مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 03/08/2012

خير الخطائين التوابون

تاريخ الخطبة


‏‏‏الجمعة‏، 15‏ رمضان‏، 1433 الموافق ‏03‏/08‏/2012‏

خير الخطائين التوابون

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:

هل علمتم أن أمريكا ومعها الصهيونية العالمية قد أعلنت الجهاد الإسلامي المقدس؟ نعم، لقد أعلنت ذلك على ألسنة عملائها وذيولها في هذه المنطقة، ولكن ما هو الجيش الذي اعتمدت عليه أمريكا في هذا الجهاد الإسلامي المقدس الذي أعلنته من خلال ألسنة عملائها وذيولها في منطقتنا كما قلت لكم؟ إنه عبارة عن أمشاج وأخلاط من مرتزقة الآفاق سيقوا وجُمِّعُوا بأزمَّةٍ من الشهوات الآسنة التي يسيل لعابهم عليها، هذا هو الجيش الذي اعتمدته أمريكا وصهيونيتها العالمية. بقي أن نتساءل ما الغاية الإسلامية التي ينبغي أن تتحقق من وراء هذا الجهاد الأمثل الذي تعلنه أمريكا؟ الغاية هي يا عباد الله القضاء على الناس الذين شهد لهم رسول الله r بالخيرية في هذه البقعة المباركة وذلك عندما تحدث عن الشام قائلاً في حديث صحيح: (عليكم بالشام فإنها خيرة الله من أرضه يجتبي إليها خيرته من عباده)، هي شهادة يعتز بها كل من رأى أن الله عز وجل قد أقامه من عالمه الواسع العريض هذا في هذه البقعة المباركة.

فالغاية القدسية الأولى من هذا الجهاد الإسلامي هو القضاء على هؤلاء الذين أثنى عليهم رسول الله r وشهد لهم بالخيرية.

الغاية الثانية تقطيع هذه الدولة وتحويلها إلى أمشاج لا حراك فيها ولا حياة من أجل أن تسرح إسرائيل وتمرح ومن أجل أن تتبين الأماكن المحددة لمشاريعها التي طال انتظارها للبدء بها ولتحقيقها، مشاريع في جنوب سوريا، مشاريع في البادية، مشاريع أخرى في الساحل، أجل.

هذه هي الغاية المقدسة من وراء إعلان أمريكا للجهاد الإسلامي في سبيل الله ولكن على ألسنة عملائها وذيولها الذين يعيشون فيما بيننا. هذا ما ينبغي أن نعلمه، فمال الموقف الذي ينبغي أن نتبينه ونقفه يا عباد الله؟ هذا يدعونا إلى أن نتذكر دعوة أخرى إلى الجهاد ولكن لم تنبثق من أمريكا ولا أوروبا ولا الصهيونية العالمية وإنما انبثقت من فم حبيبنا المصطفى الذي بعث رحمة للعالمين، فإلى أي دعوتين نستجيب؟ أنستجيب للدعوة التي انطلقت من فم أمريكا وذيولها وأتباعها أن نستجيب للدعوة التي نطق بها رسول الله r وحياً من عند الله؟! القول الفصل في هذا، القول الفصل الذي لا محيد عنه هو كلام الله عز وجل، فتعالوا نصغي إلى ما يقوله الله عز وجل لنا حلاً لهذه المعضلة في هذا الصدد:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ) [الممتحنة: 1].

هذا كلام ربنا لا ريب في هذا قط، وهذا هو القول الفصل، إذاً فلا بد أن نتجه بالإصغاء ثم بالتنفيذ إلى دعوة رسول الله r وإلى إعلانه، لقد أعلنها منذ أن بعث، وسرى هذا الإعلان ولا يزال يسري إلى يومنا، تسمعه كل أذن ويستقر حقيقة في حنايا كل قلب (من قُتِلَ دون دمه في شهيد، من قُتِلَ دون ماله فهو شهيد، من قتل دون دينه فهو شهيد، من قتل دون أهله – وفي رواية عرضه – فهو شهيد) وهذا حديث صحيح يرويه الترمذي والنسائي وأبو داود ويرويه الإمام أحمد في مسنده نعم. وأنتم تعلمون يا عباد الله أن الذي يتضرج بدمائه قتيلاً في معركة من المعارك لا يسمى شهيداً إلا إذا كانت هذه المعركة معركة جهاد في سبيل الله، فإذا وصف رسول الله r ذاك الذي قتل في سبيل ماله أو دمه أو دينه أو أهله وعرضه بالشهادة فمعنى ذلك أنه الجهاد في سبيل الله وأنه إنما وقع صريعاً وشهيداً في ساحة الجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى.

إلى أي دعوتين نستجيب؟ الجواب واضح يا عباد الله إن كنا لا نزال نعلم أننا ننتمي بنسب إلى رسول الله r ننتمي إليه مرتين، الأولى أننا من أمته، المرة الثانية أننا من أتباعه، أننا المؤمنون بالدين الذي بُعِثَ به وبُعِثَ به من قبل سائر الرسل والأنبياء، نعم، إذاً جهادنا هو هذا الذي قاله رسول الله r. ولكني أعود فأسأل كما سألت قبل قليل فما هو الجيش الذي ينبغي أن ينهض بهذا الجهاد المبرور في سبيل الله سبحانه وتعالى؟ الجواب: إنه ذلك الجيش الذي تم الاحتفال بالأمس بذكرى ميلاده، أجل هذا هو الجيش الذي يجب أن ينهض بمهام الاستجابة لدعوة رسول الله r أليس كذلك؟ ولعل فيكم هنا من يتساءل في نفسه لقد وُصِفَ – وما أكثر ما وُصِفَ هذا الجيش – بالجيش العقائدي، هل لنا أن نعلم ما معنى أنه جيش عقائدي؟ عباد الله: ليس لذلك إلا معنى واحد – وما ينبغي أن يكون له إلا معنى واحداً – أولاً: معنى أنه جيش عقائدي أن يتمتع بعقيدة إيمانية بالله سبحانه وتعالى الواحد الأحد، يتمتع بالإيمان الجازم بأن الله سبحانه وتعالى هو قيوم السموات والأرض، هو النافع فلا نافع من دونه، وهو الضار فلا ضار من دونه، وهو الولي فليس ثمة ولي من بعد ولا من قبل. والمعنى الثاني لوصفه بالجيش العقائدي أنه يتمتع أو ينبغي أن يتمتع بالاعتقاد الجازم بأن واجبه الذي أناطه الله عز وجل به وشرفه به حراسة القيم كلها، حراسة كل شبر وشبر من هذا الوطن المقدس، حماية الحقوق المادية والمعنوية، هذا هو المعنى الثاني لوصف الجيش بالعقائدي. المعنى الثالث أن هذا الواجب الذي يجب أن يستقر في كيان كل فرد فرد منه ما ينبغي أن يخضع لمساومة ما مهما علا الثمن فيما يتصور ومهما كثرت المغريات فيما قد يتصور، هذا هو باختصار معنى كون هذا الجيش جيشاً عقائدياً، أول معانيه أنه يتمتع بالعقيدة الجازمة أن الله حق وبأنه هو وحده قيوم السموات والأرض وأنه المستغاث وأنه المستعان، أجل. وأقول هذا ولكني في الوقت ذاته أستدرك وأبين أن هذا الجيش ليس إلا جزءاً من هذه الأمة أمتنا هذه الإسلامية، ولقد كانت أمتنا ولا تزال مرحومة كما بشر وأنبأ رسول الله r ولكنها أمة لا تزال غير معصومة، ليس في الناس من هو معصوم حاشى الرسل والأنبياء، أصحاب رسول الله r لم يكونوا معصومين، كان فيهم منافقون، كان فيهم من تورط فارتكب محرماً، والناس من بعد إلى يوم القيامة هكذا، فإذا تحدثنا عن جيشنا وأنه جيش عقائدي فهذا لا يعني أنه معصوم، بل إن ما ينطبق على الناس ينطبق عليه (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) ولكن الواقع الذي شاءه الله عز وجل شيء والتربية التي ينبغي أن نأخذ أنفسنا وإخواننا وجيلنا وجيشنا بها شيء آخر، هنالك واجبات كثيرة إذا نفذت تحقق المطلوب وسدت الثغرات المتنوعة كلها، على أنني أقول: وما أدراك لعل فاسق اليوم يصبح ناسك الغد ولعل مستهتَر اليوم يصبح أول المهديين والملتزمين بدين الله غداً، ولعل التائه عن صراط الله – بل المرتاب في دين الله سبحانه وتعالى – يصبح غداً من أكثر الناس ربانية والتزاماً بأوامر الله عز وجل، هذه حقيقة ينبغي أن نعلمها، وما أكثر الذي ندرس حياتهم ونتأثر بكلماتهم من العلماء الربانيين وقد كانوا قبل ذلك من التائهين عن صراط الله، كانوا قبل ذلك من المرتكبين لكثير من الموبقات فلا يتألَّين أحد على الله عز وجل إن رأى إنساناً عاصياً ليجزم أنه حشو جهنم ولا يتألَّين أحد على الله عز وجل إن سمع عن إنسان أو فئة من الناس، سمع عن لوثة في الفكر، في العقيدة، في الرأي، في المذهب لا يتألَّين على الله سبحانه وتعالى ويجعل من نفسه شريكاً لله ثم يجزم ثم يحكم ثم يقضي بما يشاء أن يقضي به، هذه حقيقة ينبغي أن نتبينها يا عباد الله، ولكني أختم هذا الذي ذكرته لكم بصفوة القول نعم. الاستجابة تكون إنما لرسول الله لا لأعداء الله عز وجل، والجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى معناه وحقيقته مودعة بيد المصطفى r نتلقى ذلك منه، وجيشنا هو الذي يُعْتَمَد للقيام بواجبه ويُنصح للقيام بواجبه ويُنشَّأ على كل ما ينبغي أن ينشَّأ عليه من واجبات للنهوض بواجبه ولكني أعود فأقول: إن مناط النصر ليس هنا، مناط النصر ما بين أفئدتنا المؤمنة وبين مولانا وخالقنا الأجل، فإذا كنا نتمتع بإيمان بالله وثقة راسخة بالله عز وجل وإذا كنا نؤدي حقوق الله وحقوق عباد الله جهد الاستطاعة ثم توجنا ذلك كله بالالتجاء إلى الله بالتضرع إلى الله كما قلت لكم في الأسبوع الماضي، باستنزال النصر من سماء الرحمة الربانية فلنعلم أن ذلك هو مناط النصر والتأييد، فلنعلم أن ذلك هو مفتاح النصر، أما إذا شُغِلنا بالأسباب الظاهرة – وهي ضرورية – إذا شُغِلنا بالعدد – وهي أمر لابد منه – ولكن إذا حُجِبْنَا بذلك عن مسبب الأسباب، إذا جُجبنا بذلك عن مولانا الأجل الذي بيده كل شيء فلنعلم أن الأسباب لا تجدي وأن الوسائل لا تفيد وأن الجيوش أيضاً لا تفيد، هذه حقيقة بل سنة من سنن رب العالمين ألزم الله عز وجل بها ذاته العلية تجاه المسلمين، أقول لكم تجاه عباده المؤمنين ولست أتحدث عمن شردوا ففتح الله عز وجل عليهم الدنيا عن يمين وشمال، لا، سنة الله عز وجل في عباده المسلمين هكذا. ألا فلنصطلح مع الله عز وجل على كل المستويات ولنكثر من الالتجاء الصادق لا التقليدي إلى الله سبحانه وتعالى، ولنعلم أن مصيرنا إن قرب أو بعد العهد هو الوقوف بين يديه، فإن فعلنا ذلك وصَفَتْ أفئدتنا من الشوائب فاعلموا أن الله عز وجل سيكرمنا بسلسلة من خوارق النصر والتأييد، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.



تشغيل

صوتي
مشاهدة