مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 10/08/2012

فلنتذكر ضجعة الموت

تاريخ الخطبة


‏‏‏الجمعة‏، 21‏ رمضان‏، 1433 الموافق ‏10‏/08‏/2012‏

فلنتذكر ضجعة الموت

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:

أرأيتم إلى رجل أقامه الله من الدنيا داخل قصر باذخ مترف تجمعت فيه سائر أنواع النعيم والمتع المختلفة المتنوعة، تحيط بقصره حديقة غناء تضج بالخضرة، تزدهي بالزهور والورود والرياحين المتنوعة، تلقى هذا الرجل وثيقة تتضمن حكماً مبرماً غير قابل النقض بإعدام هذا الإنسان الذي يقيم في هذا القصر الباذخ دون أن يتبين ميقات التنفيذ، كلنا يعلم أن هذا الإنسان لن يتلقى من بهاء هذا القصر ونعيمه ومتعه إلا الوحشة، إلا أسباب الكرب الخانق، مهما تقلب على فراشه الوثير لن يجد الرقاد الهانئ إلى عينيه سبيلاً، يأكل ولكنه يغص بالطعام الذي يزدرده، يتجرع الماء ولا يسيغه ذلك لأن خيال هذا الحكم المبرم لا يبارحه قط، وهذه حقيقة نعلمها، أفتعلمون من هو هذا الرجل يا عباد الله؟ إنه كل واحد واحد منا، إنه كل ابن أنثى من عباد الله عز وجل أقامه الله سبحانه وتعالى مدة معينة فوق هذه الأرض، أليس كذلك يا عباد الله؟! ألم نتلق هذا الحكم المبرم الذي لا يقبل النقض مراراً وتكراراً، ألم يقل:

(قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) [السجدة: 11].

ألم يقل:

(قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ) [الجمعة: 8].

ألم يقل:

(أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ) [النساء: 78].

من هو الناطق بهذا الكلام؟ هو أحكم الحاكمين الذي لا يلحق قراره خُلْفٌ قط، ولكن يا عجباً يا عباد الله، لماذا لا يكون شأننا كشأن ذلك الذي يقيم في ذلك القصر الباذخ، ذلك القصر الذي تحيط تلك الحديقة الغناء، لماذا لا يأخذ الكرب بخناقنا، لماذا نعيش وكأننا مخلدون، والقرار هو هو والتلقي للموضوع ذاته، ومهما فكرت في فرق بين الصورتين فلن أعثر على أي فرق، على كلٍّ ليس هذا مجال حديثنا، ربما تكلمنا في هذا الموضوع وتحدثنا عن حكمة الله في هذا الأمر في مناسبة أخرى ولكني أريد من خلال هذا الذي ذكرته لكم أن نحيل غفلتنا إلى يقظة، أن نحيل إهمالنا إلى اعتناء بهذا الحكم المبرم الذي تلقيناه، ما الموت؟ ما هي عادية الموت يا عباد الله؟ هذا ما أريد أن أقوله، وأنا أعلم أن في الناس من يستوحشون في الحديث بالموت، أعلم أن فيهم من إذا ذُكِرَ حديث عن الموت حمل أمتعته وولى عن المجلس هارباً ولكن هذا ليس علاجاً، لو كان الفرار من هذه الحقيقة يلغيها لفعلنا أيضاً نحن كذلك ولكن القرار لا مرد له، وليس فينا من يعلم ميقات الساعة أو اللحظة التي يرحل فيها عن هذه الحياة الدنيا، ترى أهو واقف في منتصف الطابور أم في أوله أم في آخره ليس فينا من يعلم ذلك، إذاً لابد أن نتحدث عن الموت وأن أتحدث قبل ذلك عن مقدمة الموت الهائلة الكبرى، إنه الحديث عن ملك الموت كما سماه البيان الإلهي الذي وكَّلَهُ الله عز وجل بقبض أرواحنا، ألا فلتعلموا يا عباد الله أن الذي عاش حياته شارداً عن وصايا الله، بعيداً عن السير على صراط الله، معرضاً عن التعرف على الله عز وجل إنما يفاجئه من ملك الموت هول يصدع القلوب، يفاجئه من ملك الموت هول يأخذ الرعدة بصاحبه من الفرق إلى القدم، نعم هكذا يرى ملك الموت، أما الإنسان الذي عاش ملتزماً بأوامر الله متعرفاً على عبوديته لله، واضعاً هذه العبودية جهد الاستطاعة موضع التنفيذ فإنما يفاجئه من ملك الموت شكل يبعث على الاستبشار، يبعث على الراحة والاطمئنان، هذه الحقيقة ينبغي أن نعلمها فانظر يا هذا من أنت وفي أي طريق تسير وأي شكلين سترى أو سيفاجئك من ملك الموت غداً، أما الموت وعذابه وآلامه فحسبكم أنه يسمى بالنزع أي نزع الروح من الجسد، ولعل هذه الكلمة توحي بقدر كبير من الكرب الذي يعانيه من وقع في ساعة النزع، أرأيتم إلى الروح كيف أنها منتشرة في سائر الخلايا، متشبثة بسائر العروق والأوردة وسائر الأجهزة، إن ملك الموت يجذب هذه الروح جذبة واحدة من سائر ما قد اتصلت به هذه الروح فانظر وتأمل في العذاب الذي ينالك من وراء ذلك، ولقد وصف أحد التابعين رضوان الله عليه وصف عذاب الموت هذا بالمثل التالي، كتلة من الخيوط الحريرية نشبت داخل أغصان من الشوك، عمدت إليها يد عاتية فاجتذبت هذه الكتلة اجتذاباً شديداً فتقطع من الحرير ما تقطع وبقي منه في تلك الأغصان ما بقي. ثم إن الإنسان كلما كان في ماضي حياته أكثر التزاماً بأوامر الله وسيراً على صراط الله ومعرفة لعبوديته لله كان ملك الموت أرفق به، وكلما كان هذا الإنسان شارداً عن صراط الله مستكبراً على أوامره، مبتعداً أو متعالياً عن شرائعه فإن ملك الموت يذيق هذا الإنسان من ساعة العذاب الواصب، نعم. ولقد ذكر العلماء من التائهين العاكفين على الغي ذكروا صنفاً ألا وهم الذين أوغلوا في الظلم، أوغلوا في ظلم الآخرين، ظلموا ثم ظلموا ثم إنهم لم يستسمحوا ولم يُقْتَصَّ منهم فإذا جاءت ساعة الموت وأقبل إليه ملك الموت بالشكل الرهيب الذي ذكرت لكم يوحي إليه ويشعره أنه هو الموكل بالاقتصاص منه لأولئك الذين ظُلِمُوا أثناء حياته التي يتقلب فيها في رغد العيش ظالماً دون أن يبالي، يميته عن كل عضو ميتة مستقلة ثم ميتة مستقلة ثم ميتة مستقلة، وكل ذلك سلسلة قصاص عن أولئك الذين ظُلِمُوا ولم يتأت لحاكم أن يتقص منه ولم يتأت للمظلوم أن يسامحه، هذه الحقيقة أيها الإخوة ليست خيالاً، وكم في الذين وقعوا في حالة النزع من امتدت بهم ساعة النزع للسبب الذي ذكرته لكم إلى ساعات وساعات، كان فيهم من اندلقت منهم الألسن إلى خارج أفواههم مسترسلة، نعم حصل ويحصل هذا.

والآن أقول لك يا أخا الإسلام إن نازعتك نفسك أن تجمع فضول مالك في صندوقك أو في المصارف التي تجمع هذه الفضول فيها وتحجزها عن صاحب الحق، والمال ليس مالك وإنما أنت مؤتمن عليه، إن نازعتك نفسك أن تفعل ذلك لاسيما خلال هذا الشهر الأغر، هذا الشهر المبارك، فافتد نفسك بهذا المال وبرِّء نفسك من هذه الساعة الحرجة الخطيرة التي لا يمكن أن يصفها بيان ولكن الواقع هو الذي يصفها، عُدْ بفضول مالك، أنا أنصحك، نعم أنا أنصحك، عد بفضول مالك هذا إلى ذوي الحاجات، إلى سد الثغرات التي تفتحت خلال هذه الأزمة التي نمر بها، عُدْ لكي تفتدي نفسك من ذلك العذاب الواصب، وأنا أضمن أن الله سيعيد لك المال مضاعفاً أضعافاً مضاعفة، ألم تقرأ قوله:

(مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً) [البقرة: 245]

اسمع واستجب لنصيحتي قبل فوات الأوان فإن عذاب الموت الواصب لا ينهضك على النطق، لا يعينك حتى على التأوه فضلاً عن أن تقول أنا نادم. وأنت يا أخا الإسلام إن نازعتك نفسك على أن تستجيب لأحقادك السوداء فترسل صواعق الموت وأسباب الدمار والهلاك إلى إخوان لك إن لم أقل في الإسلام فهم إخوان لك في الإنسانية، إن نازعتك نفسك أن تواصل الاستجابة لأحقادك السوداء فترسل صواعق الموت من دويرة أهلك إلى إخوانك في الإسلام وفي الإنسانية تدير رحى الموت عليهم بدون سبب، لم يؤذوك، لم يناصبوك عداءً، لم يأخذوا منك حقاً، لم يهددوك بأخذ حق، إن نازعتك نفسك ذلك فاذكر ضجعة الموت، اذكر ضجعة الموت التي حدثتها لك الآن، واعلم أن هؤلاء الذين يُقَتَّلون بسلاح أحقادك، بسلاح ضغائنك يُسَجَّلُ القصاص لهم دون نسيان، يُسَجَّلُ القصاص لهم منك دون ذهول ولا إهمال، وأول من يشفي غليله ليقتص منك هو ملك الموت، سيقول لك وسيذكرك ولسوف يميتك عن كل مظلمة ميتة خاصة، وأنا المسؤول عن صحة هذا الكلام، لسوف يميتك عن كل مظلمة ميتة واحدة حتى ولو بقي النزع لساعات طوال كما رأينا وشاهداً كثيراً منهم. وأنت يا أخا الإسلام إذا نازعتك نفسك أن تستجيب لمنهج أمريكا والصهيونية العالمية اللذين ربما ضغطا عليك ما شاءا أن يستعملا وسائل الضغط، إذا نازعتك نفسك أن تستجيب لضغطهما وتلتزم بهذا المنهاج الذي أجبرك على اتخاذه ثم عدت فوضعته داخل لفافة من الإسلام، من نظام الإسلام، من شعائر الإسلام، من أحكام الإسلام فاذكر ضجعة الموت يا هذا فلسوف تحررك ضجعة الموت حتى وإن لم تصلك بعد ذكراها ستحررك ولسوف تتحرر من الضغوطات مهما كثرت ومهما اشتدت ولسوف تخشى أو تستحي من الله إذ يراك وأنت تستخدم دينه لفافة للمنهج الأمريكي والصهيوني الذي رُصِدَ لهذه المنطقة كما تعلمون، لسوف تستحي من الله، أنا أعلم ذلك، أنت مؤمن، لسوف تخاف من الله، نعم أنت مؤمن، ولسوف ترهب هذه الساعة التي أنت على موعد معها. لا يا أخي، بدلاً من أن تمد يد المعاهدة والتواثق إلى أمريكا وأندادها مُدَّ يد التواثق والاصطلاح إلى ربك، إلى مولاك، كن خادماً لإسلامه الحقيقي ظاهراً وباطناً، كن خادماً لإسلامه جوهراً يَسْتَخِدُم ولا يَخْدُم، اجعل من الإسلام كما أمرك رسول الله، اجعل منه قائدك، اجعل منه مصباحك الذي ينير لك الطريق، اجعل السياسة خادمة لهذا الدين، اجعل الإسلام ينتعل السياسة وليس العكس، هذه نصيحتي التي أقدمها لنفسي والموت قادم، وموعدنا مع ملك الموت حقيقي ستراه أعيننا هذه نعم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.



تشغيل

صوتي
مشاهدة