يتمسك بها المسلمون هنا وهناك، وإذا بها هي الأخرى قد تحولت إلى أثرٍ بعد عين.


كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم يُطبق بدقة في عصرنا اليوم والعلماء الذين صدقوا الله سبحانه وتعالى فيما تمسكوا به من علوم ومعارف يقلون ثم لا يزالون يقلون، والمجتمعات متمثلة في قياداتها لا تقيم لهم وزناً وإنما تقيم الوزن لهؤلاء الذين وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، الرؤوس الجاهلة. ألم يقل: )اتخذ الناس رؤوساً جهالاً؟[ وهكذا يتكاثر هؤلاء الجاهلون وتمتد ألسنتهم طويلة لتتحدث عن الإسلام ولتتحدث عن شرائع الله سبحانه وتعالى ولتتخبط في دين الله لا خبط عشوائياً خبط جاهل لا، بل خبط إنسان متقصد. هذا وصف دقيقٌ يبدؤه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقعٌ دقيق ينتهي إليه حال المسلمين في هذا العصر.


هنالك خططٌ رامية إلى القضاء على البقية الباقية من الالتزام بدين الله سبحانه وتعالى إن على الأصعدة الرسمية كالبقية الباقية المتعلقة بأحكام الأسرة وما يسمى بنظام الأحوال الشخصية، أو تلك التي تتمثل في السلوكات الشخصية الفردية التي تتمثل في الانقياد لأوامر الله سبحانه وتعالى والالتزام بالعبادات التي أمر بها، والابتعاد عن النواهي الشخصية الفردية التي حذر الله عز وجل منها.


الخطط الكثيرة التي تحاك في العالم الغربي - كما تعرفون – بليل، ترمي إلى اجتثاث هذه البقية الباقية من صلة هذه الأمة بإسلامها وبدينها. ما هي الطريقة التي يتم سلوكها إلى هذا الأمر؟ الطريقة الخبيثة التي يتم سلوكها إلى هذا هي الاعتماد على هذه الرؤوس الجاهلة التي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي لسوء حظنا ولحسن حظ المخططين ليست رؤوساً جاهلة فقط، بل هي رؤوسٌ باعت دينها وإسلامها، هي رؤوس عاهدت أصحاب الخطط في الظلام وبسطت أكفها إلى كثيرٍ من المسؤولين عن الدبلوماسيات الغربية في بلادنا العربية والإسلامية، هي رؤوس تتطرق بذل ومهانة أبواب هذه المؤسسات الدبلوماسية هنا وهناك، يقدمون إليهم خدماتهم ويعلنون بالطرق المفهمة والمفهومة أنهم مستعدون للتطوير وللتغيير وللتبديل حسب ما هو المطلوب، وهكذا تتجلى هذه الخطط بمعونة الرؤوس الجاهلة التي حلت محل العلماء الأثبات المخلصين لدينهم، الذين يتمتعون بالغيرة على شريعة الله سبحانه وتعالى وكتابه وسنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم.


وقادة هذه الأمة بين أمرين اثنين إن أحسنا الظن بهم نقول: إنهم حائرون؛ أهذه رؤوس جاهلة لا تعي وإنما تريد أن تقود هذه الأمة إلى أودية الهلاك والضلال؟ أم إنهم فعلاً علماء يتحدثون عن علم ويخلصون بالعمل والأنشطة التي يمارسونها، إن أحسنا الظن بقادة المسلمين قلنا ذلك لأنهم لا يعلمون الفرق بين العالم الثبت المخلص، وبين المتعالم الكاذب الفاجر. وأما إن أسأنا الظن وكثيراً ما يكون سوء الظن عصمة كما قالوا فإننا بوسعنا عندئذٍ أن نقول إنهم متناغمون منسجمون مع هذه الرؤوس الجاهلة، متفقون معهم في الغاية التي يسعون إليها ثم إن المسؤوليات تختلف والأدوار تتنوع، وأنا لا أحب أن أسارع إلى إساءة الظن ولعل الاحتمال الأول هو الأرجح.


المهم أيها الإخوة أن هنالك خططاً راميةً إلى اجتثثاث البقية الباقية من دين الله عز وجل في مجتمعاتكم الإسلامية والعربية، المتمثلة أكثر ما تتمثل في قانون الأحوال الشخصية ثم في السلوكات الإسلامية الفردية التي ترعاها الدولة بطريقة ما. الهدف اجتثاث هذه البقية، والهدف البعيد من وراء ذلك نسف الأسرة الإسلامية وإحالتها إلى حطام وتحويل الأسرة الإسلامية في المجتمعات العربية والإسلامية إلى مثل ما حالت إليه الأسرة الغربية اليوم، وكلكم يعلم حال الأسرة الغربية اليوم، وكلكم يعلم أن الصداقة قد حلت محل الزواج بنسبة ثمانين ـــ لا أقول سبعين ـــ بالمئة في كثير من البقاع الغربية لا سيما أمريكا، وأنتم تعلمون أن اللقطاء من الأطفال ذكوراً وإناثاً هو السواد الأعظم للجيل الصاعد اليوم، وأنتم تعلمون أن الشرود الذي يتكاثر بين سمع العالم الغربي وبين بصره والذي لا تحتضنه إلا ساحات المخدرات وساحات الإنحرافات المتنوعة المختلفة هي التيار المسيطر والمهيمن اليوم في العالم الغربي.


أصحاب هذه الخطط يحقدون على إسلامكم ويحقدون على الأسرة الإسلامية كيف لا تزال كالطود الشامخ، لا تزال تحتضن الإنسانية المتمثلة في العلاقات الأسرية المتمثلة بين الزوجين والأولاد ومن ثم فالهدف يرمي إلى نسف هذه الأسرة الإسلامية من مجتمعاتكم الإسلامية والطرق إلى ذلك كثيرة: حقوق المرأة، القضاء على التمييز بين الرجل والمرأة، حقوق الطفل، إلى آخر ما يمكن أن تسمعوه من الأمور، وهنالك مشروعات تفد إلينا ويتم الضغط على الدول العربية والإسلامية للأخذ بها وللتوقيع عليها.


ونحن أيها الإخوة صحيحٌ أننا ننتمي إلى العالم الثاني أو الثالث ونحن أمةٌ بالتعبير الدبلوماسي وبالتعبير الحقيقي متخلفة، ولكن لنا جانب وضيء ولله الحمد هذا الجانب الوضيء هو أن هذا المجتمع الإسلامي لا يزال متماسكاً وأن الأسرة وأخص الحديث عن الأسرة، الأسرة في المجتمعات الإسلامية التي لا تزال على العهد ولا تزال تطبق الكثير من أوامر الله عز وجل، هي مضرب المثل في حقيقة الأسرة الإنسانية الفاضلة وآثارها الحضارية الكبرى. أليس من الواجبات الدينية والإنسانية والقومية والدينية والوطنية أن نمزق بكل الوسائل هذه الخطط الرامية إلى نسف البقية الباقية من إسلامكم أيها الإخوة؟


إن شئتم أن تركزوا على وتر الدين أقول هو واجب ديني، وإن كان هنالك من يركز على الدافع القومي أقول هو واجب قومي، وإن كان هنالك من يركز على الواجب الوطني أقول هو واجب وطني. نحن لسنا إرهابيين ونحن لا نصطاد بالماء العكر، نحن نريد أن نخلص لله عز وجل في هذا الدين الذي شرفنا به ونحن نريد أن نكون حراساً أمناء لبنيان الأسرة الإنسانية الفاضلة وليست الأسرة الإنسانية الفاضلة إلا تلك التي تحتضن أوامر الله وتتبنى شرائع الله سبحانه وتعالى.


حسناً كأن كثيرا ًمن المسلمين بل كثير من قياديي المسلمين يتسائلون فما الطريقة المثلى إلى حماية مجتمعاتنا من هذه الخطط الرامية إلى هذا الهدف؟


ها نحن نسأل العلماء وتأتينا الإجابات المختلفة المتنوعة منهم والكثير منهم يؤيد فأنا لنا أن ندرك الحق من الباطل؟ هذه معذرة يرددها كثير من المسؤولين أيها الإخوة ولربما كانوا صادقين فيها. نحن بحيرة نسأل فلاناً فيقول لا بأس، والآخر فيردد الجواب ذاته.


الجواب أيها الإخوة هو أننا كنا ولا نزال نطالب بأن يكون هنالك مجلسٌ إسلاميٌ أعلى يشكل المرجعية الواحدة لدين الله سبحانه وتعالى في هذه البلدة، أنا لا أستطيع أن أتحدث باسم العالم العربي ولا باسم الجامعة العربية، عندما أتحدث عن هذا فلا شك أنني أجدني أقف أمام قبر أمام قبرٍ لا حراك فيه، الجامعة العربية! رحم الله أياماً كان لهذا الاسم مسمى. في هذه الحالة لا أستطيع إلا أن أتحدث عن نفسي وأتحدث عن بلدتي هذه التي لا تزال ولله الحمد تتمتع بعنفوان ديني مشرف والتي لا تزال ترفع الرأس عالياً بالتمسك بالبقية الباقية من هذه المبادئ والقيم التي شرفنا الله سبحانه وتعالى بها.


عندما يعتذر المسؤولون أنهم لا يعلمون المرجع الذي ينبغي أن يعودوا فيه إلى الاستفتاء وإلى فهم المبادئ الإسلامية الراشدة أقول أوجدوا المجلس الإسلامي الأعلى في هذه البلدة واجعلوا منه المرجع الأول وعندئذٍ لابد أن تصمت الأفواه الأخرى كلها وإن تكلمت فلسوف لن يعير أحدٌ كلامها أي أذنٌ صاغية. كنا ولا نزال نذكر ونطالب بهذا الذي ينبغي أن يتم. لماذا توجد مرجعية، لا أقول مرجعيات، مرجعية بالنسبة للأديان الأخرى لماذا؟ ألسنا أولى أن نكون هذه المرجعية؟ ونحن الآن متفتتون متخالفون.


كنت أتمنى لو أن الأزهر صاغ للعالم العربي مرجعية واحد إذاً لطأطأنا الرأس لهذه المرجعية، ولكن الأزهر وقع في المشكلة ذاتها أجل وأصبح شيخها تابعاً لهذه الخطط التي حدثتكم عنها.


كنت أتمنى أن تكون للجامعة العربية رحم الله أيام وجودها مرجعية تعود بها إلى العالم العربي كله إذاً لاتخذنا من هذا المجلس الإسلامي الأعلى مرجعاً لنا، لكن العالم العربي تحول إلى فتات، تحول إلى فئاتٍ متهارجة متخاصمة كما تعرفون، وفي هذه الحالة لابد لكل بلدة أن تعنى بشأن ذاتها، لابد لكل بلدة أن تكون هي المسؤولة عن ذاتها وأنا أتحدث عن هذه البلدة، عن شامنا التي تتجه الخطط الكائدة والخطط المهدمة إليها قبل غيرها، أتحدث عن شامنا هذه التي تعاني من الضغوط كما تعلمون أشكالاً وألواناً ولعلكم تعلمون السر في ذلك.


أتحدث عن شامنا هذه يجب أن تكون لها مرجعية أيها الإخوة وينبغي أن تتمثل هذه المرجعية في مجلسٍ إسلاميٍ أعلى يمتص كل فقاقيع الآراء المنحرفة الشاردة التي يرقص أصحابها من أجل تقديم يد العون لأصحاب هذه الخطط كما قد حدثتكم وذكرت لكم.


نحن نعاني اليوم من مصيرٍ بيننا وبينه خطوات هو المصير الذي حدثنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم هنالك بقية من العلماء المخلصين الصادقين ما أيسر أن تتكون منهم هذه المرجعية.


أسأل الله سبحانه وتعالى أن يحمي بلدنا هذا وأن يحمي الأسرة الإسلامية لاسيما في هذه البلدة مما يراد لها أيها الإخوة وإذا أراد أن يطيل أحد لسانه في الثناء على هذه الخطط الآتية من الغرب إلينا، وإذا أراد أن يدافع عن ذلك فليخرسه بكلمة واحدة وليقل انظر إلى الأسرة الإنسانية في سوريا ثم انظر إلى الأسرة الإنسانية في البلاد التي تأتينا منها هذه الخطط. فمن أراد أن نكون جنوداً لتنفيذ هذه الخطط فليقل نحن نريد وبكل صراحة أن ننسف هذه الأسرة الإسلامية الإنسانية التي نتباهى بها في شامنا ونريد أن نصبح كتلك الفئات كتلك الجماعات التي تتناثر بين سمع الشقاء وبصره وطبعاً لا يمكن لعاقل أن يعلن عن هذا حتى الإنسان الذي قد أخضع نفسه للتبعية المهينة يقر بهذا في سويداء قلبه ولكنه يتلجلج عن النطق بذلك بلسانه  


أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.    


 


تحميل



تشغيل

صوتي