مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 27/10/2012

نحن مع عدالة الله لا مع ديمقراطية النفاق

تاريخ الخطبة


‏‏‏الجمعة‏، 10‏ ذو الحجة‏، 1433 الموافق ‏26‏/10‏/2012‏

نحن مع عدالة الله لا مع ديمقراطية النفاق

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:

إن الإسلام الذي شرَّفَ اللهُ عز وجل به الأسرةَ الإنسانية منذ فجر وجودها يقوم على أساسين اثنين لا ثالث لهما، أولهما معرفة الحق، ثانيهما ممارسة العدل. أما معرفة الحق فإنما يراد منها أن يعلم الإنسان مكون هذه المكونات التي يعيش في رحابها ومبدأها ومنتهاها وأن يعلم هوية نفسه عبداً مملوكاً لله عز وجل، منه الابتداء وإليه الانتهاء، وأما ممارسة العدل فخلاصة ما تعنيه هذه الكلمة أو هذا الأساس الثاني أن يتلاقى أفراد المجتمع الإنساني على التنسيق فيما بينهم بين الحقوق والواجبات، فلا يضحَّى بواجب في سبيل التمتع بحق ولا يضحَّى بحق في سبيل التمسك بواجب، بل يجب إعطاء كلٍّ من هذا الجانبين حقه كاملاً غير منقوص، تلك هي العدالة في كل ما يتصوره ويتلمس بحثه عنها العقلاء جميعاً أياً كانت نحلتهم وأياً كان مذهبهم. غير أن العدالة التي رسمتها الشريعة الإسلامية إنما شاءها الله عز وجل ثوباً سابغاً فُصِّلَ على قدر الإنسانية في أوسع معانيها، فلا يضيق من هذه العدالة اختلاف في دين، لا يضيق منها اختلاف في عرق، اختلاف في لغة، اختلاف في مذهب، لا يضيق من حدود هذه العدالة الإنساني المطلقة المصالح الجانبية التي قد تدفع أصحابها إلى التضحية في وقت ما بجانب من جوانب العدالة، بمعنى من معانيها، وتأملوا في هذا الذي أقول لكم، تأملوا في مصداق هذا الذي أقوله لكم من خلال ما يقوله الله عز وجل، يقول:

(وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة: 8].

أي لا يحملنكم بغضكم لأقوام على أن تنسوا العدالة فلا تعدلوا ما بينكم وبينهم، ويقول:

(وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ) [الأنعام: 152].

ويقول:

(إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ) [النساء: 58].

ويقول:

(إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) [النحل: 90].

تلك هي عدالة الإسلام التي شرف الله بها عباده المسلمين فيما مضى، وتلك هي عدالة الإسلام التي شرفنا الله عز وجل بها في هذا العصر. هكذا كنا وهكذا نحن ولا نزال، فكيف كان الغرب وإلام آل حاله اليوم؟ تعالوا نقارن يا عباد الله مقارنة سريعة.

فيما مضى استعمر الغرب بلاد الشام وبلاد مصر وبلاداً كثيرة أخرى، كانت الشام مستعمرة رومانية وكان الحكم الروماني يظل يوقع بين النصارى وبين اليهود وينفخ في نيرات البغضاء والعداوة بينهم من أجل أن يستغل الحكم الروماني الفرصة لمزيد من الاستقرار فوق هذه الأرض، لمزيد من البقاء فوقها.

وفي مصر تظاهر الحكم الروماني بالدخول في المسيحية، اختارت الإمبراطورية الرومانية مذهباً من مذاهبها وراحت تلزم بقية المذاهب بالانخراط في مذهبها بحسب الظاهر بدافع من القناعة الدينية والواقع أنها من أجل فوائد سياسية، وكم وكم قُهِرَ المسيحيون وأوذوا وقٌتِّلُوا من خلال هذه السياسة، في يوم واحد يا عباد الله في مذبحة بيزنطية واحدة قُتِلَ ما لا يقل عم مائتي ألف من اليعاقبة المسيحيين، ذلك هو مثال للعدالة - أو قل الديمقراطية - التي كان يمارسها الغرب آنذاك، فكيف كان الإسلام يمارس العدالة آنذاك؟

فُتِحَتْ بلاد الشام كما تعلمون وأصر المسيحيون لاسيما رجال الدين فيهم على أن يأتي أمير المؤمنين عمر فيتشرفوا بلقائه ومعرفته ويخطُّوا كتاب الصلح معه. وجاء عمر فبدأ أن اتجه إلى الصخرة المقدسة التي كان يبجلها اليهود وإذا بها مثابة لأتربة وأوساخ وأقذار، كان النصارى يُدْفَعُون إلى ذلك بأمر من الحكم الروماني لاستثارة البغضاء بينهم وبين اليهود، سرعان ما خلع أمير المؤمنين عمر رداءه وراح ينظف ذلك المكان من الأقذار بردائه، وسرعان ما أقبل كل من كان حوله فأعانوه أو أخذوا عنه هذه المهمة، ثم إنه اتجه إلى المكان الذي يقدسه المسيحيون والذي يعتقدون أن صُلِبَ فيه ونظر فوجد فيه أقذاراً أو أتربة قد جُمِّعَتْ هناك وكانت تسمى القمامة ثم لما بُنِيَتْ الكنيسة أصبح الاسم كنيسة القيامة، نعم، ذلك لأن اليهود كانوا يُدْفَعُون بدورهم إلى تقذير ذلك المكان الذي يقدره ويقدسه المسيحيون لنفخ مزيد من البغضاء بين هؤلاء وأولئك بسياسة من الحكم البيزنطي، خلع أمير المؤمنين عمر رداءه وراح ينظف ذلك المكان وأقبل الجميع يساعدونه في هذا العمل.

عباد الله: إن عمر لم يفعل هذا بسائق من رقته ورحمته وبعد نظره، لا، وإنما فعل ذلك بسائق من تربيته الإسلامية، فعل ذلك لأنه يعلم أن دين الله يأمره بذلك. هكذا كانوا وهكذا كنا، وفتح الشام خير مثال على ذلك.

فُتِحَتْ مصر، وقد المصطفى r عنها فيما صح عنه: (استوصوا بالأقباط خيراً فإن لهم ذمة ورحما) قال ذلك في حياته وقبل أن تفتح مصر وقبل أن تفتح بلاد الشام، فكيف كان فتح مصر؟ أفكان فتح مصر تضييقاً على المصريين؟ أفكان فتح المصريين إيذاءً وقتلاً للمصريين؟ لا يا عباد الله، كان فتح مصر عملاً فرح به المصريون أيما فرح، فرح به الأقباط أيما فرح، كان عمل المسلمين تحرير مصر من براثن الحكم الروماني. وتأملوا في المعاملة التي كانت بين المسلمين وبين الأقباط، لم يكن هنالك فيما يتعلق بتنفيذ شرعة الإسلام أي تفاوت - وأنا الذي أزعم هذا الكلام وأتكفل به وأنا المسؤول عن تحقيقه - نهائياً. ولقد كان عدد الأقباط كبيراً وكثيراً جداً لم يلجئ المسلمون بعد الفتح أياً منهم إلى أن يغير دينه، نعم، بل كانت الشرعة التي تهيمن على الجميع (ألا لا يُفْتَنَنَّ نصراني عن نصرانيته ولا يهودي عن يهوديته) ولعلكم تعلمون جميعاً قصة اقتصاص عمر بن الخطاب من ابن عمر بن العاص لشاب قبطي أوذي من قبل واحد من أولاد عمر بن العاص، والقصة معروفة ولا أريد أن أطيل الحديث فيها.

النصارى في بلاد الشام ظلوا يساوون عدد المسلمين بل يزيدون إلى أن كان الغزو الصليبي، عندئذٍ وبسائق من ردة الفعل ضد الغزو الصليبي زاد عدد المسلمين ودخل من دخل من النصارى في الإسلام.

هكذا كان أولئك الذين هم أجداد وسلف الغربيين بالشطرين الغربي والأوروبي وهكذا كنا، أولئك يعتزون بما يسمونه ديمقراطية ونحن نعتز بما سماه الله عز وجل العدل والعدالة، وكيف أصبحنا وكيف أصبحوا. أما نحن المسلمين فلا نزال نحن أمناء على شرع الله سبحانه وتعالى وعلى دينه وعلى موازين العدالة، ها نحن ما نزال نعلن تمسكنا بما أمرنا الله أن نتمسك به من موازين العدل، لا يمكن أن نضيق شيئاً من حدود العدالة الإنسانية من أجل اختلاف دين، من أجل اختلاف مذهب، من أجل اختلاف عرق، إننا لا نسمي هذه ديمقراطية، لكننا نسميها الاسم الذي سماها الله سبحانه وتعالى به العدل:

(وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة: 8].

واليوم يحاول يا عباد الله الغربيون فيما يحاولون أن يزرعوا اختلاقاً مشاعر الكراهية، مشاعر الخوف، مشاعر الرعب، مشاعر البغضاء بين المسلمين وغير المسلمين لاسيما المسيحيين، إن عن طريق النصح الذي يهمسون به إلى آذانهم أن اخرجوا من هذا البلد الظالم أهله أو عن طريق التقتيل والتفخيخ والاغتيال وما إلى ذلك، قصارى ما يطمحون إليه أن تقع الظنة ثم تتحول الظنة إلى عداوة وبغضاء ثم يصفق الغرب للنتيجة التي تعبوا في سبيل تحقيقها، ولكن هيهات، الحصن الذي يمنع الغرب من النجاح في مسعاه إنما هو حصن الإسلام، الحصن الذي لا يمكن أن يُخْتَرَق لتنفيذ هذه الخطة إنما هو كتاب الله ونحن كنا ولا نزال أمناء على كتاب الله، وأقول: نحن متمثلين في شعب هذه البلدة المقدسة ومتمثلين في قيادتها وفي جندها لابد أن يكون مبدؤنا الذي نقدسه ونبراسنا الذي نستضيء به ودستورنا الذي نسير عليه هو كتاب الله سبحانه وتعالى، فليفعل الغرب ما يشاء، وليحاول أن يدخل عوامل البغضاء بين الفرق الإسلامية، وليحاول أن يدخل عوامل البغضاء بين المذاهب الإسلامية، وليحاول أن يدخل عوامل البغضاء والظنة والعداوة بين المسلمين وغيرهم، لا، لن ينالوا منا منالاً، ولن يصلوا إلى ما يبتغون قط. إسلامنا أيها الإخوة دين ودولة ولكن فلتعلموا أن هذه الدولة هي التي تحتضن العدالة، وإذا أراد المسيحيون أو اليهود أو أي فئة من الفئات أن تستظل بظل العدالة الحقيقية فلا والله لن تجد مثابة تأوي إليها إلا ظل هذا الدين، لن تجد مثابة تأوي إليها لتطمئن على أنها تتحرك في أحضان العدالة إلا عندما تجد نفسها تحت سلطان الدولة الإسلامية، الدولة الإسلامية ما كانت يوماً ما لتفعل ما فعله الرومان من قبل وما يفعله الغربيون اليوم، الدولة الإسلامية تعتبر نفسها بأمر من الله خير خادم لوحدة الأمة، خير خادم لوحدة الإنسانية، هذه هي الحقيقة التي ينبغي أن نعلمها، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

عباد الله: باسمي وباسمكم جميعاً أهنئ الإخوة الذين نسجوا لباس هذه الهدنة، سداها ولحمتها، باسمي وباسمكم جميعاً أهنئهم على هذا التوفيق وأشكرهم متمثلين في جيشنا العزيز، متمثلين في المسلحين سواء الذين غُرِّرَ بهم أو الذين خُدِعُوا ولُبِّسَتْ عليهم هذه المدينة بغيرها، أو الذين أغراهم المال، أهنئهم جميعاً على هذا التوفيق الذي شاءه الله عز وجل لهذه الهدنة، وأسأل الله عز وجل أن يوفقهم جميعاً لأن يغذوها بروح الاستمرار، لأن يغذوها بروح الدوام، في ظل هذه الهدنة يستيقظ العقل، في ظل هذه الهدنة ترقد بل تمحي مشاعر العداوة، مشاعر البغضاء، تستيقظ الفطرة الإنسانية، نعم، هذا هو الشأن الذي عرفناه في التاريخ وهو الشأن الذي نرجو أن يتحقق اليوم، وأقول للجميع أقول لهم: يقول لكم رسول الله r نعم يقول لكم رسول الله r فيما رواه فيما رواه مسلم وفيما رواه النسائي وما رواه أحمد أن رسول الله r قال: (من خرج من أمتي على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى مؤمنها ولا يفي بذي عهدها فليس مني).

يقول لكم رسول الله r فيما رواه الشيخان: (من قاتل تحت راية عمية - أي راية لا يعلم من هو المتمسك بها حقيقة وإلى أين تساق وإلى أي غاية تنتهي، تلك هي الراية العمية - من قاتل تحت راية عمية فقُتِلْ فقتلته جاهلية).

يقول لكم رسول الله r فيما رواه البخاري والترمذي من حديث هشام بن عامر: (من رمى مؤمناً بكفر فهو كقتله) أي فهو كما لو قتله.

يقول لكم رسول الله r فيما رواه الشيخان البخاري ومسلم: (لا ترجعوا بعدي ضلالاً يضرب بعضكم رقاب بعض).

يقول لكم رسول الله r فيما رواه البخاري وغيره من حديث عمر: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده).

أيها الإخوة أنا لا أشك في أنكم تعتزون باتباعكم لمحمد r، أنا لا أشك أنكم تعتزون بأنكم تمثلون بعضاً من أمته - أمة الاستجابة - أيهون عليكم أن يطردكم رسول الله إذا قام الناس لرب العالمين من حوله، لا، لا يهون عليكم ذلك، اسمعوا، يقول المصطفى r فيما رواه مالك في موطئه وآخرون بأسانيد كثيرة صحيحة وقد زار البقيع قال: (ألا ليذادن رجال عن حوضي - أي ليطردن رجال عن حوضي - كما يذاد البعير الضال، أقول: ألا هلم ألا هلم فيقال: إنك لا تدري كم بدلوا من بعدك فأقول: فسحقاً فسحقاً فسحقاً).

لا أيها الإخوة أياً كنتم ومن أي صقع جئتم ومهما غُدِرَ بكم ومهما قيل لكم عن هذا البلد إنه إسرائيل أو إنه كذا، ومهما كانت المغريات المالية، لا، لا يمكن نهائياً أن تقبلوا أن تكونوا واحداً ممن يطردكم غداً رسول قائلاً: فسحقاً فسحقاً فسحقاً. أنا أعلم أنه لا يهون عليكم ذلك، ليس بينكم وبين الأمر سوى أن تعلنوا العودة إلى الحق، ليس بينكم وبين الاصطلاح مع الله ومع عباد الله سوى أن تعلنوا التوبة النصوح بين وبين يدي الله عز وجل لاسيما في ظل هذه الهدنة، لا، بل لاسيما في ظل هذه الأيام المباركة، لاسيما في ظل هذا اليوم الأغر، أنا لا أتصور أبداً أن إخوة لنا أياً كانوا، سواء كانوا أفراداً من الجيش أو من هؤلاء الذين يُسَمَّون الإرهابيين أو المسلحين، لا يمكن أن يقبلوا أن يكونوا غداً ممن يطردهم رسول الله بملء فمه قائلاً سحقاً سحقاً سحقاً.



تشغيل

صوتي
مشاهدة