مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 21/09/2012

أيهما الضامن لحرية المعتقد الإسلام أم العلمانية ؟

تاريخ الخطبة


‏‏‏الجمعة‏، 06‏ ذو القعدة‏، 1433 الموافق ‏21‏/09‏/2012‏

أيهما الضامن لحرية المعتقد الإسلام أم العلمانية ؟

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:

إن من أعجب المفارقات المذهلة أن كلاً من أمريكا والصهيونية العالمية وإسرائيل إذ يروجوا الكل لذلك الفيلم الساقط العاهر، ذلك الفيلم الذي اشتركوا جميعاً في صنعه، ذلك الفيلم الذي أفرغوا فيه ما شاؤوا من رجيع أحقادهم على الإسلام ونبي الإسلام وسائر الرسل والأنبياء، أقول: من المفارقات العجيبة أن هذا الثلاثي ذاته يوصي أو يأمر ما يُسمى بالقاعدة أن يقيم الدولة الإسلامية في سورية، وإنني لأقول: إن صح هذا النبأ فلا شك أن الدولة الإسلامية التي ستكلف القاعدة بإقامتها عندنا في سورية إنما ذلك الإسلام الذي صُنِعَ في ذلك الفيلم، ذلك هو الإسلام الذي تُكَلَّفُ القاعدة بإقامته في ديار الشام ولكأن ديار الشام غريبة عن الإسلام لم تُبْنَ فيها دولة الإسلام بعد، أي إسلام هذا الذي تُدْعَى القاعدة إلى بنائه؟ إنه الإسلام الذي تواجهك منه أنياب بارزة غليظة ومخالب حمراء متوثبة ضمن كتلة من السواد الفاحم المرعب المخيف، ذلك هو الإسلام الذي يحرص كل من أمريكا والصهيونية العالمية وإسرائيل على إقامته وأين؟ على إقامته في ربوع الشام في قلب الشام في سورية، أي إسلام هذا الذي يمكن للإرهاب الوهابي الذي تقوده فيما يبدو القاعدة، أي إسلام ذاك الذي يتجسد في ذبح المجاهدين للأطفال والنساء والشيوخ والناس البرآء الآمنين في سربهم، أي إسلام ذاك الذي يتجسد في اقتحام من يُسَمَّون المجاهدين في اقتحام البيوت على أصحابها وطردهم منها ليحتلوها ويجعلوا منها منطلق جهادهم، أي إسلام ذلك الذي يتجسد في التقاط فتيات عفيفات صالحات مستقيمات يُغْتَصَبْنَ، تُلْتَقَطُ الواحدة ويحاط بها ثم يتعاقب الكل واحداً واحداً إثر آخر لينال حظوته منها قبل أن تقتل، هذا هو الإسلام الذي تُكَلَّفُ القاعدة ببنائه، إسلام يقوم على دعائم الإرهاب والظلم والفحش وما إلى ذلك، إسلام ليس بينه وبين ما نتبينه في كتاب الله وما ورثناه من سنة وسيرة رسول الله r لا نتبين بينه وبينهما إلا علاقة النقيض بالنقيض. قيل لي: إن مجلة فرنسية نشرت صوراً كاريكاتيرية تسيء من خلالها إلى الإسلام وإلى مقام النبوة، قلت لهم بيقيني أن الصورة التي رسمتها المجلة ليست صورة الإسلام التي نتبينه في قرآن الله عز وجل وسيرة رسول الله وإنما هي صورة هذا الإسلام الزيف المكذوب به على الله سبحانه وتعالى، نعم، هذا ما بلغني وإنها لأعجوبة ومفارقة مذهلة بين الفيلم الذي أفرغ فيه أولئك العتاة كامل رجيع حقدهم على دين الله عز وجل وعلى رسول الله r ثم إنهم ليعودون ليكلفوا جنودهم وعبيدهم بإقامة الدولة الإسلامية.

وبعد أيها الإخوة: فإن في الناس من فكر ورأى أن الوسيلة التي يمكن بها تحصين بلدنا هذا سورية التي هي قلب الشام، الوسيلة الناجعة لتحصين شامنا هذه ضد هذا الإسلام الزيف المكذوب على الله عز وجل إنما هو إعلان النظام العلماني وإنني لأقول متسائلاً: وهل أتيح لهذه الوهابية، الوهابية التائهة عن دين الله سبحانه وتعالى، الوهابية الإرهابية هل أتيح لها في يوم من الأيام أن تقتحم سوريا؟ هل أتيح لها في يوم من الأيام أن تبيض وتفرخ في سوريا؟ نعم ها هي ذي قد غزت شمال إفريقيا وجهات كثيرة منها وها هي ذي قد غزت الخليج أو كثيراً من بقاعه وها هي ذي قد غزت كثيراً من بقاع إفريقيا لكن ما الفرق؟ أما تلك البقاع فتتمتع من الإسلام بعاطفة مشبوبة حارة ولكنها غير مقيدة العلم وضوابطه ولقد عشت ورأيت الحالة الإسلامية في الجزائر كذلكم الخليج، أما هنا فإسلامنا يتميز – ولعلكم جميعاً تعلمون – يتميز بالتالي: إسلامنا هنا ينبثق من ثقافة إسلامية راشدة تنبع من جذور الإسلام، تنبع من كتاب الله سبحانه وتعالى، ثم من سيرة حبيبنا المصطفى r، ثم مما كان عليه السلف الصالح، ومن هنا فلقد حاولت الإرهابية الوهابية أن تقتحم سوريا من هنا أو من هنا من النوافذ أو من الشقوق لم يتأت لها ذلك قط. ولكم أن تعلموا نموذجاً بل سبباً من الأسباب في ذلك، إن كلية الشريعة في جامعة دمشق عندما وضعت مناهجها روعي فيها هذا الجانب، روعي فيها أن تكون مناهج كلية الشريعة الإسلامية حصناً يُحَصَّنُ به الشاب المسلم ضد كل ما هو شارد عن كتاب الله، ضد ما هو كل مبتدع شارد عن هدي رسول الله r، هذه المناهج التي تنفذ اليوم روعي فيها هذا الأمر، أما تلك البقاع الأخرى فلم يُتَحْ لها إلا رأس مال واحد هو العاطفة، والعاطفة الإسلامية إن لم تنضبط بضوابط العلم الدقيق مع الإخلاص لله فإن هذه العواطف تتحول إلى عواصف، وقد تحولت العواطف الإسلامية في الجزائر قبل سنوات إلى عواصف كما تعلمون، لذلك أقول لهؤلاء الإخوة أنتم مخطئون خطأً قتالاً إن تصورتم أن العلمانية هي التي تحصن هذه البلدة ضد أخطار الوهابية الإرهابية، النظام العلماني يفتح المجال واسعاً لهذه الإرهابية ويعطيها الشرعية فيما تزعم للعمل بتهمة أننا بلدٌ ارتد عن الإسلام وأعلن علمانيته أي لا دينيته، إياكم مثل هذا النظام يرقص على أحلامه أولئك الإرهابيون الذين حدثتكم عنهم وعن إسلامهم، نعم. نعم العلمانية تعلن حرية الفكر والمعتقد لكنها تعلنها ولا تستطيع أن تدافع عنها، أما الإسلام فهو يعلن حرية المعتقد والفكر ضمن احتضان الإسلام له وتدافع عن هذا الأمر، هذا هو الفرق بين الأمرين، ما الضمانة التي تجعل حرية المعتقد والدين في ساحة العلمانية غير مهددة؟ ما الضمانة ألا نُتَّهَم من خلال ذلك بأننا قد ارتضينا الإلحاد بديلاً عن الإسلام؟ لا ضمانة، سنُظْلَم ولسوف نُتَّهَم ولكن لا سبيل، هنالك من سيؤخذون، هنالك من سيُخدعون، أما الإسلام فهو عندما يحتضن بنظامه وشرعته حرية الفكر والمعتقد يحتضن ذلك ويدافع عنه، لن يستطيع أحد أن يخترق الإسلام من أجل أن يصل إلى حرية المعتقد والدين ليخنق كلاًّ منهما، لن يتأتى له ذلك، نعم أيها الإخوة، على هؤلاء الإخوة أن يعلموا ما معنى شرعة الإسلام والنظام الإسلامي عندما يهيمن، لكي تعلموا ذلك انظروا الفتح الإسلامي الذي هيمن على بلاد الشام بعد أن طُرِدَ المستعمر الروماني منها، ألم يتنفس النصارى الصعداء، ألم يعثروا على حريتهم بعد أن فقدوها ردحاً طويلاً من الزمن، ألا تعلمون أن عدد النصارى ظلوا إلى الحروب الصليبية يساوون عدد المسلمين بل يزيدون في كثير من الأحيان، لماذا؟ لأن الإسلام الذي احتضن المذاهب الأخرى لم يرفع لواء حرية الفكر والمعتقد فقط، رفع اللواء ودافع عن هذه الحرية أيضاً، ينبغي أن تعلموا ذلك، تأملوا في الفتح الإسلامي الذي تم في مصر وتأملوا في سعادة الأقباط وكيف تنفسوا الصعداء وكيف كانت الحرب الدائرة عليهم قبل الفتح الإسلامي، مئة ألف من اليعاقبة النصارى قُتِلُوا في يوم واحد على أيدي الاستعمار الروماني فماذا كان موقف الإسلام؟ احتضن ولم يكن احتضانه للأقباط احتضان المتبوع للتابع لا بل كان احتضان الند للند، ولعلكم جميعاً تعرفون قصة القصاص الذي أخذه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لذلك الشاب القبطي من ابن عمر بن العاص لأنه ضربه بسوط قائلاً له: خذها وأنا ابن الأكرمين، أقول لإخواننا: لا تخطئوا إنه لخطأ قَتَّال، إن هؤلاء الإرهابيين الوهابيين ينتظرونها أن يُعْلَنَ نظام الدولة الإسلامي نظاماً علمانياً ليقولوا ها نحن ذكرنا لكم إنها دولة كافرة، إنها دولة مرتدة لأن العلمانية تعني في ترجمتها غير الدقيقة من الكلمة الأجنبية التمسك بالدنيا فقط والانصراف عن الدين أي النهج اللاديني، هذا المنزلق ينبغي أن ننتبه إليه وألا نضحي بجهود كثيرة بذلناها في ذلك، أجل. الدولة الإسلامية دولة يتمتع بها شخصية الاعتبارية، والدولة شخصية اعتبارية لا يمكن إلا أن تتصف بعقيدة شأنها كشأن أي إنسان، هذه الشخصية الاعتبارية لها معتقدها ولها يقينها عن الكون والإنسان والمكوِّن ولكن هل هذا المعتقد الإسلامي يظلم فئة على حساب فئة؟ أبداً، العقيدة الإسلامية بل النظام الإسلامي فلتعلموا أن العدالة التي تتألق بين المسلمين وغيرهم لا يمكن أن تجدها متألقة في حالة أخرى أو من خلال نظام آخر، لا تعطوا هؤلاء الإرهابيين الوهابيين حجة، إياكم، سوريا كانت وما تزال مثال الدولة التي تُعَلِّمُ العالم الإسلامي الإسلام الواعي، الإسلام المنتمي إلى جذعي كتاب الله وسنة رسول الله r، كانت ولا تزال الكعبة التي يقصدها المسلمون جميعاً لمعرفة الدين ولمعرفة حقيقة الإسلام، لئن كانت كعبة الله سبحانه وتعالى يُطاف من حولها عبودية لله فسوريا إنما هي الكعبة الأخرى التي يقصدها المسلمون لمعرفة دينهم المعرفة الحقيقية، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.



تشغيل

صوتي
مشاهدة