مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 19/10/2012

عزاءٌ موجه للمحرومين من الحج

تاريخ الخطبة


‏‏‏الجمعة‏، 03‏ ذو الحجة‏، 1433 الموافق ‏19‏/10‏/2012‏

عزاءٌ موجه للمحرومين من الحج

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:

أعود فأحدثكم مرة أخرى عن هذه الأيام والليالي العشر التي أقسم الله عز وجل بها في محكم تبيانه إذ قال:

(وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ) [الفجر: 1 - 5]

أحدثكم عن هذه الأيام والليالي التي تمر بنا والتي نعيش في رحابها، هي الأيام والليالي التي تحدث عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه وهو يتحدث عن فضل هذه الأيام التي نمر بها: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله سبحانه وتعالى منه في هذه الأيام)، ولاحظوا أيها الإخوة أن رسول صلى الله عليه وسلم عَبَّرَ بأوسع كلمة جامعة وهي (العمل الصالح)، كلمة العمل الصالح تشمل فيما تشمل أولاً العبادات التي أمر الله عز وجل بها في محكم تبيانه وبينها رسول الله في الثابت الصحيح من سنته، ثم إن هذه الكلمة تحتضن وتشمل كل ما يصلح المجتمع الإنساني فرداً وجماعة إلى أن تنتهي هذه الأعمال الصالحة بإماطة الأذى عن الطريق كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما من عمل صالح يحقق الخير للإنسانية فرداً أو مجتمعاً يؤديه الإنسان ابتغاء مرضاة الله عز وجل إلا وضاعف له الله سبحانه وتعالى أجر ذلك أضعافاً لا تحصى، لا تتبين هذه الأضعاف إلا عندما نقف بين يدي رب العالمين سبحانه وتعالى. ولكن فلتعلموا يا عباد الله أن الله عز وجل بمقدار ما يزداد رضاً عن الأعمال الصالحة إذ يتقرب بها المؤمن في هذه الأيام إلى الله عز وجل فإن الله عز وجل يزداد سخطاً بقيام العبد بالسيئ من الأعمال، الأعمال التي تسيء إلى الإنسانية أو بالإعراض عن أوامر الله سبحانه وتعالى التي نص عليها في محكم تبيانه، بمقدار ما يكرم الله العبد إذ يعمل العمل الصالح في هذه الأيام يسخط الله عز وجل على الذي يسيء إلى الإنسانية في هذه الأيام، فما بالك باليوم الذي تُوِّجَتْ فيه هذه الأيام والليالي ألا وهو يوم عرفة وهو الوتر الذي أقسم الله عز وجل به، يوم عرفة وما أدراك ما هذا اليوم، لا أريد أن أطيل في الحديث عنه ولكن بوسعكم أيها الإخوة أن تنالوا كل ما فيه من أسرار وأن تتعرضوا لكل ما فيه من رحمات للإقبال فيه إلى الله بكل ما يمكن أن تقبلوا فيه من الأعمال الصالحة وفي مقدمة ذلك صيام ذلك اليوم، وقد في صحيح مسلم وغيره - أصحاب السنن كلهم - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صيام يوم عرفة أحتسب على الله عز وجل أن فيه كفارة سنة آتية وأن فيه كفارة سنة ماضية). هنا لابد أن أقول: إن لنا إخوة وأخوات كانوا يحلمون إلى ما قبل أيام قليلة بأن يكون لهم نصيب في استضافة الله سبحانه وتعالى لهم في رحاب مكة، كانوا يحملون بأن يغدوا ويروحوا إلى بيت الله سبحانه وتعالى في هذه الأيام طائفين مصلين راكعين ساجدين، كانوا يحلمون ليل نهار بأن تحتضنهم ذرا عرفة كما تحتضن الحجيج أجمع وبأن بوسعهم آنذاك أن يشكوا إلى الله شؤونهم ما وسعتهم الشكوى وأن يبكوا بين يدي الله ما وسعهم البكاء، كانوا يحلمون بهذا، وفجأة حيل بينهم وبين هذا الذي كانوا يحلمون به، وفجأة أوصد الباب الذي لم يوصد منذ بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذا اليوم في وجه هؤلاء الذي كانوا يحلمون بأن يكون لهم نصيب من هذه الطاعة، نصيب من هذه المقربة إلى الله سبحانه وتعالى، وأنا أريد في مقامي هذا أن أبلغهم تعزية أرجو أنها ستخفف من لواعج الألم الذي فاجأهم، أرجو أن تخفف هذه التعزية من لظى الخيبة التي مُنُوا بها، أقول وأرجو وآمل أن يسمعوا هذا الذي سأقوله: عبد الله بن المبارك رجل من كبار الصالحين بل من كبار الأولياء – ولا أتألَّى على الله – لا أستطيع أن أتحدث اليوم في هذا المقام عن مناقبه، يقول: كنت في العام الماضي حاجاً إلى بيت الله الحرام وفي ليلة من ليالي منى رأيتني في الرؤيا نائماً وعند رأسي اثنان يتحدثان يقول الواحد منهما للآخر: أتدري كم هم الذين قَبِلَ الله حجهم في هذا العام؟ قال الثاني: لا، قال: إن كثيراً منهم لم يقبل الله حجهم ولكن صفح الله عنهم جميعاً وقبل حجهم جميعاً بفضل موفق الإسكافي الشامي على أنه لم يحج، يقول عبد الله بن المبارك: فاستيقظت وليس لي هَمٌّ إلا أن أعود فأعثر على هذا الرجل وأعلم قصته والسبب في هذا الفضل العظيم الذي أكرمه الله به، واتجهت إلى الشام وأخذت أبحث وأبحث وأبحث وصبرت إلى أن عثرت على موفق الإسكافي الشامي، سألته ما خبرك مع الحج، أحججت؟ قال: لا، قال: فحدثني عن قصتك، قال: وما السبب؟ قال: حدثني فإن حدثتني فسأخبرك، قال له: أنا عملي إسكاف وكان من شأني منذ أول العامل أن أدخر كل ما يزيد من نفقات بيتي في مكان أرجو أن أحج به في نهاية العام أو الذي يليه إلى بيت الله الحرام، ولما دنا الموسم نظرت فوجدت أن المبالغ التي ادخرتها يمكن أن تفي بحاجتي إلى الحج إلى بيت الله الحرام، فأخذت أعد العدة، وبينما أنا عائد إلى الدار ذات يوم استقبلتني امرأتي وكانت حاملاً ونظرت فإذا برائحة الشواء تفوح في الدار، أعطتني وعاءً وقالت لي: اذهب فاطرق باب جيراننا وحدثهم عن وضعي وأنني بحاجة إلى شيء من هذا الشواء الذي تفوح رائحته، فأخذت الوعاء وطرقت الباب، خرجت امرأة وحدثتني من وراء الباب، قلت لها وحدثتها وطلبت منها أن تضع شيئاً من الشواء في هذا الوعاء، نظرت وتلبثت ثم قالت: سأعطيك ولكن دعني أخبرك عن قصتي وأنا مضطرة أن أخبرك عنها، فإن رأيت أن ذلك يصلح لكم أعطيتك، قال: ما القصة؟ قالت: مات زوجي منذ فترة طويلة ونفدت النفقة منذ أسابيع وأولادي يتضورون اليوم جوعاً ونظرت وإذا بالهلاك يطرق بابهم ويتهددهم، نظرت فوجدت على مقربة منا شاة قد نفقت وألقاها أصحابها، أخذت قطعة منها وجئت بها إلى البيت لأقدم لهم منها طعاماً يحميهم من الهلاك ويسد رمقهم، يقول الإسكاف: فرجعت وأنا ألطم وجهي، قلت في نفسي: هذه جارتي تعاني وأولادها من هذا السغب الذي كاد أن يوديهم إلى الهلاك وأنا أجمع المال من أجل أن أحج به إلى بيت الله الحرام، أخذت هذا المبلغ الفائض لدي كله وعدت فطرقت بابها وقلت لها: خذي هذا مالٌ أرسله الله عز وجل إليك، قال له عبد الله بن المبارك: أبشرك بأن الله لم يكتب لك أنت حجة فقط بل قبل حجة الحجيج أجمع بسببك أنت.

أقول لهؤلاء الإخوة والأخوات الذين وضعوا كل همهم في أن يكونوا حجاجاً في هذا العام إلى بيت الله الحرام، هَيَّأوا النفقة وهَيَّأوا الزاد وتهيأوا لهذا الذي كانوا يحلمون به فحيل بينهم وبين ذلك: ألا تريدون من وراء ذلك مرضاة الله، ألا تريدون من وراء ذلك الأجر العظيم المدخر لكم عند الله، افعلوا هذا فعله موفق الإسكاف يجعل الله عز وجل من حجكم كفارة لذنوب كثير من الحجاج الذين قد لا يقبل الله عز وجل حجهم، ألستم قد وضعتم نصب أعينكم أن تنفقوا هذا المال في التوجه إلى بيت الله الحرام حجاجاً؟ نعم قولاً واحداً، بوسعكم أن تتوجهوا به إلى ما يزيدكم أجراً عن الله عز وجل، ألا ترون الحاجات، ألا ترون النكبات، ألا ترون الناس الذين شُرِّدُوا من ديارهم، ألا ترون إلى البيوتات التي خُرِّبَتْ، ألا ترون إلى الناس الذين يلتفتون يميناً وشمالاً يبحثون عن شيء من المال يعودون به فيرممون به بيوتهم؟ عودوا أيها الإخوة والأخوات بهذا المال الذي عزمتم أن تحجوا به إلى بيت الله الحرام، عودوا به إلى هؤلاء المحتاجين وأنا الضمين وأنا الكفيل أن يكتب لكم الله عز وجل الأجر الذي كتبه لموفق الإسكافي، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

عباد الله: لعله قد بلغكم أن مشيخة في بلدة عربية مجاروة لنا أفتت على سمع العالم العربي والإسلامي أجمع بكفر سوريا وبردتها وبأن على العالم الإسلامي أجمع أن يتجه بقتالها في سبيل الله عز وجل وأن على الموسرين أن يقدموا العون لهؤلاء متمثلاً في مالٍ، متمثلاً في سلاحٍ يعينون به المقاتلين الذين يجب أن يتجهوا مجاهدين في سبيل الله أما الكفر أو الردة التي وقعت في سوريا.

والذي أريد أن أقوله أمران اثنان أيها الإخوة:

أولاً: ما هي المحكمة التي نطقت بهذا الحكم وعلام اعتمدت من رؤية رأتها أو كلام كفري سمعته أو شهادة من أناس شهدوا بهذا الكفر؟ وهذا ما نص عليه علماء الشريعة الإسلامية، ما هي هذه المحكمة التي نطقت بهذا الحكم؟ وعلى أي أساس من قولٍ سمعوه أو من فعل رأوه أو من شهادة شهود شهدوا بذلك؟

الأمر الثاني: أننا لم نر في هؤلاء الذين أُرْسِلُوا إلينا من قبلهم من ذَكَّرَنَا بالتوبة، من استنطقَنَا بالشهادة وإنما رأينا فيهم من يرتكبون الفواحش والموبقات، رأينا فيهم من يعكفون على المخدرات، رأينا فيهم من يسددون رصاص القتل إلى المصلين في صلاتهم، إلى الراكعين الساجدين أثناء توجههم إلى الله، رأينا فيهم من يقصدوا إلى دور العبادة من مساجد وكنائس يحطمونها، يلصقون بها أسباب الاتقاد وأسباب الاحتراق، وحسبكم نموذجاً لذلك ما جرى بالجامع الأموي الكبير في حلب من شناعات صارخة دوَّتْ على سمع العالم أجمع، قواذف اخترقت بها جدران المسجد، وُجِدَ من دخل باسم الجهاد إلى هذه المساجد بنعالهم القذرة، دُنِّسَتْ الفرش أيما تدنيس، توجهوا إلى خزائن المصاحف، حطموها، أخرجوا منها المصاحف وألقوها أرضاً، نعم ألقوها أرضاً، واتجهوا إلى الآثار النبوية المتمثلة في شعرات توارثناها من عصر الصحابة، أجل من عصر الصحابة، إلى هذا اليوم، شعرات النبي صلى الله عليه وسلم، أقبلوا إلى هذه الآثار النبوية فحطموها، أهذا هو مظهر الجهاد في سبيل الله؟! ومن العجب الذي يبكي وربما يضحك أن المجاهدين الذين أُرْسِلُوا إلينا يمعنون في بيوت الله وفي مقدمتها هذا الجامع الأموي تخريباً وتحريقاً وتمزيقاً وتدنيساً، والذين اتهموا بالكفر والردة لا يقر لهم قرار حتى يبدؤوا فعلاً بإعادة هذا المسجد الجامع إلى شأنه، لا يقر لهم قرار حتى يشكلوا اللجان المعنية والميزانية التي لابد منها والوسائل التي ينبغي البداءة بها منذ فجر حصول هذه النكبة وها هم ألاء يفعلون، أليس عجيباً أن يمعن المجاهدون في التخريب وأن يمعن الذين يُتَّهَمُونَ بالكفر بإشادة المسجد وعمارته، أغلب الظن، بل أقول أغلب الظن، أنا متيقن أن سوريا لو غرست في قلب إسرائيل سفيراً لها وأرسلت معه كتاباً إلى رئيس إسرائيل تصافيه الود وتغازله في الحب وتنعته بالصديق العزيز وتعده بتنفيذ كل ما تتطلع إليه إسرائيل من مصالح لها وحاجيات لها إذاً لعثر هؤلاء على إيماننا الضائع ولعثروا على إسلامنا وهويتنا التي كانت خفية ضائعة عنهم، على أن هويتنا لا تضيع وكيف تضيع ورسول الله قال عن الشام في حديث صحيح نعم: (هي خيرة الله من أرضه يجتبي إليها خيرته من عباده) هذه الشهادة نعتز بها.

ماذا بقي يا عباد الله؟ بقي أن أقول شيئاً أتوجه به إلى جيشنا العزيز الغالي أجل أجل العزيز الغالي بما أتوجه به إلى نفسي وإليكم إلى قادة هذه الأمة جمعاء أدعوهم قيادة وضباطاً وجنوداً إلى التوبة بين يدي الله سبحانه وتعالى، أدعوهم إلى الاصطلاح مع الله سبحانه وتعالى، أدعوهم إلى تنفيذ أوامر الله سبحانه وتعالى جهد الاستطاعة، أدعوهم إلى التسامي عن كل ما قد حرم الله سبحانه وتعالى، ألا فليعلموا أنهم أقرب الفئات كلها إلى لقاء الله، بينهم وبين الشهادة، بينهم وبين لقاء الله ربما دقائق فهم أحرى الناس بأن يتهيئوا للقاء الله بأن يتهيئوا للقاء الله عز وجل، أعدهم وأنا الضامن إن هم فعلوا ذلك أنهم سيكونون مصداقاً لكلام رسول الله القائل في الحديث الصحيح: (نُصِرْتُ بالرعب إلى مسيرة شهر) ولقد قال العلماء إن هذا ليس أمراً خاصاً برسول الله بل ينطبق عليه وعلى جنود المسلمين إلى يوم القيامة، فكونوا كما أقول لكم تكونوا ورَّاثاً لهذه المزية التي خص الله عز وجل بها رسوله، كونوا كما أقول لكم بل كما يقول الله سبحانه وتعالى ولسوف يكون كل منكم مصداقاً لكلام الله عز وجل:

(قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ) [التوبة: 14].

يا أيها الإخوة ألا فلتعلموا أن أعتى سلاح يرعب العدو هو سلاح الالتجاء إلى الله، لاسيما عندما يكون هذا الالتجاء صادراً مِنْ مَنْ؟ مِنْ مَنْ يواجهونهم، هذه هي كلمتي الأخيرة وليسمع الذين ينعتوننا بالكفر، وليسمع الذين ينعتوننا بالردة، لا يمكن أن نولي وجهنا إلى شطر الغرب، لا يمكن أن نولي وجهنا إلا إلى مرضاة الله عز وجل، وصدق الله القائل:

(اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ) [البقرة: 257].

هذا هو ولينا، محمد نبينا، ومولانا الله ولينا، أما هذه الفتوى التي لا نشك في أنها صدرت من البيت الأبيض الأمريكي وحظيت بتوقيع إسرائيل فلسنا منها في شيء، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.



تشغيل

صوتي
مشاهدة