مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 30/11/2012

الإسلام يخنق اليوم بحبله ويحارب بسلاحه

تاريخ الخطبة

‏‏‏الجمعة‏، 16‏ محرم‏، 1434 الموافق ‏30‏/11‏/2012‏

الإسلام يخنق اليوم بحبله ويحارب بسلاحه

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:

إن العامل الخفي الذي فتح قلوب الناس للإسلام وحببه إليهم إنما هو اللطف الساري في شرائعه والرحمة النابضة في تعاليمه ومبادئه، ولقد بَيَّنَ لنا دستور الإسلام - وهو كتاب الله سبحانه وتعالى المنزل إلينا عن طريق نبيه وحبيبه محمد المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم - نتبين ذلك كله في هذا الدستور، تعالوا فتأملوا في بعض من النصوص التي تجسد هذا العامل الخفي. يقول الله عز وجل واصفاً النخبة الصادقة من عباده مع دين الله عز وجل:

(وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً) [الفرقان: 63].

ويقول الله سبحانه وتعالى عنهم أيضاً:

(وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) [القصص: 55]

ويقول أيضاً في رسم هذا الدستور:

(وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [فصلت: 34 - 35]

ويتحدث عن هذا الدستور أيضاً الذي يمثل هذا العامل الخفي في انجذاب قلوب الناس إلى الإسلام، يقول لرسوله المصطفى:

(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران: 159]

ويحذر البيان الإلهي في دستوره هذا من الإفساد في الأرض بعد الإصلاح الذي حققه لهم قائلاً:

(وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً) [الأعراف: 56]

ويؤكد قائلاً:

(وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [القصص: 77].

هذا هو الدستور للحقيقة التي تمثل العامل الخفي الذي جعل الناس في مشارق الأرض ومغاربها ينجذبون بالحب طوعاً إلى هذا الدين العظيم. تعالوا نتبين يا عباد الله هذا الدستور ممثلاً بل مجسداً في سيرة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، تعالوا نستعرض بعض المشاهد بسرعة في حياة رسول الله التي تجسد هذا الدستور، بل هذا العامل الخفي.

هاجر رسول الله إلى الطائف آملاً أن يجد لديهم آذاناً صاغية تصغي إلى دعوته ولكنهم أخرجوه من الطائف طريداً وألحقوا به حجارتهم وسفهاءهم كما تعلمون فماذا كانت ردة الفعل لدى حبيب الله صلى الله عليه وسلم؟ دعا لهم بالهداية ولم يحرك لسانه في يومٍ ما بالدعاء عليهم ولم يضمر في نفسه الانتقام منهم.

هاجر إلى المدينة وأقبل إليه وفدٌ من نصارى نجران فاستقبلهم خير استقبال وأكرم وفادتهم وأنزلهم ضيوفاً أعزاء في مسجده وأَذِنَ لهم أن يمارسوا عباداتهم وصلواتهم مع صلبانهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ودَّعهم بالحفاوة ذاتها التي استقبلهم بها ولم يكن له منهم إلا الحوار والنصيحة المضمخة بعبق الود وبعبق الغَيرة والتقدير.

في عوده صلى الله عليه وسلم من سفرة من سفراته مع ثلة كبيرة من أصحابه استراح تحت فيء شجرة وعلَّقَ سيفه بغصن من أغصانها وتمدد نائماً وإذا بأعرابي مشرك رآه فعرفه، أسرع إليه فامتشق سيف رسول الله وأيقظ المصطفى من رقاده - والسيف مصلت على رسول الله - قائلاً له: من ينجيك مني يا محمد، قال محمد صلى الله عليه وسلم: (الله ينجيني منك)، سرت رعدة عجيبة في قلب الأعرابي من هذه الكلمة لم يستطع خلالها أن يواصل الإمساك بسيف رسول الله، وقع السيف من يده وجلس خائفاً موقناً بالهلاك، عفى عنه رسول الله وأشهد أصحابه الذين كانوا من حوله على ذلك، عاد الأعرابي المشرك يقول لإخوانه ذوي قبيلته: جئتكم من عند خير الناس.

فتح الله عز وجل على يديه مكة ودخلها من أعلى قمم النصر ونظر إلى المشركين الذين طردوه من مكة وآذوه وخططوا لقتله، نظر إليهم قائلاً: (ما ظنكم بي) قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: (اذهبوا فأنتم الطلقاء).

هذه هي صورة الدستور الذي تلوت جانباً منه على مسامعكم يتجسد في سيرة رسول الله، فكيف لا يتعشق الناس الإسلام الذي يتجلى من خلال هذه الأخلاق العجيبة الرضية التي اصطبغ بها رسول الله بإكرام من الله، وإنما كان خُلُقُ رسول الله القرآن كما قالت عائشة.

تعالوا ننظر إلى هذا الدستور وتنفيذه في حياة الخلفاء الراشدين، ساروا على النهج ذاته وأمسكوا بالدستور ذاته، ظهر لهم بل ظهر للعالم كله من الإسلام نبضات الرحمة التي لا نظير لها، مشاعر الإنسانية السامية العالية التي لا تستبين إلا في شرع الله عز وجل.

فُتِحَتْ بلاد الشام هذه وكانت مستعمرات رومانية، وفتحت بلاد مصر وكانت مستعمرات رومانية، وفُتِحَ غيرهما أيضاً، كان النصارى واليهود في بلاد الشام يتهارجون بفعل من الهيمنة الرومانية، بدسيسة من الهيمنة الرومانية على هذا وأولئك من أجل أن يستقر حكم الهيمنة الرومانية من خلال هذه المناوشات بين اليهود وبين النصارى، فماذا كان عمل الإسلام مجسداً في دستوره، مجسداً في عمل عمر أمير المؤمنين، عقد الصلح بين المتهارجين من النصارى واليهود، حَبَّبَ هؤلاء إلى إخوانهم وحَبَّبَ أولئك إلى إخوانهم، ولقد حدثتكم عن صورة من هذا، لا أريد أن أطيل الحديث وأكرر. بقي النصارى واليهود أحرارً يمارسون دينهم كما يشاؤون، وبقي عدد النصارى يناهز بل ربما يزيد على عدد المسلمين إلى أن كانت الحملات الصليبية، وكان الإسلام خير محتضن لحقوق المسلمين والنصارى واليهود على السواء.

فُتِحَتْ مصر التي أوصى بها رسول الله خيراً قائلاً: (إذا فتحت مصر فاصتوصوا بالأقباط خيراً فإن لهم ذمة ورحماً). كيف كانت حال النصارى أثناء الحكم البيزنطي؟ كانوا يُقَتَّلون. في مذبحة واحدة قُتِلَ من اليعاقبة الأرثوذكس - السريان الأرثوذكس اليوم - قُتِلَ منهم ما لا يقل عن مائتي ألف على يد هؤلاء الرومان المستعمرين لوادي مصر آنذاك، فلما جاء الفتح الإسلامي تنفس النصارى وغيرهم الصعداء وتلمسوا حقوقهم الإنسانية فتعاملوا معها واعتنقوها أيما اعتناق وتحقق لهم الحلم الذي لم يكن يتحقق لهم، حلم الإنسانية، الحقوق الإنسانية، الحرية في الفكر والمعتقد، كل ذلك تحقق لهم عن طريق هذا الدستور الإسلامية الذي تلوت لكم بعضاً من شواهده، انتشر الإسلام يا عباد الله بهذا السبب بل بهذا العامل الخفي الذي حار فيه المؤرخون الغربيون، والذي وصل إلى داخل أوروبا، وإلى جبال الصين، نظر الأوروبيون إلى الأخلاق الإنسانية العجيبة الرضية في أشخاص المسلمين الذين وصلوا إلى تلك البقاع دعاةً إلى الله عز وجل، موسى بن نصير، طارق بن زياد، عقبة بن نافع، عبد الرحمن الداخل، كل واحد منهم خلق إنساني عجيب رائع يتحرك ويسير من هنا إلى هناك، تواضع جم، رحمةٌ باهرةٌ عجيبة، غيرةً على الحقوق، محبةٌ للإنسانية أياً كان أوطانها وأياً كان رجالها، عشقوا الإسلام، دخل البربر في دين الله عز وجل من خلال تعشقهم لهذه الأخلاق الرضية التي وجدوها في هؤلاء الناس، وكيف كانوا قبل ذلك؟ كانت القوط هي التي تحكم معظم بقاع إسبانيا، وكان عملهم مظهر لأسوأ الأعمال الإجرامية الشنيعة، كانت الشعوب تحت سلطانهم منبوذة مقهورة مستلبة الحقوق لا سيما اليهود، كانوا مثال الذل كانوا منبوذين، لم تكن لهم حقوق في الدين ولا حقوق في المعيشة والاقتصاد، وكانوا يُجبرون على أن يدخلوا النصرانية وفي يوم واحد أُجبر تسعون ألفاً منهم على التنصر، دخل الإسلام، وأحدق الناس جميعاً بهذا الدين العجيب الذي عشقوه، وتحققت الدولة الإسلامية في الأندلس، فإلى ما آل حال اليهود؟ تنفسوا الصعداء وانتعشوا أيما انتعاش ونالوا حقوقهم الإنسانية كلها، وبوسعكم أن تقرؤوا التاريخ العجيب. وليت أن اليهود يذكرون هذا الفضل الذي طوق الإسلام - ولا أقول المسلمين - طوق الإسلام أعناقهم به ليذكروا كيف أنهم أبدلوا بالوفاء كيداً ،كيف أنهم أبدلوا بالوفاء لؤماً، هذه حقيقة أيها الإخوة. وأعود فأقول لكم هذا هو العامل الخفي الذي أخذ محبة الإسلام إلى قلوب الناس فدخلوه طوعاً، وهذا هو دستور الإسلام الذي نقرأه في بيان الله عز وجل.

واليوم ماذا نجد اليوم؟! لقد صوحت الواح وأقفر الدوح وأظلم الألق، وغابت هذه المشاعر وهذه القيم الإنسانية المثلى ولم يعد لها إلا ذكرى نقرأها في كتاب الله سبحانه وتعالى، وننظر فإذا بغاشية سوداء تمتد أمامنا على تلك القيم التي حدثتكم عنها وضعتكم أمام نماذج منها، ننظر وإذا بغاشية تمتد على هذه القيم فلا تضع فيها إلا النقائض لها تماماً، هذه الغاشية التي نراها اليوم تغرس في مكان الرحمة - التي هي دستور في كتاب الله عز وجل - الغيظ والفظاظة والظلم بأدهى أشكال ذلك كله، ننظر فنجد أن هذه السحابة التي امتدت على هذا الدستور قد غرست في مكان اللطف في التعامل غرست في مكان ذلك العدوان والبغضاء ومشاعر الأحقاد التي تجعل من الباطل حقاً ومن الحق باطلاً، ننظر إلى هذه السحابة التي امتدت غاشيةً على هذا الدستور الذي حدثتكم عنه وإذا بها تغرس الإفساد بدلاً من الإصلاح، يقول الله عز وجل (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا) يقول قائلهم - إن بفمه أو بلسان حاله -: بل رسالتنا هي أن نقتلع الإصلاح ونغرس بدلاً منه الإفساد، نفجر أنابيب النفط والغاز، نحرق الأفران كي لا يصل الجائعون إلى لقمة عيشهم، نسد ينابيع المياه كي لا يصل العطشى إلى جرعة شرابهم، نغتصب البيوت من أصحابها، نأمر الأسرة كاملة أن تخرج من بيتها الذي تمتلكه وإلا فلسوف يحرق عليها أو يُهدم على رأسها، وكل ذلك باسم ماذا؟! باسم الإسلام، باسم الجهاد في سبيل الله.

ننظر يا أيها الأخوة فماذا نرى ؟! نرى مخلوقات عجيبة لا علاقة للإنسانية بها قط، تنطق بشعارات الإسلام، تتزيّى بزي الإسلام، ترفع لواء الجهاد في سبيل الإسلام، ثم إنها تمعن ذبحاً وتقتيلاً في البرآء المسلمين باسم الإسلام. ننظر وإذا بها تهجر الناس من بيوتهم - كما قلت لكم - باسم الإسلام، ننظر وإذا بهذه الثلة من الناس ترسم الإسلام من خلال هذا العمل على أنه شيء مرعب أسود قاتم جهنمي يثير الاشمئزاز ويثير الرعب في أفئدة الناس.

وهكذا يا عباد الله دخلت الملايين الإسلام من بوابة الرحمة، من بوابة الود السائد في شرائع الإسلام، من بوابة الرحمة التي تنبض بها مبادئ الإسلام وتعاليمه. وننظر اليوم وإذا بالآلاف ولا أقول الملايين تخرج من الإسلام وتتبرم به من بوابة هذا الذي تلوت، من بوابة هذه الجرائم في حق الإنسانية، من بوابة هذا الاشتياق إلى الدم يسكر به الذي يوغلون بدماء البرآء من عباد الله سبحانه وتعالى. ننظر فنجد أن الذين عشقوا الإسلام قد يتبرمون به اليوم، أولم تقرؤوا بعض المقالات التي نُشرت في الصحف الأوروبية والأمريكية؟! أولم تقرؤوا عن الإسلام؟! أولم تسألوا ما يقال اليوم عن الإسلام؟! وأنه مظهر من أسوأ مظاهر الهمجية في الكون؟!

مصائب المسلمين التاريخية كثيرة يا عباد الله، مصيبة المغول نعم مصيبة، مصيبة فلول وطلائع الصليبين كانت مصيبة، ولكن لا والله، إن المصيبة التي تطوف بالإسلام اليوم أعتى من كل تلك المصائب. كان الإسلام يُقاتَل من خلال عدو خارجي لا شأن له بالإسلام، أما اليوم فالإسلام يُخنَق بحباله، الإسلام اليوم يُحارَب بسلاحه، الإسلام اليوم يُحارَب بشعاراته، وأميركا تصفق، والجنود المجندون لتنفيذ هذه الخطة في إسرائيل يضجون ويفرحون بأعراس لم يكونوا يتوقعونها من قبل، أقول قولي هذا وأستغفر الله.



تشغيل

صوتي
مشاهدة