مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 19/08/2012

خطبة عيد الفطر : الدعاء غاية وليس وسيلة

نعتذر عن رداءة الصوت

بسبب عطل فني طارئ

تاريخ الخطبة

‏‏‏الأحد‏، 1 شوال‏، 1433 الموافق ‏19‏/08‏/2012‏

الدعاء غاية لا وسيلة

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.

الله أكبر من يبتلي ويجبر، الله أكبر يحكم ويرحم، الله أكبر يأخذ ويعطي، الله أكبر إليه المرجع والمآب، الله أكبر من ظلم الظالم، الله أكبر من طغيان البغاة والطغاة، الله أكبر من كيد الكائدين ومكر الماكرين، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.

سبحان الله العلي الأعلى الوهاب، سبحان الله المسبَح بكل لسان، سبحان الله المسبَح بكل مكان، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.

الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالمين أجمع بشيراً ونذيراً، اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها الإخوة ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.

أما بعد فيا عباد الله، بالأمس دعونا الله عز وجل وألحفنا في الدعاء أن يكرمنا الله عز وجل بهديتي الصوم والعيد، ولسوف نظل ندعو بذلك أيضاً، ولكن أخشى أن يكون في الناس من يربط الدعاء الذي نلتمسه ونتقرب به إلى الله عز وجل أخشى أن يكون في الناس من يربطون هذه الهدية التي نلحف بالدعاء متوجهين إلى الله بها بالصوم وبما قد وفقنا الله عز وجل له من قيام لياليه ومن الإقبال على تلاوة كتابه، أخشى أن يكون في الناس من يتصور أننا إذ ندعو الله عز وجل إنما نطلب منه هذا مقابل ذاك، وهذا ما ينبغي أن يكون، ليس هذا شأن العبد، نحن عندما ندعوه ونلحف بالدعاء أن يكرمنا الله عز وجل بالنعم وبهدية هذا الشهر وغير ذلك فإننا لا نبتغي أن يكون هذا جزاءً نطالب الله به مقابل صومنا مقابل عباداتنا، نحن عندما عاهدنا الله عز وجل من منطلق عبوديتنا له، عندما عاهدناه على أن نسير على النهج الذي شرع وعلى أن نلتزم بما أمر وننتهي عما نهى لم نعاهده جل جلاله على هذا بشرط، ليس العهد الذي أخذه الله عز وجل علينا وأخذناه على أنفسنا ليس مشروطاً بأي شرط كما هو الشأن بالنسبة للعهود والمواثيق التي تكون بين الناس بعضهم مع بعض يتواثقون مقابل، لكلن واجب يدفعه وحق يقوم به، هذا شأن الناس بعضهم مع بعض أما ربنا جل جلاله فلقد عاهدناه على أن نمارس عبوديتنا له بدون شرط بدون أي قيد، ونستمر على العهد ونطبق ما قد التزمنا به سواءً أعطانا ما نريد أو لم يعطنا، استجاب دعاءنا أو لم يستجب، أكرمنا أو منعنا، بكل الأحوال نحن عبيد وفي كل الظروف نحن مكلفون بأن نؤدي ضريبة العبودية الكامنة في أعناقنا لله سبحانه وتعالى، ينبغي أن نعلم هذا ونحن عندما نقرن دعاءنا في نهاية شهر رمضان بالصوم فإنما نقرن لان الله هو الذي قرن، لأن الله عز وجل هو الذي وعد عباده الصائمين أن يكرمهم في نهاية هذا الشهر بهدية الصيام، هو الذي قرن فنحن إنما نقف صيامنا هذا بوعد الله عز وجل لنا بناءً على حبه لنا وليس بناءً على الطلب منا، هذه نقطة هامة جداً في أمور العقيدة ينبغي أن نتبينها.

فلا يقولن قائل ها نحن صمنا وها نحن صبرنا على شهر الصوم والجوع والظمأ وها هو ذا لم يعطنا الهدية التي طلبناها وألححنا عليه بإعطاءه إيانا، طلبنا منه الفرج بعد هذه الشدة وألححنا بالدعاء، أين هي هذه الهدية؟! لا يقولن قائل هذا، نحن ندعوه لا على وجه الطلب مقابل شيء بذلناه، ولكننا ندعوه لأن الدعاء شأن العبيد، لا تتجلى عبودية الإنسان لله ولا تفوح رائحتها في حالة من الحالات كالحالة التي يقبل العبد بها إلى الله متمسكناً متذللاً متضرعاً يرجوه يسأله، فإن أعطى حمدناه وشكرناه وإن لم يعطي عرفنا وأيقنا أن الله عز وجل حكيم ورحيم، وعرفنا أننا عبيد في كل الأحوال، لنا أن نطلب وأن ندعو وعلينا أن نستجيب لأوامره في كل الأحوال، لا أقول علينا أن نصبر فقط بل علينا أن نرضى، أن نرضى بما قد قدر الله عز وجل وقرر، ولو أن الإنسان مارس عبوديته لله حقاً لتفجرت من مشاعر عبوديته لله مشاعر الحب لله عز وجل، وعندما يرقى العبد إلى مستوى المحبة لله بكل الأحول وفي كل الظروف فإنه يصل إلى أوج من السعادة لا يستطيع أن يصفها البيان ولا أن يترجمها اللسان، ينبغي أن نعلم ذلك.

أيها الأخوة، نحن مملوكون أم مالكون؟ الجواب أننا مملوكون لواحد لا ثاني له، والمملوك لا يستطيع أن يمتلك شيئاً، بل المملوك لا يستطيع أن يقرر شيئاً، المملوك مهمته الطاعة والخضوع لمولاه وخالقه سبحانه وتعالى، ثم شأن العبد للخالق عز وجل أن يعلم يقيناً أن كل ما يأتيه من عند الله عز وجل هو خير، فإما أن يتبين له مظهر خيرية هذا الشيء وإما أن لا يتبين له، كما يوضح ذلك ربنا في محكم تبيانه، كلما يفد إلينا من عند الله نعمة يا أيها الأخوة، لكن في نعم الله عز وجل ما هو مستبطن لا يتبين لنا مظهره وفيه ما هو ظاهر، ألم تقرؤوا قوله:

(وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) [لقمان: 20]

فالابتلاءات نعمة والمصائب التي تطوف بنا نعمة، والفتن التي يبتلي الله عز وجل بها عباده بين الحين والآخر نعمة، لكنها نعم باطنة لها آثار حميدة لا نتبينها، والمحب لله عز وجل يخضع لسلطانه ويتلقى ما يأتيه من عند الله عز وجل راضياً ولا أقول صابراً فقط بل راضياً، هذا هو شأن العبد وهذا هو موقفه، ولكنا في الوقت ذاته نستجيب لأمر الله، ألم يقول:

(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر: 60]

إذاً نقول لربنا عز وجل أمرتنا أن ندعوك فها نحن ندعوك مع العلم بأنك لو أعطيتنا أو حرمتنا، متعتنا أو منعتنا، فنحن في كل الأحوال راضون وفي كل الأحوال نحن عبيدك ونحن على العهد في كل الأحوال، على أن الحب سيترجم لنا هذه الحقيقة ويبين لنا ويعيننا على أن نسلك هذا المسلك تماماً، أن نجمع بين أمرين: ندعو الله أن يرفع عنا مقته وعذابه وابتلاءاته وفي الوقت ذاته نعلن أننا راضون، أننا راضون بكل ما يقضي به وواثقون بأن في كل ما يأتينا من عند الله خير وإذا لم نكن نتبين ذلك فلنشكره على ذلك، نشكره على النعم التي نتبين معناها وظاهرها ونشكره على نعمه الخفية التي لا نتبين حكمتها.

وأضعكم أمام مثال، أرأيتم إلى مريض أقبل إلى طبيب يعرفه، يثق بحبه له، ويثق بإخلاصه له، ويثق بخبرته العالية في الطب، ألا ترون كيف يستسلم هذا المريض لمبضع طبيبه الجراح استسلاماً تاماً! وإنكم لتعلمون أنه قد يتأوه تحت مبضع طبيبه هذا ولكنه يشكره باللسان ذاته الذي يتأوه به، هذا شأن الإنسان مع الإنسان فكيف شأن الإنسان مع الله سبحانه وتعالى!!!

ثقتنا بالله عز وجل أجل أجل أجل بكثير من ثقة المريض بهذا الطبيب، وثقتنا بحبه لنا أكثر بكثير من ثقة هذا المريض بهذا الطبيب، ومعرفتنا بحكمة الله فيما يقضي وفيما يبرم أكثر من معرفة هذا الإنسان المريض بالطبيب، فلماذا إذا تأوهنا - ولنا أن نتأوه، الإنسان بشر - لكن لماذا لا نشكر الله عز وجل بنفس اللسان الذي نتأوه به كشأن هذا المريض !!!

تعالوا نعاهد الله في صبيحة هذا اليوم الأغر أن نعلن عن رضانا بكل ما يقضي وعن يقيننا بالحكمة التي تستبطن ابتلاءاته كلها على الرغم من أننا ندعوه أن يرفع مقته وغضبه عنا، وأن نهيج عوامل الحب لله عز وجل بين أفئدتنا لله، ولو اتسع الوقت وحدثتكم عن هذه العوامل وتعاملنا معها لرأينا أن كلاً منا يعشق واحداً لا ثاني له هو هذا الخالق سبحانه وتعالى مهما فعل مهما فعل بنا، نعم حبنا له أقوى وأشد من الابتلاءات التي تأتينا من عند الله عز وجل، العبد لله عز وجل ينبغي أيضاً أن يكون محباً لله، انظروا أيها الأخوة إلى هذه الصورة في شخص سيدنا معاذ رضي الله عنه وهو واحد من أجل أصحاب سيدنا رسول الله عندما وقع في سكرة الموت وأخذت سكرة الموت تأخذه وترده كان بين الحين والآخر يفتح عينيه ويقول مناجياً ربه: أي رب أخنقني خنقاتك وعزتك تعلم أن قلبي يحبك، أي رب اخنقني خنقاتك وعزتك تعلم أن قلبي يحبك، ونحن دعونا نقول: أي رب ابتلنا بما شئت فوعزتك تعلم أننا نحبك، من عرف الله أحبه، ومن أحب الله وثق به، ومن وثق بالله عز وجل هانت الخطب كلها والابتلاءات كلها، على أننا نظل ندعوه ولنظل نلحف بالدعاء لا استنزالاً لشرط شرطناه عليه ولكنه لأنه أمرنا.

أقول قولي هذا وأستغفر الله.



تشغيل

صوتي
مشاهدة