مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 13/07/2012

إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ

تاريخ الخطبة


‏‏‏الجمعة‏، 24‏ شعبان‏، 1433 الموافق ‏13‏/07‏/2012‏

إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:

سنة من أخطر السنن الربانية التي أثبتها البيان الإلهي في محكم تبيانه، تعالوا نقرأ الآية التي تعبر عن هذه السنة ونتبين الحبك البياني العجيب الذي صيغت الآية على أساسه، وهو الحبك الذي يجعلنا لو أردنا أن نترجم هذه الآية إلى لغتنا العربية بطريقتنا لأحوجت الترجمة إلى أن نأتي بأربعة أضعاف هذه الآية بل هذه الفقرة من الآية، يقول الله سبحانه وتعالى:

(إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد: 11].

أي إن الله لا يغير ما تلبس بقوم أو جماعةٍ من مظاهر التقدم أو التخلف المادي والحضاري إلا بقدر ما يتحقق من التلبس بالصفة النفسية الخفية الكامنة في كيان الإنسان، إن الله لا يغير ما تلبس به قومٌ من مظاهر التقدم أو التخلف المادي والحضاري إلا بقدر ما يتغير ما تتلبس به نفوسهم من الأخلاق الرضية أو الأخلاق المرذولة، أي إن بنيان الحضارة الإنسانية، بنيان التقدم بكل معانية وصوره، بنيان التخلف بكل معانية وصوره، كل ذلك منوط بأساس خفي ألا وهو ما قد تتلبس به النفس من الأخلاق الرضية أو الأخلاق السيئة المرذولة، تلك هي سنة رب العالمين فيما يتحدث، أي أن الأمة مادامت متلبسة بأخلاق مرذولة، بأخلاق سيئة فلا يمكن أن تكون حياتها الاجتماعية الحضارية المادية إلا نتيجة لهذا الوضع الذي تعاني منه نفسيتها، لا يمكن أن ترقى صعداً مادامت متلبسة بهذه الآفات الأخلاقية، فإذا تحررت النفس من أخلاقها المرذولة وتمطت صعداً إلى الأخلاق الإنسانية الرضية فقد حان أن يتغير بنيان تلك الأمة الحضاري وأن تنتقل هذه الأمة من طور التخلف إلى التقدم.

الأخلاق الإنسانية يا عباد الله هي المحور وهي الأساس الخفي لبناء المجتمعات كلها، وإنما تدور الأخلاق الإنسانية على محور أساسي لا بديل له ألا وهو التراحم. التراحم هو مدار الأخلاق الإنسانية المثلى على اختلافها وتنوعها، ولقد تحدث رسول الله r ونبه إلى أهمية هذا التراحم كأساس للأخلاق الإنسانية المثلى، بشر وحذر، قال r فيما اتفق عليه الشيخان: (من لا يرحم الناس لا يرحمه الله سبحانه وتعالى) والحديث متفق عليه، ويقول المصطفى r أيضاً فيما اتفق عليه الشيخان: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)، ويقول المصطفى r مبيناً النقيض، أي الوجه الثاني لهذه النقطة الهامة نقطة التراحم فيما يتعلق بالأخلاق الرضية يقول: (دخلت امرأة النار في هرة حبستها فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض)، دخلت النار ولربما كانت مصلية صائمة مقبلة إلى الله بكثير من الطاعات.

عباد الله: من منطلق هذه السنة الربانية ومن منطلق الأساس المحوري الذي نبهنا الله عز وجل إليه وهو أساس التراحم منطلقاً للأخلاق الإنسانية الرضية، تأملت فيما يمكن أن أعثر عليه من أوهي الخطوط التي قد تصل بين المسلمين اليوم، بين إخوتنا وأبناء عمومتنا اليوم في بلادنا هذه وبين الأنصار الذين هاجر إليهم المسلمون من مكة إلى المدينة، بحثت عن أوهى الخطوط التي قد تصل بين أولئك المسلمين الأنصار والمهاجرين إليهم وبين المسلمين اليوم والإخوة الذين هُجِّرُوا إليهم، أصدقكم أنني لم أجد حتى خيطاً من أوهى الخيوط، موقف أولئك الأنصار كان ذلك الموقف الشامخ الذي تعرفون، استقبلوا المهاجرين من مكة، أسكنوهم معهم في بيوتهم، أشركوهم بأموالهم، أشركوهم مع حدائقهم وبساتينهم بل زادوا على ذلك أيضاً، ولعلكم تعرفون هذا، وأنظر إلى واقع المسلمين في بلادنا اليوم، إخوة وجيرانه هُجِّروا من وقع القتل والتذبيح والتخريب وما تعلمون، هُجِّروا إلى أين؟ إلى أخوة لهم، أشقاء لهم، فيكف استُقبِلوا؟ أنا لا أتحدث عن القلة اليسيرة جداً جداً والتي لا يُقام لها وزن أمام هذه الكثرة التي أحدثكم عنها، استقبلتهم كثرة من إخوتنا وأبناء عمومتنا في هذه البلدة منتهزين وجودهم فيما بيننا على أنها فرصة سانحة للاستثمار التجاري، استقبلوهم على أن مجيئهم الاضطراري إلينا سيكون مفتاح رزق للطامعين وما أكثر الطامعين، رأينا من قسم داره إلى غرف ليؤجر كل غرفة إلى أسرة، فإذا قالت هذه الأسرة المهاجرة: ألا يمكن خفض الرقم قليلاً، أشاح الرجل بوجهه عنهم قائلاً: دُفِعَ لي أكثر، هذا واقع. أروني أوهى خيط من خيوط الصلة بين هؤلاء وهم مسلمون وبين الأنصار من أهل المدينة المنورة الذين هاجر إليهم إخوانهم المسلمون من أهل مكة. أما فئة أخرى فهم أولئك الذين متعهم الله بالدور الفارهة والواسعة بل الواسعة جداً ولكن أعينهم لم تبصر هذه البيوت إلا على أنها ضيقة، بيوت واسعة بل أكثر من واسعة متعهم الله بها ولكن أعينهم الطامعة أرتهم هذه البيوت وهي ضيقة لا تكاد تتسع لأكثر من حفلاتهم، لا تكاد تتسع لأكثر من تقلباتهم وأحوالهم، وأصدقكم القول لو أن كل بيت من هذه البيوت الواسعة قُدِّمَتْ زاوية منها لهؤلاء الضيوف – الضيوف الأعزاء، إخواننا وجيراننا – لمحيت هذه الأزمة، أزمة الهجرة إلى دمشقنا هذه يا أيها الإخوة، فكيف إذا فتحت المزارع وكيف إذا قدمت لهؤلاء الضيوف؟ ليست الأزمة متمثلة في مشكلة استعصى حلها علينا ولكن الأزمة متشكلة في الطمع الذي ران على قلوبنا، ورسول الله r يقول: (الراحمون يرحمهم الرحمن) ويقول: (من لا يرحم الناس لا يرحمه الله). ما ضر لو أنَّا ضربنا من سلوكنا مثلاً نعيد به سيرة الأنصار من أصحاب رسول الله، أولئك الذين خلد الله الثناء عليهم في محكم تبيانه إذ قال عنهم:

(يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) [الحشر: 9].

ما ضر يا عباد الله لو أنَّا ضربنا مثلاً في سلوكنا هذه الحال، ضربنا مثلاً يدل على أنه لا يزال هنالك خيط من التواصل بيننا وبين أولئك الأنصار. ألا فتعلموا ولتثقوا بوعد الله، ألم يقل:

(مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً) [البقرة: 245]

هل يلحق بيان الله خلف؟ هل في المؤمنين بالله من يرتاب في كلام الله؟ لا يا أيها الإخوة، المال ما الله والأرض أرض الله والعباد عباد الله وما أجدرنا أن نقول يا مرحباً بعباد الله، هذه كلمتي الأولى في خطبتي هذه اليوم.

كلمة ثانية يا عباد الله: رمضاننا المبارك على الأبواب، أوصي نفسي وأوصي كلاًّ منكم وأوصي كل من يبلغه كلامي أن نجدد التوبة إلى الله وأن نجدد البيعة صادقة مع الله عز وجل وأن نسعى سعينا اللاهث وبكل جد أن نعمر مساجدنا في هذا الشهر المبارك بالقيام وأن نعمر أيام هذا الشهر المبارك بالصيام وأن نسعى بكل ما نملك على أن نطهر أسواقنا ومياديننا عن أي مجاهرة تتحدى الله وشرعه بإفطار يمكن أن يمارسه أحد من الناس، آن أن تعلن وزارة الداخلية العقاب الذي يلاحق كل من يريد أن يسيء إلى شعار هذا الشهر المبارك، هو حر يفطر لكن ما ينبغي أن يُساء إلى شعار هذا الشهر، قوموا يا عباد الله بحقوق هذا الشهر صياماً في نهاره وقياماً في لياليه، ليهرع كل واحد منا إلى بيوت الله عز وجل، لا تدعوها فارغة، لا تدعوها تعاني مما كانت ولا تزال تعاني منه خلال هذا العام وهي تئن إلى ربها وبارئها مما قد فعله أناس ولربما لا يزالون يفعلون، نعم، ابذلوا كل ما تملكون أن تكون مساجدكم عامرة كما كانت بالمصلين، بالركع السجود واذكروا في هذا كلام رسول الله القائل: (عبادة في الهرج كهجرة إلي)، عبادة في الفتن تعلو قيمتها ويعلو ثوابها حتى تصبح هذه العبادة كهجرة إلى رسول الله r، هذه وصية غالية لا تضيعوها يا عباد الله.

كلمتي الثالثة أتوجه بها إلى من؟ إلى هؤلاء الذين تورطوا واستدرجوا وأصبحوا سجناء في الأسلحة التي حُمِّلوها، نعم، أنظر إليهم وأتبين أنهم يعانون من حبس لكن لا داخل أربعة جدران وإنما داخل هذه الأسلحة التي استدرِجوا في حملها والتي عاشت في أذهانهم آمال كم وكم ازدهرت في تصوراتهم وأعتقد أنهم علموا الآن أن هذه الآمال تحولت إلى أوهام، ما المآل الذي ينتظرونه؟ النهاية أو قل النصر الذي كان راسخاً في أذهانهم بل رُسِّخَ في أذهانهم اضمحل وهذا شيء حقيقي، إذاً فتعالوا أيها الإخوة أدعكم وأدعو ولاة الأمر في بلدنا إلى لقاء نتواثق فيه جميعاً وبشكل جاد على الاصطلاح الوطني الذي ينبغي أن ننهض به جميعاً على أن يكون تواثقاً جاداً وتواثقاً حقيقياً وأنا الضامن أنه سيكون تواثقاً جاداً حقيقياً من جهة المسؤولين فأرجوا أن يتبين هؤلاء الإخوة أن هذه المرحلة التي استدرِجوا إليها انتهت وبوسعهم أن يبدؤوا مرحلة جديدة، والمخطئ من شأنه أن يرجع إلى الحق الذي ألهمه الله عز وجل إياه. أيها الإخوة أريد أن أبلغهم هذه الحقيقة: مادامت هنالك لمعة من المشاعر الإنسانية لا تزال موجودة في كيان من تورط في ارتكاب آثام ومعاصٍ وموبقات فإن باب التوبة لا يزال مفتوحاً أمامه من قبل الله عز وجل، نعم، هكذا يعلن الله سبحانه وتعالى، وإذا كان الباري عز وجل يلاحق هؤلاء الناس بباب التوبة يفتحه على مصراعيه أمامهم فأحرى أن يفتح العبد باب الاصطلاح مع العبد أمام مثل هذه المعضلة أياً كانت، أليس العبد أولى بأن يفتح أمام هؤلاء الناس باب القبول، باب الاصطلاح؟ نعم، ربما قال أحدهم: والدماء التي ارتكبناها في أعناقنا، والبرآء الذين قُتِّلُوا بأيدينا، أقول لهم ألم يقتل ذلك الإنسان مائة شخص، تسعة وتسعين بريئاً ثم أتم هذا العدد الكبير بالمائة ثم إن الله تجاوز عنه لما صدق التوبة، باب التوبة مفتوح، أنا أقول لهؤلاء الإخوة: نعم عودوا من هذه التجربة التي لن تنالوا منها إلا الحناظل واعلموا أن هذا النهج إن استمر بكم أو بقيتم تسيرون في طريقه فإن كرباً أسود سيأخذ منكم بالخناق وإن هذا الكرب سيزجكم في شقاء لا يمكن أن أصفه، مالكم ولهاذ الكرب، مالكم ولهذا الشقاء؟ نعم، يمكن للشيطان أو لغير الشيطان أن يخدعكم بأن نصراً قريباً سيتحقق وبأنكم ستقطفون ثمرات هذا النصر ولكني أيها الإخوة أقول: لقد أغلق باب هذا النصر الموهوم ودلائل ذلك واضحة ولكن أرأيتم لو أن هذا الباب لا يزال مفتوحاً أتظنون أنكم إن استطعتم بخدمتكم لأولئك الذين يأمرون وينهون وهم يتربعون على عروشهم – لا أقصد الأقربين بل أقصد أصحاب العروش الأباعد الذين يأمرون المأمورين الذين يأمرون هؤلاء الجنود – أرأيتم إلى أولئك هل سيخلطونكم بهم، هل سيشركونكم بشيء من الأمر؟ أقسم بالله الذي لا إله إلا هو سينسونكم ويطرحونكم وراءهم ظهرياً ولسوف يجتمعون في المكان الذي حددوه من دمشقنا نعم ليشربوا نخب النصر فيما بينهم، أما أنتم فلن تكون لكم أماكن معهم نهائياً، على أن هذا النصر موهوم، على أن هذا اليوم الذي كانوا يحلمون به أن يتلاقوا في مكان معين نعم من دمشقنا هذه ليشربوا نخب النصر بتفتيت سوريا إلى دويلات لن يتحقق، وإذا كان الأمر كذلك فتعالوا نعد إلى صراط الله، أنا أتحدث مع أبناء جلدتنا، أتحدث مع إخواننا أبناء هذا الوطن ولا أتحدث عن المتسربين المتسللين الآتين من الخارج، لهم أن يعودوا إلى الجهات أو البلاد التي جاؤوا منها، أما إخواننا وأبناء عمومتنا فأقول: ليس هنالك أجدى لكم ولهذه الأمة ولهذا الوطن من الاصطلاح، أن تمتد الأيدي من هنا وهنا وهناك بالاستيثاق الجاد والاصطلاح الحقيقي، أن نعلن من خلاله العفو عما مضى وذلك هو قرار شريعة الله عز وجل في باب هؤلاء الذين يسميهم الشارع الغلاة نعم، ولكل شيء حكمه في الشريعة الإسلامية وليس هاهنا مجال التفصيل في ذلك.

هذه كلمات ثلاث أقولها في مقتبل شهر رمضان المبارك سائلاً الله عز وجل أن يجمع شمل هذه الأمة على ما يرضيه، نعم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.



تشغيل

صوتي
مشاهدة