مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 23/11/2012

مكان الجهاد الإسلامي غزة لا دمشق

تاريخ الخطبة

‏‏‏الجمعة‏، 09‏ محرم‏، 1434 الموافق ‏23‏/11‏/2012‏

مكان الجهاد الإسلامي غزة لا دمشق

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:

إن الإيمان بالله عز وجل حقيقة قدسية مستقرها القلب، وإنما تتجلى حقيقتها وتظهر ثمارها بالانضباط السلوكي بأوامر الله سبحانه وتعالى والانقياد لشرائعه، ومن ثم فلا دور لشيء من المظاهر الشكلية ولا للشعارات اللسانية في الدلالة على هذه الحقيقة المستكنة في القلب. كم من رجل ذي لحية وافرة وذي سبحة طويلة ينادي بشعارات الإسلام ويدعو إلى الجهاد في سبيل الله عز وجل بصرخات تكبيرية بكل مناسبة ولكنك تنظر فتجد أنه متجانف عن الإسلام في سلوكه، بعيد عن تنفيذه لأوامر الله عز وجل في حياته، عاكف على ألوانٍ من الغي. وهكذا فإن المظاهر الشكلية والشعارات اللسانية مهما تجلت لا دور لها في الدلالة على الإيمان المستقر في حنايا القلب، وانظروا في هذا إلى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، يروي الديلمي في مسند الفردوس من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكنه ما وقر في القلب وصدقه العمل)، فإن قال قائل ولكن هذا الحديث ضعيف، ضَعَّفَهُ بعض الناس، نقول: إليك معنى هذا الحديث ذاته في الصحيح الذي يرويه مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم). هذا هو مصداق الحقيقة التي افتتحت بها كلامي لكم يا عباد الله. وتعالوا فلنتأمل في الميزان الذي وضعه مولانا وخالقنا في قرآنه، الميزان الذي جعله حَكَمَاً يستبين فيه صدق الصادق في دعواه الإيمانَ بالله عز وجل ويستبين به كذب الكاذب في هذه الدعوى، تأملوا في هذا الميزان الذي يخاطبنا الله عز وجل به وكأنه تنزل في هذا العصر، لا، بل أقول: إنه حقيقةٌ خطاب للمسلمين في هذا العصر:

(وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) [البقرة: 204 – 206]

أرأيتم إلى الميزان الذي يخاطبنا الله عز وجل به في هذا العصر من خلال قرآنه.

(وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ) إذ يدَّعِي الإيمان والغَيْرَةَ على الإسلام والدعوة إلى الجهاد ويقرنه بصرخات التكبير.

(وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ) كيف يا رب؟ لماذا هو ألد الخصام؟ بالميزان الآتي

(وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ)

أنت تدعو إلى الجهاد في سبيل الله إذاً أنت غيور على حرمات الله، إذاً أنت الإنسان الملتزم بأوامر الله فلماذا ترفع رأسك عالياً بالتباهي والمسابقة إلى إسخاط الله سبحانه وتعالى وتحقيق ما يبغضه وفعل ما يكرهه، لماذا؟ يقول الله: (وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ)، لماذا تمعن الفساد في الأرض؟ لماذا تركب رأسك معرضاً عن هذا الذي يقوله الله عز وجل فتجهد جهدك وتبذل كل ما تملك من أجل إفساد الحرث والنسل، بل إهلاك النسل وإنما يكون ذلك بالقتل والذبح وما إلى ذلك. إذاً هذا هو الميزان الذي يستبين من خلاله صدق الصادقين وكذب الكاذبين.

إننا نسمع اليوم يا عباد الله دَعَاوِيَ عريضة كبيرة من مثل الهتاف بالجهاد في سبيل الله، من مثل الصراخ ورفع الأصوات بالتكبير في مناسبات عجيبة وغريبة ثم ننظر إلى هؤلاء الذين يرفعون لواء الجهاد عالياً أو يستنطقون ألسنتهم بشعاراتها الكبيرة، وتنظر إلى مظاهرهم، مظاهر دين، مظاهر تنم عن إسلام، لحى طويلة، وثياب تذكِّرُكَ بثياب الرعيل الأول من المسلمين ولكنك تنظر فتجد كيف أنهم يشعلون نيران الفساد في الأرض بكل أشكاله وألوانه، تخريباً، حرقاً، تفجيراً، إتلافاً، طرداً للناس من مساكنهم وبيوتهم وهم يقرؤون قول الله عز وجل: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ)، ولكأنهم يقولون بلسان الحال: بل إننا نحب ما تكره، وإننا ماضون في الإفساد في الأرض ذلك الإفساد الذي تحذرنا منه. هذا مظهر من مظاهر الميزان الذي يحدثنا الله عز وجل عنه.

مظهر آخر: ها هي ذي فلسطين يا عباد الله ترزح تحت نير الاحتلال منذ أكثر من ستين عاماً، تُنْتَقَصُ شيئاً فشيئاً أراضي المسلمين فيها، الاغتيالات والقتل الذي يستحر بالبرآء مستمر ومستمر، طرد أصحاب البيوت من بيوتهم، تركهم يعيشون بين الهلاك والموت بين سمع الدنيا وبصره كما قلت بالأمس، وها هي ذي غزة التي مُنِيَتْ بالحصار الخانق منذ سنوات طويلة، وشريعة الله عز وجل تقرر بالإجماع - أقول بالإجماع - أن أي فئة من المسلمين إذا أُحيط بها، إذا داهمها عدو يتهددها بحياتها أو بشيء من ممتلكاتها فإن على من يليهم من المسلمين من كل الجهات أن يهبوا هبة رجل واحد للدفاع عن إخوانهم هؤلاء الذين أحيط بهم ولد غائلة العدوان عنهم، هذا حكم يعرفه القاصي والداني وليس هنالك من خلاف في هذا الأمر قط، فمال هؤلاء الذين يرفعون لواء الجهاد في سبيل الله ويرددون شعاراته صباح مساء ما لهم لا يتجهون إلى هذا العدو الرابض على ديار المسلمين، هذا العدو الذي أعلن مراراً وتكراراً عن عداوته لله ولرسوله وللمسلمين وللإنسانية جمعاء ما لهم لا يرسلون أفخاخهم إلى تلك الأصقاع وتلك الأماكن وتلك البلاد المستَحِلَّة لإخواننا في الإسلام بل في الإنسانية، ما لهم لا يرسلون بعضاً من مرتزقتهم إلى هناك ليقاتلوا في سبيل الله ولينفذوا الشعيرة التي ينادون بها وليرعبوا أولئك الأوغاد أعداء الله وأعداء الإنسانية بتكبيراتهم في الأوقات المناسبة وفي الأماكن المناسبة؟ حسناً، لعلهم يقولون إننا نخشى من أمريكا وإن يدها في رقابنا، وإننا نخشى أيضاً من إسرائيل لأنها ربيبة أمريكا، وإبغاضُ إسرائيل إنما يعني إبغاضَ أمريكا التي لا نستطيع أن نتحرك ونحن نعيش تحت سلطانها، قلت لأن أيديهم في رقابنا، حسناً، فلماذا تقف في وجه سوريا، هذه البلدة التي شاء الله عز وجل أن تقوم ربما بالنيابة عنكم للدفاع عن إخوانكم أصحاب الأرض والعرض، لماذا تقفون في طريقهم، لماذا لا تتركونهم يقاتلون عنكم ولربما كتب الله لكم أجراً بنيابتهم عنكم كقيام بفرض كفائي معروف إذا قام به البعض كأن الجميع قد قاموا به، لماذا؟! لماذا وقد علمت الدنيا كلها أن سوريا بقطع النظر عن كل شيء كانت ولا تزال الدرع الواقية للمقاومة الفلسطينية، كانت ولا تزال إحدى الرئتين اللتين تتنفس بهما غزة في حصارها الخانق، كل الدنيا يعلم هذه الحقيقة، لماذا لا تذرونها تنهض بالنيابة عنكم؟! ولعل الله عز وجل يكتب لكم أجر قيامها بهذه المهمة وهي مهمة منوطة بأعناق المسلمين جميعاً، لا بل تأبون إلا أن تقفوا مع العدو الصهيوني الإسرائيلي في خندق واحد لمقاتلة هذا البلد الذي أعلن عن نفسه الدفاع عن المظلومين من إخوانه بالنيابة عنكم؟! لماذا أيها الأخوة تصرون على أن تكونوا إلى جانب العدو الإسرائيلي المغتصب للأرض المغتال للحقوق المقتل للبرآء؟! تصرون على أن ترفعوا الرأس عالياً وأنتم تقفون إلى جانب هذا العدو في خندق واحد لتقاتلوا سوريا بالنيابة عن هذا العدو، لماذا؟! ألستم ترفعون لواء الجهاد في سبيل الله؟! أين هذا اللواء الذي تهتفون به من الواقع الذي يخالف دين الله ويناقض شرع الله سبحانه وتعالى؟! هذه هي الحقيقة أيها الأخوة أقولها لكم من منطلق الفكر والمنطق، ولقد كان ولا يزال دأبي أن أحاور الناس وأن أحاور المشكلات عن طريق المنطق، ولم يكن لي في يوم من الأيام شأن بالعاطفة الفارغة، لا آخذ الناس بها ولا أمكن من أن أؤخذ بها، وعلى الذي يفكرون أن يجيبوا، مسلمون؟ نعم مسلمون، اللواء الذين ترفعونه فوق رؤوسكم الجهاد في سبيل الله، إذاً لماذا تخالفون الميزان الذي وضعه الله عز وجل برهاناً على صدق الصادقين؟! لماذا تفسدون في الأرض؟! لماذا تصرّون على تدمير البُنى التحتية لهذه الأمة لهذه البلدة؟! أين هو الجهاد من هذا العمل؟! ها هي ذي إسرائيل، قلت لكم منذ أكثر من ستين عاماً وهي تحتل الأرض وتوزع وتستغرب أصحابها في شرق العالم وغربه، غرباء ليس لهم وطن ووطنهم موجود، ليس لهم مستقر ومستقرهم موجود، ليس لهم ديار وديارهم موجودة، لماذا تديرون ظهوركم إليهم؟! لماذا لا ترسلون إليهم أصحاب الأفخاخ؟! لماذا لا ترسلون إليهم الأبطال الذي يلصقون العبوات المفجرة؟! لماذا؟! لماذا مصرّون في أن تقفوا جنباً إلى جنبٍ مع هذا العدو الإسرائيلي الغاصب؟! لماذا؟! لتقاتلوا هذا البلد بالنيابة عن إسرائيل، لأن هذا البلد كما قلت لكم بقطع النظر عن النعت، أنا لا أنعت سوريا في هذه المناسبة بشيء، لكن أؤكد حقيقة تدين لها الدنيا كلها، سوريا كانت ولا تزال هي الدرع الواقي للمقاومة الفلسطينية، سوريا كانت ولا تزال إحدى الرئتين التي تتنفس بهما غزة، التي تختنق الاقتصاد تختنق بالحصار تختنق بأسباب الدمار، هذا ما أقوله، أنا أحاكم عقولاً ومنطق، أنا لا أستثير عواطف أيها الأخوة، وإنما أستعين بموازين المنطق والعلم وهذا هو دأبي، فليجب من يملك منطقاً عن هذا الذي أقول، أقول قولي هذا وأستغفر الله.

عباد الله: تصحيحٌ بسيطٌ ولكنه هام لكلمة كثيراً ما تتردد على ألسن بعض الناس بالإعلام وغيره، يُنعت هؤلاء الذين كنا نتحدث عنهم والذين نسأل الله لنا ولهم الهداية بالمتشددين الإسلاميين، وهذا تعبير خاطئ، التشدد في الإسلام يعني أن ينفذ الإنسان أوامر الله لكن مع المبالغة في ذلك، التشدد في الإسلام يعني أن ينفذ الإنسان أوامر الله لكن أن يجاوز الحد إلى قدرٍ من المبالغة لا يكلف الله به، فهل هؤلاء كذلك ؟!! هؤلاء مزيّفون أيها الأخوة وليسوا متشددين، هؤلاء مزيّفون بالإسلام ولقد كان في الميزان الذي ذكرت وفي الدليل الذي أطرح ما يؤكد هذه الحقيقة، قولوا هؤلاء الذين يزيفون الإسلام، قولوا هؤلاء الذين يمسخون الإسلام، قولوا هؤلاء الذين يعبثون بالإسلام ليجعلوا من باطله حقاً ومن حقه باطلاً.

نعتذر عن رداءة الصوت في الجزء الأخير من الخطبة لسبب خارج عن إرادتنا



تشغيل

صوتي
مشاهدة