مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 27/07/2012

حاجتنا إلى التوبة والالتجاء إلى الله

تاريخ الخطبة


‏‏‏الجمعة‏، 08‏ رمضان‏، 1433 الموافق ‏27‏/07‏/2012‏

حاجتنا إلى التوبة والالتجاء إلى الله

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:

يجب على كل مؤمن بالله عز وجل أن يعلم أن الله عز وجل هو خالق كل شيء، وهذا يعني أن الله هو القيوم على كل شيء لأن خالق الشيء لابد أن يكون هو القيوم عليه، وهذا يعني أن لا نافع ولا ضار في الكون كله إلا واحد لا ثاني له هو هذا الخالق الذي هو قيوم السموات والأرض، ولكن يجب أيضاً أن يعلم المؤمن إلى جانب هذه الحقيقة أن الله عز وجل قضى أن يعيش الإنسان من كونه هذا في عالم الأسباب، في سلسلة من عالم الأسباب جعلها الواسطة إلى أهدافه، إلى غاياته، إلى حاجاته ومبتغياته، تلك سنة من السنن التي قضى بها الله سبحانه وتعالى. فإذا توجه الإنسان يبتغي تحقيق معايشه ورزقه كان المطلوب منه بما تقضي به الشريعة الإسلامية أن يتوسط إلى ذلك الأسباب التي شاءها الله عز وجل من فلاحة وزراعة وبناء وتجارة ونحو ذلك، وإذا اهتم بذاته بجسمه وبصحته وعافيته كان الواجب عليه فيما تقضي به الشريعة أن يتلمس الأسباب التي قضى الله سبحانه وتعالى بها لذلك من طعام وشراب ومأوى وعلاجات للتخلص من الأمراض والآفات ونحوها، وإذا شاءت الأمة أن تحصن نفسها ضد العدو الطامع بها وأن تحمي حقوقها وأوطانها وقيمها فالمطلوب منها فيما تقضي به الشريعة الإسلامية أن تهيء العدة والعدد لذلك وأن تجمع سائر الوسائط والأسباب العلمية التي لابد منها لذلك. ذلك هو المبدأ الاعتقادي الذي يجب أن نعتقده وهذه هي السنة الربانية التي ألزم الله عز وجل عباده بها إذ أقامهم كما قلت لكم من هذا الكون في عالم من الأسباب المتنوعة الكثيرة. ولكن يجب أن نعلم يا عباد الله أن هذه الأسباب التي أقامنا الله عز وجل في عالمها وأمرنا بالتوسط بها إلى مبتغياتنا إن هي إلا أسباب شكلية ليست لها أي فاعلية، إن هي إلا جند من جنود الله سبحانه وتعالى، أمرك الله سبحانه وتعالى أن تقبل إلى الطعام والشراب لتحمي بدنك وجسمك من الآفات ولكنه يحذرك من أن تتوهم أن الطعام هو الذي يشبع أو أن الماء هو الذي يروي، يأمرك بالطعام والشراب ولكنه ينبهك إلى أن الذي يشبعك هو الله والذي يرويك هو الله سبحانه وتعالى، يأمرك الله عز وجل بالبحث عن العلاج والدواء لرد آفات الأمراض ولكنه يؤكد لك أن الشافي هو الله والدواء لا دخل له في الشفاء قط، كذلكم الأمة التي تحصن حقوقها وأوطانها وقيمها ضد طمع الطامعين وضد عدوان المعتدين يجب عليها أن تمارس هذه الوسائل وأن تجمع هذه العدة والعدد ولكن ينبغي أن تعلم يقيناً أن الذي يحمي الأمة إنما هو الله وأن الذي يبعد آفات العداوة والعدوان إنما هو الله سبحانه وتعالى، وتأملوا يا عباد الله في كلام الله عز وجل كيف يأمرنا بأن نجمع بين هاتين الضروريتين فلي حياتنا الاعتقادية والسلوكية، إنه يدعونا إلى أن نسير في فجاج الأرض بحثاً عن الرزق، بحثاً عن وسائل العيش والرزق، فهو يقول:

(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) [الملك: 15].

ولكنه يقول لك في الوقت ذاته:

(فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ) [العنكبوت: 17].

هو يقول:

(وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ) [الأنفال: 60].

يأمرنا بالإعداد ولكنه يقول في الوقت ذاته:

(وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال: 10].

ويقول في الوقت ذاته:

(إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [آل عمران: 160].

أرأيتم يا عباد الله إلى هذه الحقيقة ذات الشطرين يجب أن نتبه إليهما، المعتقد أن الله هو الناصر، هو النافع وهو الضار وفي الوقت ذاته يدعونا ربنا عز وجل إلى أن نتعامل بالأسباب التي جعلها جنوداً مجندة مسخرة لنا ثم نبهنا إلى أن هذه الأسباب إن هي إلا جند من جنود الله ليست فيها فاعلية لا تضر ولا تنفع ولكنكم مطلوبون بأن تمارسوا هذه الأسباب. ما الذي أبتغيه من هذا الكلام الهام الذي قلته الآن؟ الذي أبتغيه يا عباد الله أن نتساءل ونحن الآن ننظر فنجد أن وضعنا كما قال رسول الله r بكل دقة: (ستداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا أمن قلة يا رسول نحن يومئذٍ؟ قال: لا بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل). ها هي الأمم أحاطت بنا فعلاً إحاطة عدوان كما تحيط الأكلة بالمائدة بقصعتها نعم. أما الأسباب المادية، أما العدة والعدد فأعتقد أننا ما قصرنا في جمع ما نستطيع أن نجمعه منها، ما قصرنا في شيء من ذلك، ولكننا نعلم، وإن لم نكن نعلم من قبل فها نحن الآن علمنا أن هذه العدد لا تفيد وأن هذه العدة لا تغني، يجب أن نلجأ إليها كما أمر الله (وَأَعِدُّواْ لَهُم) ولكن قد علمنا أن النافع هو الله وأن الضار هو الله وأن الذي ينتصر لنا هو الله عز وجل فهل تعاملنا مع هذا السلاح الثاني، أما السلاح الأول وهو سلاح المادة، العدة فأعتقد أننا قد مارسنا من ذلك ما نستطيع، ولكن العدة الأخرى التي هي وحدها مكمن النصر أو الخذلان والتي هي وحدها معين النصر أو الخذلان، هل تعاملنا مع هذا الجانب الثاني، مع هذه العدة الثانية؟ أعتقد أننا مقصرون كل التقصير. إذا علمنا أن الناصر هو الله وأن الفاعلية بيد الله عز وجل فقط وأن الشفاء ليس بيد الدواء والطبيب وإنما بيد طبيب الأطباء، بيد الله، وإذا علمنا أن السلاح مهما كان ليس هو الذي ينصر ولكن خالق السلاح ومستعمليه هو الذي ينصر فهل تعاملنا مع هذه الحقيقة؟ لعلكم تسألون كيف السبيل إلى أن نتعامل مع هذه الحقيقة؟ السبيل معلوم ويا خيبة من لا يعلم هذا السبيل، السبيل أن نتجه إلى الله ونطرق بابه، إذا كان ربنا يقول لنا:

(وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال: 10]

يقول:

(إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ) [آل عمران: 160].

إذاً فالمطلوب أن نُهْرَعَ إلى باب الله وباب الله مفتوح، نُهرع إلى باب الله، ماذا نصنع؟ نتضرع، نجأر إليه بالشكوى، نعلن عن ذل عبوديتنا له، نفتتح ذلك كله بالتوبة، بالإنابة إلى الله، بأن نصطلح مع الله عز وجل، بأن نقوم ما اعوج من علاقة ما بيننا وبينه ونصلح ما فسد من علاقة ما بيننا وبينه على كل المستويات، على مستوى القادة، على مستوى الجنود في معسكراتهم، على مستوى الموظفين في دوائرهم، على مستوى الناس في بيوتهم. نحن صلتنا بيننا وبين الله عز وجل هي العبودية، العبودية منا له والربوبية منه إلينا. هكذا نتعامل أيها الإخوة مع هذا العلاج الأوحد، الضراعة، الالتجاء إلى الله عز وجل، ألم تعودوا إلى كتاب الله وتتبينوا كم وكم يلح البيان الإلهي على عباده بضرورة التضرع إلى الله، بضرورة الالتجاء إليه في الشدائد

(وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ) [الأعراف: 94].

لعل هنا بمعنى التعليل أي أملاً في أن يتضرعوا. ويقول:

(وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ) أي تلك هي سنن الله (فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) [الأنعام: 42] (فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ) [الأنعام: 43] لماذا لا يتضرعون، لماذا يبتلي الله عز وجل عباده المؤمنين – أقول المؤمنين به – لماذا يبتليهم بين الحين والآخر بالمصائب إن في أبدانهم أو في بلدانهم أو في أي نوعٍ من أنواع المصائب؟ من أجل أن تنبهم من غفلة، من أجل أن توقظهم من رقاد، من أجل أن تجعلهم يلتفتون إلى مولاهم فيصطلحوا معه ويتوبون ويؤوبون إليه، والآفة الكبرى أن تبتلى الأمة بالمصيبة ثم تستمر المصيبة ثم تستمر دون أن تلتفت هذه الأمة إلى مولاها وخالقها، دون أن تستيقظ إلى أن هذه المصيبة ليست إلا أجراس خطر تقرع مسامعهم أو تقرع على أفئدتهم، نعم، هما علاجان يا عباد الله، أما الأول فشكلي ويجب أن نأخذ أنفسنا به، الوسائل والأسباب المادية، العلاج الثاني وهو محور النصر أو الهزيمة هو التعرف على الله، هو أن نتعرف على الله عز وجل، لم نتعرف عليه في الرخاء فلنتعرف عليه في الشدة، يقلنا نعم، سيدنا رسول الله r لم يكن بحاجة إلى أن يستغفر من ذنبه، كان معصوما ومع ذلك كان المثل الأعلى في هذا الذي أقوله لكم، عندما هاجر مارس كل الوسائل المادية التي تخطر في بالكم والتي قد لا تخطر في بالكم من أجل أن ينجح في هجرته من مكة إلى المدينة كأنه لا يعتمد إلا على هذه الوسائل، فلما أداها كما أمر الله عز وجل ألقى هذه الوسائل وراءه ظهرياً ووضع فكره وقلبه وكيانه أمام شهود الله عز وجل والدليل على ذلك أن المشركين عندما أحدقوا في الغار الذي كان به هو وأبو بكر رضي الله عنه وقال له أبو بكر: لو أن أحداً منهم نظر إلى أسفل قدمه لرآنا، قال له: (ما ظنك باثنين الله ثالثهما).

هما علاجان، في غزوة بدر وسيلة من الوسائل المادية إلا نفذها، استشار أيه هو الموقع الذي ينبغي أن نتخذه، هذا هو المكان الاستراتيجي الأفضل أم هذا، حتى إذا أنفذ ذلك قضى ليلة الجمعة، الخميس مساء إلى فجر الجمعة وهو يضرع إلى الله، وهو يلتجئ إلى الله أن ينصره ويقول: (اللهم إن تخذل هذه العصابة فلن تُعْبَدَ في الأرض بعد اليوم) نعم، في غزوة الأحزاب أرأيتم كيف مارس الأسباب المادية؟ كلف أصحابه جميعاً بحفر الخندق - سبب مادي من أهم الأسباب المادية - حتى إذا أنفذ هذه الوسيلة وغيرها كانت العمليات الحربية التي مارسها رسول الله هو وأصحابه في جنح الليالي المظلمة داخل الخندق هو الابتهال إلى الله، هو التضرع إلى الله سبحانه وتعالى، نعم يا عباد الله، استجاب ربنا أم لا، استجاب لهذا العلاج الثاني. أما العلاج الأول فتطبيق لأمر شكلي أمرنا به الله سبحانه وتعالى، نعم الناس الذين جاؤوا من بعد، هذه البلدة التي منيت بغزو الصليبيين وبقيت هذه الأرض تحت آثار الصليبيين ما يقارب ثلاثة قرون، كيف كانت الوسيلة يا عباد الله لتطهيرها من دنس الصليبيين؟ كانت الوسيلة الحقيقية هذه الضراعة إلى الله، هذا الالتجاء إلى الله، وها هو ذا محمود زنكي المشهور بنور الدين الشهيد – أسأل الله عز وجل أن يوفق ناساً من الناس يجددون ضريحه – سلوه، سلو تلميذه صلاح الدين كيف كانت الوسيلة التي بها استنزلوا النصر من عند الله؟ التوبة، الإنابة على كل المستويات ثم الضراعية المستمرة على باب الله سبحانه وتعالى، حقيقة أيها الإخوة لا شذوذ فيها، حقيقة داخلة فيها معنى العلة بكلا شطريها السلبي والإيجابي كما يقول الفلاسفة، عندما وجد التضرع والالتجاء إلى الله مع التمسك بالأسباب كان النصر وكان التطبيق لقول الله:

(وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) [القصص: 5].

وعندما وجد الخذلان ووجد الإعراض وسكر من سكر بالنعم وأسباب الترف وما إلى ذلك كما كان في بلاد الأندلس في قرطبة وغرناطة ونحوها كان الخذلان، نعم. هذه الحقيقة أقولها لكم، وخير مناسبة أذكر نفسي وأذكر هذه الأمة بكل فئاتها بهذا العلاج الثاني، خير مناسبة إنما هو هذا الشهر المبارك، شهر الإنابة إلى الله، شهر الرجوع إلى الله عز وجل. كلنا أيها الإخوة عصاة، ليس فينا معصوم، وأنا أول المقصرين في جنب الله، أنا أول العاصين المقصرين في جنب الله، ها أنا ذا أعلن توبتي، أعلن إنابتي إلى الله وها أنا ذا أعاهد الله على أن أستقيم في بقية ما كان لي من أيام في هذه الحياة الدنيا على صراط الله القويم فما لكم لا تتوبون إلى الله يا ناس، ما لكم لا تؤوبون إلى الله، ما لإخواننا في القيادة، ما لإخواننا في الجيش الذي نعتز به، ما لهم لا يضيفون إلى بطولاتهم في النهار رهبانيتهم في الليل، ما لهم لا يضيفون إلى بطولتهم التي نعتز بها في النهار عبوديتهم لله عز وجل في الليل، ما لنا لا نجدد العهد مع الله. أقولها لكم وأنا الضامن بأن الفرج آتٍ، لا أعني الفرج آتٍ بعد حين، سيأتي الفرج قريباً بإذن الله ولكن الله ينتظر منا هذه الأوبة، فهل عسيتم أن تؤوبوا إلى الله على كل المستويات، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.



تشغيل

صوتي
مشاهدة