مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 14/09/2012

يريدون أَن يطفؤوا نور اللّه بأَفْواههم

تاريخ الخطبة


‏‏‏الجمعة‏، 27‏ شوال‏، 1433 الموافق ‏14‏/09‏/2012‏

(يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ)

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:

لو أن الإسلام كان نسيج فكر أو فلسفة إنسانية لتحول منذ زمن بعيد إلى أحدوثة تُرْوَى ولتحول إلى نبأ تاريخي طواه التاريخ ونسيه المؤرخون، ذلك لأن شمس البعثة النبوية ما كادت تبزغ في الجزيرة العربية حتى بدأت سلسلة العداوات والمؤامرات والتربصات وأنواع الكيد لهذه الرسالة السماوية التي هي جذع الرسالات السماوية كلها، ما إن بزغت شمس النبوة في الجزيرة العربية حتى تألَّبَ ثلاث امبراطوريات كانت إليها قيادة العالم آنذاك توجهت إلى هذه الرسالة بالكيد والمؤامرة ولكن ما هي إلا سنوات حتى امتدت السحب الداكنة على تلك الحضارات كلها وطويت بعد انتثار وانتشار وغزت شمس الحضارة الإسلامية بقاع العالم وآفاق الدنيا كلها. جاءت الحملات الصليبية تترى، ولكن ما هي العاقبة التي ينبغي أن تلفت أنظارنا إليها بعد عقود من الزمن رجع أولئك الذين أقبلوا إلى هذه الأرض المباركة محاربين وغزاة، رجع كثيرٌ منهم يحمل شعلة الإسلام ويعرف الفرنجة في بلاد المغرب بالإسلام ويدعوهم إلى معرفة والإقبال إليه.

وأقبل المغول من الشرق يحدوهم حقد نيارني عجيب قاصدين إلى أن يخنقوا الحضارة الإسلامية الإنسانية في مهدها من حاضرة الخلافة الإسلامية وأن يغرقوها في مياه دجلة الغامرة، فماذا كانت النتيجة يا عباد الله؟ لا الإسلام ولا الحضارة الإسلامية اختنق أيٌّ منهما ولا دجلة أغرقت أيٌّ منهما، وعاد الإسلام يعلو ويعلن عن ذاته فوق أرفع وأعلى ذروة من ذرى هذا الكوكب الأرضي الذي نعيش فيه. واستمرت العداوات تترى متجهة إلى دين الله عز وجل دون أن يكون رجع تلك العداوات إلا على أصحابها، واهتاجت زوابع ولكن النقع الذي حملته تلك الزوابع لم يرجع إلا إلى رؤوس أولئك المتربصين بالإسلام.

وبالأمس لم تنسوا بعد قصة الصور الكرتونية التي تطاول بعض الناس بها على دين الله سبحانه وتعالى - ولا أقول أساؤوا كما يقولون، ليس في الدنيا من يملك أن يسيء إلى رسول الله أو إلى الإسلام لكنهم تطاولوا بذلك - واستقبلت أوروبا كيدهم بالترحيب، ونُشِرَتْ هذه الصور هنا وهناك، ولكن فماذا كانت العاقبة بالنسبة للإسلام ذاته؟ اتجه كثيرٌ من الغافلين عن الإسلام في الدانمارك إلى الإسلام يدرسونه ثم إنهم استأنسوا به ثم إنه اعتنقوه، وفي مؤتمر حضرته عُقِدَ في بلدة من بلادنا العربية والإسلامية دُعِيَ إليه جَمْعٌ من مثقفي وعلماء الدانمارك، نظرت وإذا فيهم مسلمون لم يجرهم إلى الإسلام إلا هذا الكيد الذي فُوْجِئُوا به، قامت بينهم أستاذة في جامعة من جامعات الدانمارك كانت حاملة، قالت: لم أتشرف بعد بالإسلام ولكني على يقين بأن هذا الطفل الذي أحمله في أحشائي سيولد مسلماً.

واليوم أصرت أمريكا إلا أن تعلن عن حقدها متجاوبة في ذلك مع أحقاد الصهيونية العالمية ومع أحقاد إسرائيل ولم يجدوا أن ينفثوا رجيع حقدهم إلا في ذلك الفيلم الذي سمعتم عنه، فما الذي جرى؟ لقد قاؤوا رجيع حقدهم في أحداث ذلك الفيلم ولكن فماذا كانت عاقبة ذلك الرجيع؟ لقد عاد تتضمخ بذلك الرجيع وجوه أولئك الذين أنجزوه ومثلوه وأخرجوه، هذا هو الذي حصل وصدق الله عز وجل القائل:

(يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [التوبة: 32].

فهل الإسلام يا عباد الله نسيج فكر صاغته عقولٌ بشرية؟ من ذا الذي من العقلاء - لا أقول من المسلمين - يتصور أن هذا الدين أو هذه الرسالة التي اخترقت مؤامرات المتآمرين وكيد الكائدين وعدوان المعتدين، اخترقتهم جميعاً إلى يومنا هذا وهي في أوج الانتصار، وهي الشمس المتلألئة التي تنشر وتنثر ألقها ونورها في آفاق الدنيا أجمع، أيمكن أن يكون الإسلام الذي جذع - أقول هو جذع - الرسالات السماوية كلها هل يمكن أن يكون الإسلام نسيج فكر إنساني؟ هذا أول ما ينبغي أن نعلمه لنزداد يقيناً بأن قرآننا إنما هو كلام الله وبأن إسلامنا الذي يحتضن الرسالات السماوية كلها إنما هو شرعة الله التي تنزلت علينا من سماء رحمته وشرفنا الله سبحانه وتعالى به ديناً إلى أن يُحْشَرَ الناس ويقفوا بين يديه. أقول لكم يا عباد الله فلن يضيره كيد الكائدين قط، وليس الإسلام في هذا الذي فعله هؤلاء الحاقدون إلا كما قال ذلك الشاعر:

وناطح صخرة يوماً ليوهيها فلم يضرها وأوهى قرنه الوعر

إنكم لتلاحظون - أو ينبغي أن تلاحظوا - أن الذين أخرجوا هذا الفيلم إنما عبروا به عن أحقادهم ولكن ها هو ذا رجيع الأحقاد قاؤوه داخل هذا الفيلم، وها أنتم ترون كيف أن هذا الرجيع عاد خضاباً خُضِّبَ وجه هؤلاء الذين اشتركوا في إخراج هذا الفيلم وتمثيله والدولة التي احتضنته وصفقت له وباركته، ولكن الأمر الذي يحز في النفس هو أننا نلتفت يميناً وشمالاً، لا أقول نبحث عن الإسلام فالإسلام موجود لا تُكْسَفُ شمسه ولا يمكن لأي أثر من سحابة أن تسري على وجهه ولكني أبحث عن المسلمين الذين شرفهم الله عز وجل بهذا الإسلام وحملهم رسالته أين هم بل أين يقفون من تحمل رسالة الإسلام، قال لهم الله:

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) [الحجرات: 10].

وليت أنهم سكتوا ولكنهم صرخوا قائلين: بل نفسد ما بيننا وبين إخواننا المسلمين ولا نصلح.

وقال لهم الله سبحانه وتعالى:

(وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ) [آل عمران: 103].

وقال قائلهم: بل إنا عزمنا على أن نتفرق وعزمنا على أن نجعل من الأسلحة حارساً لهذه الفرقة التي ينبغي أن تدوم ولا تنقضي.

وقال لهم رسول الله r: (المؤمنون في توادهم وتحابهم كالجسد الواحد إذ اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).

قالوا: أما نحن فلسوف نصر على أن يكون كل عضو من هذا الجسد حرباً على العضو الآخر. يا عجباً، مسلمون ويحاربون أوامر الله، وليت أنهم سكتوا.

ويقول لهم ربنا سبحانه وتعالى:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) [آل عمران: 118].

ويقول قائلهم كما تعلمون: بل سوف ندير ظهرنا إلى هذه الوصية ونمد يد المودة والولاء لأعداء الله عز وجل وأعدائنا، وليت أنها مودة نِدٍّ لِنِدٍّ، لا، بل أصروا إصرارهم على أن يكونوا سدنة يخدمون طغيان الطغاة، وأنتم تعلمون ذلك

يقول لهم الله:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ) [الممتحنة: 1].

ويقول قائلهم: ليس لنا مصطفى نصطفيه للود إلا هؤلاء الذين يحذرنا الله من موالاتهم.

ألا ترون إلى ذلك؟ ألا ترون إلى واقع المسلمين يا عباد الله كيف يولي البعض منهم ظهره للبعض من إخوانهم ثم يقبلون بالمودة والخدمة لسادتهم الذين يطوفون حولهم ولا طواف المؤمن بكعبة الله سبحانه وتعالى. نعم هذه هي المصيبة. قالوا وكرروا القول: ما للأفراد والأمشاج من الغربيين لا الحكومات ضاعفوا من كيدهم للإسلام وسخريتهم به على مستوى المقالة التي تنشر وعلى مستوى الفنون السينمائية وليس هذا أول وآخر نموذج وعلى مستوى الكاريكاتير التي لا تخلو منه الصحافة الأوروبية والأمريكية لماذا؟ قلت لهم ولماذا لا تتوقعون ذلك؟ وهل الأمر خاص بأولئك الناس؟ هل تأملتم فوجدتم أن سخرية المسلمين بإسلامهم أقل خطورة من سخرية أولئك؟ عندما أقول لأحدهم إن رسول الله يقول لك: (من خرج من أمتي على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى مؤمنها ولا يفي بذي عهدها فليس مني) فيجيبني: هذا الكلام لا يصلح في هذا الوقت. لماذا تتعجب من أن يتربص أولئك الناس بإسلامنا ويتهجم عليه عن طريق المقالة والكاريكاتير ونحو ذلك ولا تتعجب من هذه السخرية بل من هذا التعالي على رسول الله r؟ إذا كان المصطفى r يقول لنا في وصيته الغالية قبيل وفاته: (لا ترجعوا بعدي ضُلالاً - أو كفاراً - يضرب بعضكم رقاب بعض) وينظر أحدنا إلى هذا الكلام ثم يقلي به وراءه ظهرياً لينفذ المزاج الذي في رأسه، وليت أنه مزاج شخصي، لا، لينفذ ما قد أخذ عليه الأجر السخي ووضعه في جيبه، أعطني الأجر ثم مرني بعبادة الشيطان أفعل ما تريد. وما أيسر أن يضع هذه العبادة للشيطان في قالب الإسلام، وما أيسر أن يضعه في أسلوب وفي طريقة إسلامية تدين للمزاج وتخضع للفكر ومصلحة الجيب، أليس كذلك؟ هذا هو واقعنا فلماذا نعجب من أن يزداد الغرب سخرية بنا وبديننا عندما ينظرون فيجدون أننا سبقناهم إلى ذلك، هل من العجيب أن يقتدوا بنا، هل من العجيب يا عباد الله، أليس فيكم من نظر إلى الكاريكاتير الغربي وهو يعبر عن سخريته بقادة كثيرٍ من المسلمين اليوم، أليس فيكم من قرأ أو نُقِلَ له بعض ما كتبته الصحف الغربية سخرية بالمسلمين، ولا شك أن السخرية بالمسلمين تجر إلى السخرية بالإسلام. على كل حال ينبغي أن أقول أيها الإخوة: أما دين الله عز وجل فلن يُشَاكَ بشوكة، وأما الزوابع التي ارتفعت بسبب عداوة المعتدين وبغضاء الحاقدين وما إلى ذلك فلا والله لن يعود نقع هذه الزوابع إلا إلى رؤوس أولئك الأعداء، إلا إلى رؤوس أولئك الحاقدين على دين الله، هذه حقيقة.

ثم إني أقول: إننا عندما نطلب من هذه الدولة التي احتضنت هذا الفيلم القذر الذي يعبر عن هذا الحقد والتي تفوح رائحة رجيعه عندما نطالب هذه الدولة التي احتضنت هذا الفيلم بإنزال العقاب على الذين أساؤوا لا إلى الإسلام فقط ولا إلى المسلمين فقط بل أساؤوا إلى كل من يقدس دين الله سبحانه وتعالى ذلك لأن الإسلام كما قلت لكم هو جذع الرسالات السماوية التي تنزلت على عباد الله في الأرض، نعم، يجب على هذه الدولة وهي تزعم أنها ديمقراطية وإن جزءاً من الديمقراطية حراسة مشاعر الناس، حراسة قدسية الدين أن أقول: فليكن ذلك أسوة بقدسية اليهود وإسرائيل، أن أقول: فلتكن ذلك أسوة بقدسية السامية التي تنظر أمريكا بعشرة عيون بل بمئات العيون على كل من يسيء إليها بكلمة، نعم، ولكن في الوقت ذلك نحذر من ردود الفعل، عندما نتحدث عن العقاب نلجأ إلى حضارتنا الإسلامية، عندما نتحدث عن العقاب نُذَكِّر بحضارتنا الإسلامية التي تمزج العقاب العدل بل تجعل العدل سلطاناً يهيمن على العقاب، نذكر أنفسنا ونذكر إخواننا ونذكر المسلمين جميعاً بقول الله عز وجل:

(وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة: 8].

هكذا نفهم رسالتنا السماوية وهكذا نتعامل معها، أما ردود الفعل فهي شاردة عن أوامر الله، ليس لنا شأن بسفارة، ليس لنا برجل قد لا تكون له أية علاقة بهذه الجريمة التي وقعت

(وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) [الأنعام: 164].

ولكنا بمقدار ما نحذر من ردود الفعل فإننا نأمر ونذكر بضرورة إنزال العقاب، هذا شيء، وذاك شيء آخر؛ موقعنا من الإرهاب ومن الظلم الذي يستشري موقف واحد لا يعلم ألواناً متعددة حسب المكان وحسب الزمان، نحن نتربص بالإرهاب ونحذر منه عندما يمارس عمله هنا ونحذر من الإرهاب ونحاربه عندما يمارس عمله في أمريكا أو في أي بقعة أخرى، لا نعلم، ديننا لم يربنا على أن نكيل الحق بمكيالين، ديننا لم يربنا على الدجل، ديننا لم يربنا على النفاق، هذه هي الحقيقة التي تدعونا للاعتزاز بإسلامنا وبديننا ولله عز وجل عاقبة الأمور، أقول قولي هذا وأستغفر الله.



تشغيل

صوتي
مشاهدة