مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 02/11/2012

قصة الطابور المستأجَر لتشويه الإسلام

تاريخ الخطبة

‏‏‏الجمعة‏، 17‏ ذو الحجة‏، 1433 الموافق ‏02‏/11‏/2012‏

قصة الطابور المستأجَر لتشويه الإسلام

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:

سؤال يتطارحه اليوم كثيرٌ من الناس: ما هي العوامل التي تلاقت من شتى الجهات فأعلنت حرباً عالميةً على سوريا، بل ما هي الجريمة التي اقترفتها سوريا في حق بقاع العالم أجمع مما جعلها تقذف سوريةَ بسهامها من قوس واحد؟ هذا سؤال يتكرر كما تعلمون على كثيرٍ من الأفواه وينبغي أن أجيب عن هذا السؤال بشيء من التفصيل الذي تسمح به الدقائق التي أملكها في مثل هذا الموقف.

عباد الله: إن عداوة الغرب للإسلام من خلال المسلمين حقيقة تاريخية لا تُنْكَر ولا ريب فيها وقد تنقلت في أطوار شتى، ولا شأن لنا بالحديث عن تلك الأطوار التي خلت، ولكن الذي يهمنا أن نتحدث عن عداوة الغرب بشطريه الأوروبي والأمريكي للإسلام في هذا العصر. أيام الاتحاد السوفييتي كانت الصيغة التي تبدو أنها علمية في تبني الإلحاد والوقوف في وجه الإسلام القائم على دعائم العلم، كانت هذه الصيغة متمثلة في الفلسفة الماركسية كما تعلمون، ومن ثم فإن الغرب - لاسيما الغرب الأمريكي - كان سعيداً بذلك وكان يرى أن هنالك من يحارب الإسلام بالوكالة عن الغرب متمثلاً في الجدلية الماركسية، ولعلكم تذكرون أو تعلمون أن في تلك الأيام شيئاً كان يعرفه الناس يسمى الشيوعية الأمريكية - أي التي تتبناها أمريكا - لم تكن تتبناها لمزاياها الاقتصادية والاشتراكية ولكنها كانت تتبناها لأنها كانت تملك مظهراً للصيغة العلمية التي تستطيع بها أن تقف في وجه الإسلام. انهار الاتحاد السوفييتي ونظر الغرب بشطريه الأوروبي والأمريكي وإذا بالأداة التي كانت تحارب الإسلام فيما يتصورون بالنيابة عنهم قد غابت فاستعلنوا بمناسبات شتى عن أهمية الوقوف في وجه الإسلام وعن ضرورة الوقوف في وجه هذا العدو الأخير الوحيد الباقي، وكان تصريح رئيس الوزراء في حكومة بريطانيا - تصريح تاتشر - أول إعلان عن هذه الحقيقة التي أقولها لكم، وها أنا أنقل هذا التصريح بنصه يا عباد الله، في اليوم الثالث من شباط من عام تسعين وتسعمائة وألف بثَّتْ لندن في برنامجها العربي هذا التصريح لتاتشر، تقول ما نصه: كان أمام الغرب عدوَّان اثنان، الشيوعية والإسلام، وقد تم القضاء على العدو الأول دون أن يقدم الغرب في سبيل ذلك خسائر تذكر، ويقف الغرب اليوم كله في خندق واحد لمجابهة العدو الباقي وهو الإسلام. هذا ما قالته تاتشر، ولعل هذا التصريح أول تعبير عن ضرورة الوقوف في وجه الإسلام بعد أن انهار الوكيل الوحيد الذي كان يقف وقفة علمية فيما يتصورون في وجه الإسلام، وعلى الرغم من أن بعض المسؤولين في بريطانيا آنذاك لم تعجبهم تلك الصراحة الفاقعة الذي تمتع بها تصريح تاتشر ولكن الغرب كله أيَّدَها في ذلك, وفي مقدمة من أيَّدَها في ذلك الغرب الأمريكي، لماذا الغرب الأمريكي أيها الإخوة؟ لأن الإدارة الأمريكية متمثلة في الكونغرس وغيره كانت تعتقد أن أمريكا هي المناخ الأول لتقبل الإسلام وأن الذين يقبلون على الإسلام في أمريكا ربما كان ضعف من يتقبل الإسلام ويستأنس به في أوروبا. وإليكم هذا التصريح الآخر من طبي أمريكي مرموق نشر مقالاً في مجلة الفيكارو الفرنسية في يوم الثالث عشر من حزيران من عام اثنين وتسعين وتسعمائة وألف، يقول فيه ما نصه: إن الإسلام دين تسامح، وإن الحكومة الأمريكية تجابه الإسلام في كل مكان من العالم لأنها الديانة التي تُقْنِعُ الفرد بسرعة كما تحارب توجه المسلمين إلى أي اتحاد فيما بينهم لأنه إذا اتحد المسلمون فلن تكون هنالك ولايات متحدة أمريكية في العالم، هذا كلام طبيب أمريكي مرموق وليس كلامي، نعم.

بناءً على ذلك كان لابد أن ينهض الغرب بالوقوف في وجه الإسلام بعد أن كان مطمئناً إلى أن الجدلية الماركسية تنوب عنه في ذلك، اقتضى الأمر في هذه المرحلة أن يتطور السبيل إلى محاربة الإسلام بعد أن كان سبيلاً بل سبلاً تقليدية لا داعي إلى الحديث عنها. تطورت السبيل إلى محاربة الإسلام عبر نقطتين اثنتين؛ هدف وخطة، أما الهدف المرسوم فهو أن يقضي الإسلام نفسه على نفسه بذاته وأن يحرق الإسلام ذاته وذلك عن طريق تألُّب المسلمين بعضهم على بعض بكل الوسائل الممكنة، ومن تتبع وقائع مؤتمر كالورادو الذي عُقِدَ في أمريكا في هذه الولاية يتبين تفصيل هذا الذي أقوله لكم. هذا هو الهدف، أما الخطة فتتكون من عنصرين – وأنا ألخص حقيقة – العنصر الأول يتمثل في ضرورة محاربة الإسلام بسلاح من مظاهر الإسلام ذاته، وهو يقصدون في هذا السلاح الذي هو من مظاهر الإسلام ذاته تجميع طابور من الخليقة البشرية ذات طباع وأخلاق شاذة عن هذه الخليقة كلها تثير الرعب في أخلاقياتها وفي سلوكها، مهوى أفئدتها البطش والقتل وارتكاب المجازر، أمتع ما تمتع به أعينها مظهر الدماء الزكية المتفجرة من جسوم ومذابح البرآء من عباد الله سبحانه وتعالى، أبرد ما يشفي غليلها الجسوم التي تقطع إلى أوصال والأوصال التي تقطع إلى أشلاء، ولابد أن يكون لهذا كله غطاء من المبررات الإسلامية، وماذا عسى أن يكون هنالك مبرر لذلك إلا التكفير؟! إذاً ينبغي أن يغطى ذلك كله بمبرر التكفير، أي أن التكفير إنما أتي به من أجل تبرير هذا القتل المرعب المهلك وليس العكس، هذا جزء من الخطة التي رسمت، قلت لكم إن الخطة تتكون من عنصرين اثنين، هذا هو العنصر الأول، أما العنصر الثاني فيتمثل في ضرورة أن يُمَرَّرَ هذا كله من وراء ستار كثيف من العناوين الإسلامية، عناوين المؤسسات، عناوين الاهتمامات الإسلامية، عناوين متألقة براقة على ألا يكون لها أي مضمون، على ألا يكون لها مضمون أكثر مما يتضمنه الطبل، ليس فيه إلا الهوان الذي يسري في داخله، منظمة التعاون الإسلامي، رابطة العالم الإسلامي، الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، عناوين ندوات ومؤتمرات ضخمة كبيرة وكثيرة تعقد هنا وهناك باسم الإسلام، أقنية خاصة لخدمة القرآن ولتلاوة القرآن وما إلى ذلك، ينبغي أن توجد هذه العنواين من أجل أن يمرر من وراء سترها العنصر الأول في الخطة التي ذكرتها لكم.

عباد الله: هل أنا آتي بهذا الكلام من خيالٍ يحوكه ذهني؟ معاذ الله، ارجعوا إلى وقائع مؤتمر كالورادوا تجدون ما أقول مفصلاً، ارجعوا إلى أكثر من تقرير أصدره مجلس الأمن القومي الأمريكي تجدون مصداق ما أقول، إذاً فالخطة المرسومة الجديدة لحرب الإسلام هي تلك التي تجتث مشاعر الاستئناس بالإسلام في أمريكا، هي التي تقتلع مشاعر الركون والإصغاء إلى حقيقة الإسلام، عقائد، حضارة، أحكام، كيف السبيل إلى اجتثاثها؟ أن توضع هذه الصورة أمام الشارع الغربي في مظهريه الأمريكي والأوروبي. إذا وجد الغرب هذه الصورة للإسلام لابد أن يشمئز منها ولابد أن يتصور أن الإسلام هو البعبع، هو الشبح الذي لابد للإنسانية أن تستعيذ بالله عز وجل منه، هذا هو الذي يجري اليوم، وهذا هو الجواب عن هذا السؤال مختصراً.

بقي أن فينا من قد يسأل: فلماذا حصر هذا العدوان أو حصر هذه الحرب في سوريا بالذات والعالم العربي والإسلامي واسع الأرجاء؟ والجواب عن هذا يا عباد الله أن سوريا تمثل عقدة التماس، هذا شيء، وأن معظم الذين يعيشون حول سوريا هنا وهناك خاضعون، مستسلمون، ولعل فيهم من يمثلون جزءاً من هذا الطابور الذي صاغه العدوان الأمريكي ضد دين الله سبحانه وتعالى، من أجل هذا يتمركز العدوان على الإسلام من خلال العدوان على هذه الأرض المقدسة، من خلال العدوان على المسلمين في هذه الأرض المقدسة. في الناس من ينظر إلى هذه البلدة نظرة سطحية عجلى فيقول أين هو الإسلام، أين هو الخوف من الإسلام في سوريا؟ يقول هذا نتيجة لنظرته العجلى، ولكن الغرب أدهى من أيقف هذا موقف السطحي الساذج. الغرب لا ينظر إلى الوقائع عندنا نظرة سطحية عجلى ولكنه يمخر إلى اللباب، الغرب يرى الوعي الإسلامي المتألق في هذه البلدة، الغرب يعلم أن المسلمين يمثلون في سوريا الإسلام الصافي عن الشوائب الذي يتمثل في كتاب الله والذي يتجسد في هدي رسول الله r، يعلمون أن الإسلام الذي يعتنقه جل المسلمين في سوريا إنما هو ذاك الذي يجسد خطاب الله عز وجل لرسوله القائل:

(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) [آل عمران: 159].

يعلمون أن الوعي الإسلامي يدرك أن الإسلام في سوريا منبثقاً من كتاب الله ومنبثقاً من سنة رسول الله أبعد ما يكون من أن يخضع لما يسمى حرب طائفية، لما يسمى احتكاكات طائفية، يعلم الغرب هذا، وكم وكم قرر هذه الحقيقة رسل جاؤوا فأقاموا في سوريا واحتكوا بكثير من الناس واحتكوا بأمثالي ورأوا المعاهد ورأوا الحقائق الإسلامية التي يعتنقها ويدركها المسلمون، يعلمون ذلك، أما السطحيون فأرجو أن يستفيدوا من نظرة الغربيين وأن يعلموا أن الإسلام في سوريا، وإن لم يكن في مظهره ذا دلالة على حقيقته ولكنه في مخبره كما أقول لكم. فيكم من قد يسأل: فما العلاج؟ هذا هو العدوان وذلك هو الهدف وهذه هي الخطة فما العلاج؟ أقول لكم اليوم يا عباد الله: إن إدراك المشكلة يساوي نصف الطريق إلى حلها، إذا أدركنا حقيقة هذه المشكلة وأدركنا السبب في هذا العدوان الذي يتمركز من العالم كله على سوريا بالذات، إذا أدركنا السبب فلنعلم أننا ملكنا نصف العلاج إلى حل المشكلة، أما النصف الثاني فأرجو أن يوفقنا الله لبيانه ولشرحه مع شيء من التفصيل في المواقف القادمة إن شاء الله، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

عباد الله: كلمات موجزة ألفت أنظاركم وأنظار بعض إخوة ربما وقعوا في خطأ سببه سبق لسان، أحدهم عبَّرَ عن هذه الكارثة التي فاجأت أمريكا بغضب الطبيعة أو بهياج الطبيعة، هذه الكلمة أيها الإخوة شاذة لا مكان لها في بصيرة الإنسان المسلم ولا مكان لها في بصيرة الإنسان الذي يتعامل مع العلم. طبيعة، كلمة طبيعة هذه على وزن فعلية بمعنى المفعول أي مطبوع، والطبيعة التي ينطقون بها أو يتكلمون بها يعبرون بها عن هذه المكوَّنات، هذه المكوَّنات مطبوعة أي وُجِدَ من طبعها بنظامها القائمة عليه، وُجِدَ من طبعها بقانونها، بسننها السائرة على منهاجها، فمن هو الطابع ومن هو المنظم ومن هو الواضع لسلسلة هذه القوانين الكونية، جل الإله الذي أمر موسى أن يقول لعدو الله فرعون:

(قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) [طه: 50].

ربنا من؟ باختصار هو (الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ) مظهراً ثم هداه إلى قانونه، إلى العكوف على نظامه، إلى العكوف على سننه التي أقام الله هذه المكوَّنَات عليها. الطبيعة! أنى للطبيعة أن تقرر وأنى لها أن تصول عندما تريد أن تصول وأن تهمد وتخمد عندما تريد أن تفعل ذلك،لا. جل الإله الذي جعل من الماء سرَّاً للحياة عندما يشاء وجعله سبباً للهلاك عندما يريد، جل الإله الواحد الأحد الذي جعل الرياح الهابَّة سبباً لانتعاش الروح، سبباً لتجدد الحياة عندما يشاء وجعلها سبباً للهلاك والدمار عندما يشاء، جل الإله الذي يسخر ما يشاء من خلقه لما يشاء. لا يا أخي، إياك أن تلوث لسانك بهذه الكلمة، قل: إنها قضاء الله وحكمه، قل: إنها إيقاظ لأولئك الناس لعلهم يستيقظون،

(وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ) [الرعد: 31].

هذا ما وقع. عندما ابتلع غضب الله عز وجل جزيرة كاملة في إزميت في تركيا بعد منتصف الليل أفكانت الطبيعة هي التي قررت ذلك؟! ابتلعتها بكل من فيها من الأوغاد، من الذين كانوا يتحدون الله بطريقة عجيبة حتى الطغاة من قبل لم يفعلوا ذلك، عندما ابتلع قضاء الله عز وجل تلك الجزيرة الكبيرة التي كانت قد استأجرتها أمريكا من بريطانيا بكل ما فيها من عتاد وبكل ما فيها من أناسي أكان ذلك قرارً قررته الطبيعة؟! لا، لا أيها الإخوة، إنه إيقاظ إلى قضاء الله عز وجل وحكمه، إنه بيان من الله عز وجل يذكرنا بقول الله عز وجل:

(وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) [الزمر: 67].

تلك هي الحقيقة، فلنستغفر الله من هذه الكلمة الباطلة.



تشغيل

صوتي
مشاهدة