مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 31/08/2012

أوامر إلهية يمارس منها النقيض

تاريخ الخطبة


‏الجمعة‏، 14‏ شوال‏، 1433 الموافق ‏31‏/08‏/2012

أوامر إلهية يمارس منها النقيض

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:

منذ عشرات السنين يتم التحضير للحملة الصليبية التاسعة، ولعلكم تعلمون أن الغزو الصليبي كان عبارة عن سلسلة حملات متتالية انتهت بالحملة الثامنة، ولعلكم تعلمون أيضاً أن لم يكن لاسم الصليب ولا لمضمونه أي دور في الدفع إلى تلك الحرب أو تلك الحملات وإنما كان الدافع الطمع بالخيرات التي كانت تتمتع بها الأمة العربية والإسلامية آنذاك والطمع بخنق الحضارة الإسلامية التي كانت تغزو بنورها ظلمات المجتمعات الأوروبية آنذاك، ولكن أمريكا تصر أن تكون القيادة في هذه الحملة التاسعة لها، ومنذ عقدين من الزمن أستطيع أن أأكد أن هذا المشروع دخلت مقدماته في طور التنفيذ، ولكن أمريكا أصرت على أن تستأجر من ينوب عنها في هذه الحملة وفي التوجه إلى قتال المسلمين، وعجمت أمريكا سهامها وعيدانها واستعرضت خدمها وأعوانها فلم تجد خيراً من أن تستأجر المسلمين لقتال المسلمين في هذه الحملة الصليبية التاسعة، هذه حقيقة يستطيع أن يتبينها كل من يتتبع الأحداث. والذي يجري يا عباد الله اليوم إنما هو السعي الحثيث إلى تنفيذ هذه الحملة الصليبية التاسعة بقيادة أمريكا ولكنها تقف في الظل بعد أن استأجرت من وجدت أنهم قادرون على أن ينفذوا ما تراه دون أن تراق قطرة دم لجندي أمريكي، ها أنتم ترون هذه الحرب أو هذه الحملة التاسعة كيف بدأت ولكنها غُطِّيَتْ بعنوان آخر، الشرق الأوسط الكبير - وكلمة كبير هنا من الأضداد اللغوية كما قالت العرب - فالمراد بالكبير هنا نقيض الكلمة أي الشرق الأوسط المتفتت، وسموا هذه الحملة التاسعة مرة أخرى بالربيع العربي، والكلمة من خداع العناوين، ومعنى الربيع العربي الإعصار العربي المدمر، وها أنتم ترون يا عباد الله كيف غطيت أو تغطى اليوم هذه الحملة التاسعة أو هذه الحرب الصليبية التاسعة بكل أغلفة الإسلام، بكل عناوينه، بكل مبادئه من أجل أن يتسنى أن يقال إنها الجهاد الإسلامي المقدس، ولكن كيف السبيل وكيف استطاعت أمريكا أن تتخذ من المسلمين جنداً لها تستأجرهم في هذه الحرب؟ كيف يمكن للجسد الواحد أن ينقسم إلى شطرين فيكون الواحد منهما حرباً على الآخر؟ أم كيف يمكن للأعضاء المتآلفة المتعاونة أن تنقسم هي الأخرى إلى شطرين فتتعادى وتتخاصم وتتهارج؟ شعرت أمريكا بهذه المشكلة فاستعانت بمجلس الأمن القومي الأمريكي، كان ذلك عام واحد وتسعين وتسعمائة وألف وتحدث أعضاء هذا المجلس وبحثوا عن الحل وانتهوا إلى الحل وأودعوا حلهم هذا تقريراً صدر آنذاك، بقي هذا التقرير خفياً في الأدراج لعدة سنوات، ثم إن الله عز وجل شاء أن تلتقطه الصحافة الأمريكية، ثم أن تلتقطه الصحافة الأوروبية، ثم أن يتسرب إلى الصحافة العربية، فماذا يقول هذا التقرير في حل هذه المشكلة؟ يقول بعد المقدمة: هنالك عدة بنود ينبغي العمل عليها من أجل تقسيم المسلمين إلى فئتين، فئة تستأجرها أمريكا لتحارب المسلمين الآخرين، البند الأول: ضرورة إثارة التناقضات في الفكر والمعتقدات الإسلامية، البند الثاني يقول: ضرورة تأليب المسلمين بعضهم على بعض بناءً على هذه التناقضات التي يجب استثارتها أو اختلاقها، البند الثالث: ضرورة الإيقاع بين المسلمين وغير المسلمين، إلى آخر البنود الثمانية فيما أحسب. نعم هكذا حُلَّتْ المعضلة، إثارة التناقضات في المعتقدات الإسلامية ومن ثم جعل المسلمين يتألّب بعضهم على بعض انتصاراً لهذه التناقضات التي يجب العثور عليها. ها أنتم ترون مصداق هذا الذي يجري اليوم، إنها في الحقيقة حملة صليبية تاسعة، ولقد قلت لكم: لا الصليب ولا مضمون الصليب لم يكن له دور في هذه الحرب لا بالأمس ولا اليوم، وها أنتم ترون كيف تغطى هذه الحرب بكل الأغلفة الإسلامية، بكل العناوين الإسلامية، بكل المبادئ الإسلامية، في حين أنها في الحقيقة تمزق الإسلامَ - معتقداته، شرائعه - شر ممزق ولكن تحت غطاء الجهاد الإسلامي، والجهاد الإسلامي إذا ارتفعت رايته لابد أن يكون أمام المجاهدين من ينبغي أن يُقَتَّلُوا، وفيم يُقَتَّلون؟ لابد من اتهام الكفر، إذاً فلكي تكون هذه الحرب جهاداً إسلامياً مقدساً ينبغي أن يوجد من يُكَفَّر من أجل أن تدور رحى هذا الجهاد المقدس على هؤلاء الناس، والواقع أنه تمزيق عجيب لا عهد للتاريخ به للشريعة الإسلامية ومشرعها، يقول بيان الله سبحانه وتعالى:

(مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) [المائدة: 32].

ويقول المستأجَرون لهذه الحرب: بل سنتقل ونسفك دماء ونذبج وباسم الله نذبح.

ويقول البيان الإلهي:

(وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) [النساء: 93].

ويقول قائلهم: لابأس، سنذبح البرآء متعمدين وباسم الإله الذي منع نذبح.

ويقول الله سبحانه وتعالى:

(وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا) [الأعراف: 56].

ويتحدث عن أناس، يتحدث عن نموذجهم قائلاً:

(وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ) [البقرة: 205].

ويقول قائلهم: أما نحن فنحب الفساد، ها نحن نجتث الأجشار والخضرة من الحدائق والبساتين ونعيد الأرض الخضراء الممرعة إلى أرض قاحلة يباب، وها نحن نفجر أنابيب المياه وأنابيب الغاز وأنابيب البترول وننسف السكك ونهدم البيوت ونحرقها، لئن كان الله لا يحب الفساد أما نحن فنحبه. هذا هو لسان الحال إن لم يكن هو اللسان الذي يُهْمَسُ به في الخلوات، أجل.

ويقول الله سبحانه وتعالى:

(وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [النساء: 94] تبتغون الدولاء تملؤون به جيوبكم (لاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً) ويقول قائلهم: بل سنكفر ونقول له لست مؤمناً، وها نحن نُكَفِّر رشاً لا دراكاً، ها نحن نُكَفِّر.

عباد الله: قرأت في التاريخ، قرأت كثيراً فلم أجد فيمن ناصبوا العداء لدين الله من سخروا منه سخرية أوقح وأغرب من هذه السخرية التي تجري اليوم لدين الله سبحانه وتعالى، لشريعته بل بالمشرع، هذا ما يتم، وكل هذا يتم بالنيابة عن البيت الأبيض إن جاز التعبير، يتم بالنيابة عنه، هنالك عقد استئجار، أما نحن فماذا نقول يا عباد الله: إن كانت هنالك نسبة ما لهؤلاء الذين استؤجِروا لإيقاد الحملة التاسعة من الحملات الصليبية، إن كانت هنالك علاقة ما تتمثل في خيط واهٍ دقيق بينابيع الإسلام المتمثلة في القرآن، في سيرة رسول الله، في سيرة أصحاب رسول الله فها أنا أقول لكم ولهم: هل كَفَّرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الناس سوءاً إليه؟ لو كان مكفِّراً لأحد لكان أولى من ينبغي أن يكفِّره ذاك الذي قال عنه وعن أصحابه: ما أرانا وجلابيب قريش إلا كما قال المثل سَمِّنْ كلبك يأكل، فهل كفَّره؟ لم يكفِّره، صلى عليه عندما مات.

في عصر الصحابة تكاثرت الفرق الإسلامية الشاردة عن منهج أهل السنة والجماعة، الجهمية، المرجئة، الحشوية، القدرية، الخوارج، إلى آخر ما هنالك، هل سمع أحد منهم أو أحد منكم أن في أصحاب رسول الله من كَفَّر فرقة من هذه الفرق؟ معاذ الله، إن كان هنالك من سمع فليأت بشاهده وليحدثنا عمن كَفَّرَ ومن كُفِّرَ. علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه، ذاك الذي مُنِيَ من الإيذاء ما مُنِيَ به عن طريق الخوارج، سأله بعض أصحابه عن هؤلاء الخوارج من هم فقال لهم: هم إخواننا بغوا علينا، لو جاز لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه أن يُكَفِّر أحداً لكَفَّر أولئك الذين قتلوه.

أحمد بن حنبل ذاك الإمام المبجل الذي يزعم كثير ممن استأجرتهم أمريكا أنهم أتباع له هل كفَّرَ أولئك الذين كانوا سبباً في المحنة التي دارت رحاها عليه؟ كم وكم أوذي. الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه ورحمه الله عندما ارتفعت عنه المحنة وعاد إلى سدة المجد واعتذر له من اعتذر له وكان ذلك في عهد الموكل قال له بعض أصحابه: ألا تدعو الله على ابن أبي دؤات - وهو رأس من رؤوس الاعتزال - قال: ماذا ينفعك أن يعذب أخوك في النار من أجلك؟ ورفع يديه يسأل الله سبحانه وتعالى الصفح والمغفرة والعفو لأولئك الناس.

إسلامنا الذي ورثناه من قرآننا ومن نبينا وحبيبنا محمد ومن أصحابه البررة الكرام ومن أتباعهم هذا هو. أما إن كانت هنالك أمور مناقضة مختلفة فإنما طُبِخَتْ في مجلس الأمن القومي عام واحد وتسعين، نعم طُبِخَ ذلك كله في تلك البنود، البند القائل: يجب إثارة تناقضات - التناقضات الفكرية والعقائدية - داخل العقيدة الإسلامية، البند الثاني: يجب تأليب المسلمين بعضهم على بعض عن طريق هذا التناقض، البند الثالث: يجب توغير صدور المسلمين على الآخرين على غير المسلمين، بينما يقول ربنا:

(لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [الممتحنة: 8].

عباد الله: الناس مشرقون أو مغربون يستطيعون أن يتلاعبوا لأناس من الناس بالإسلام، أما نحن في هذه البلدة المقدسة التي أقامنا الله عز وجل فيها فإسلامنا محصن بالوعي، إسلامنا محصن بالإخلاص لدين الله، إسلامنا محصن بما بيننا وبين هذه الأرض المقدسة ومولانا وخالقنا الذي اجتبانا للإقامة فوق هذه الأرض المقدسة، لا يمكن، عندما يُخدع الناس عن حقيقة الإسلام فتنزلق منهم الأقدام ذات اليمين وذات الشمال نحن نظل محصنين في كتاب الله، نظل محصنين في سنة رسول الله، نظل محصنين فيما كان عليه السلف الصالح، نحن السلفيون الذين لا نخرج عن نصوص كتاب الله، لا نخرج عن هدي رسول الله، لا نخرج عن هدي أصحاب رسول الله، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.



تشغيل

صوتي
مشاهدة