مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 29/06/2012

محاربة الدين تولد التطرف

تاريخ الخطبة

‏‏‏الجمعة‏، 10‏ شعبان‏، 1433 الموافق ‏29‏/06‏/2012‏

محاربة الدين تولد التطرف

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:

يقولون إن علاقة الإنسان بوطنه كعلاقة الجزء بكله، والشأن في الجزء أن يحن دائماً إلى الكل، والشأن في الجزء أن يذود دائماً عن كله كما يذود عن نفسه، وأقول: إن هذه حقيقة أجمعت عليها الأمم وأجمعت عليها الناس في سالف الدهور والعصور.

ويقولون إن الحرز الذي يحمي الوطن ويبعده عن الآفات المختلفة إنما هو العدالة، وأقول: وهل في الناس من لا يعلم أن بين العدالة والظلم تناقضاً دائماً، فحيثما وجدت العدالة غاب الظلم، وحيثما غابت العدالة لابد أن يتحقق الظلم. ويقولون أيضاً: ولكن العدالة تحتاج إلى ميزان يضبطها، وميزان العدالة إنما هو الشرائع والقوانين، وأقول: حقاً إن الشرائع هي ترجمان العدالة في كل عصر وفي كل زمان، ولكي لا تكون العدالة عنواناً لا مضمون تحته ينبغي أن تكون العدالة منضبطة بالشرائع. ويقولون أيضاً: ولكن الشرائع لا يمكن أن تفعل فعلها إلا بواسطة مكارم الأخلاق، ذلك لأن القانون لا يوجد شيئاً معدوماً وإنما يرعى ويحرس ما هو موجود فلابد من مكارم الأخلاق يتمتع بها الفرد، وأقول: حقاً إن مكارم الأخلاق هي التربة التي يينع فيها القانون ومن ثم تينع فيها العدالة ومن ثم تتحقق صلة ما بين الفرد والوطن، وهكذا فإن حنين الإنسان إلى وطنه والتجاءه إلى العدالة لرعاية الوطن وعوده إلى القوانين والشرائع لضبط العدالة إن كل ذلك إلا كالأسلاك المتصلة إن لم يسر فيها التيار الذي يبعث فيها القوة لن تجد قوة لهذه الأسلاك قط. إن القوة التي تبعث الحياة في القوانين والشرائع ومن ثم تبعث الحياة في العدالة ومن ثم تبعث الحياة في الصلة ما بين الإنسان ووطنه إنما هو الخلق الإنساني الباسق، وأقول يا عباد الله: هل من بين الإنسان وبين أشرس الحيوانات الضارية المتوحشة، هل من فرق بين هذا وذاك إلا الأخلاق إذ يُتَوَّجُ بها الإنسان، ولكن أعجب لأناس كثيرين انتقلوا من وسيلة إلى أخرى إلى أخرى إلى أن وصلوا إلى الوسيلة العظمى التي هي الأخلاق الإنسانية المثلى ثم إنهم وقفوا عندها ولم يسألوا أنفسهم أين هو معين الأخلاق الإنسانية المثلى؟ لقد بحثتم عن معين العدالة واكتشفتم أن معين العدالة إنما هو القانون فهلا بحثتم عن معين الأخلاق أيضاً؟

عباد الله: إن الأخلاق الإنسانية المثلى لا تستنبت إلا في تربة الإيمان بالله سبحانه وتعالى، إن الأخلاق الإنسانية المثلى لا تنشأ إلا في ظلال التربية الإسلامية لا التقليدية بل الحقيقية المثلى المتمثلة في تنشئة جيل يؤمن بالله عز وجل حقاً ويحتضن عقله الدلائل العلمية لهذا الإيمان حقاً، ثم إن هذا الإيمان العقلاني يتحول عن طريق التربية إلى عاطفة ووجدان يهيمنان على الفؤاد، من هنا تنشأ الأخلاق الإنسانية المثلى في كيان الإنسان، ومن هنا يسري تيار من القوة في القوانين والشرائع، ومن هنا يسري تيار من القوة إلى العدالة الحقيقية، ومن هنا تكون حراسة الإنسان لوطنه حقاً ويكون حنينه إلى وطنه حقاً، ومن ذا الذي ينكر حنين الإنسان إلى مسقط رأسه ووطنه، ولقد علمنا أن رسول الله r هو سيد من أعلن حنينه إلى وطنه، ألم يقل وهو يهاجر من مكة ملتفتاً إليها: (والله إنك لأحب بلاد الله إليَّ ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت).

أقول هنا يا عباد الله: إن الأخلاق الإنسانية المثلى لا يمكن أن نبحث عنها كما نبحث عن أي ضالة يمكن أن نعثر عليها بعد جهد نبذله أو بعد تحديق للبصر أو البصيرة، لا يا عباد الله، الأخلاق الإنسانية المثلى ليست درة ضائعة في طوايا التراب بحيث يمكن أن نعثر عليها هنا وهناك، الأخلاق الإنسانية المثلى كما قلت لكم لا تستنبت إلا في تربية التربية الإسلامية الحقيقية ثقافة وعلماً ثم عاطفةً تهتاج وتسيطر على الفؤاد وعلى مكمن العاطفة في كيان الإنسان. التربية الإنسانية في ظل حقائق الدين والإسلام هو عصارة الأديان السماوية كلها يا عباد الله علم ذلك من علم وجهله من جهل، هذه التربية الإسلامية الدينية المثلى هي التي تجعل الأمة محصنة ضد هذا التطرف الوهابي التكفيري الذي نشأ في هذا العصر فمن أراد أن يتلمس سبيلاً لتحصين نفسه وأمته ضد هذا الوباء فليعلم ألا سبيل إلى ذلك إلى العكوف على معرفة حقائق الدين ثم الاصطباغ بهذه الحقائق تربية ثم تحويل هذه الحقائق إلى عاطفة مهتاجة تكمن في طوايا الفؤاد، ومصدر بل معين ذلك كله إنما هو كتاب الله وسنة رسول الله وسيرة السلف الصالح ممثلة فيما قاله المصطفى r: (خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم). معين أخلاقنا الإنسانية المثلى، معين إسلامنا الذي نسير فيه ونتصل من خلاله بحبيبنا المصطفى r إنما هو عصارة كتاب الله وسنة رسول الله r، بالتمسك بكتاب الله ونبذ التطرف الذي يبرأ عنه دين الله عز وجل، نتسامى عن الغلو الذي قال عنه بيان الله:

(لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ) [النساء: 171].

هذه حقيقة ينبغي أن نعلمها، أقول هذا الكلام لأسمع الذين يحلمون بحياة لا دينية أو بحياة تسمى العلمانية أقول لهؤلاء: هل أنتم دعاة تطرف؟ هل أنتم دعاة غلو؟ هل بينكم وبين الوهابية التكفيرية حلف؟ ستقولون لا، إذاً فاعلموا أن محاربة الدين والعمل على اجتثاثه من المجتمع إنما هو فتح لأبواب التطرف، إنما هو تعبيد لكل أسباب التطرف والغلو، ولقد علم الناس جميعاً من خلال التجربة ومن خلال النظر إلى العالم القاصي والداني المحيط بنا أن المجتمعات النائية عن حقيقة الإسلام والوعي الإسلامي الحقيقي هي التي تذهب ضحية التطرف والغلو التكفيري وأن المجتمع المحصن بحقيقة الإسلام الذي بعث به محمد والمتمثل بكتاب الله سبحانه وتعالى، المجتمع الذي رضع لبان الحقيقة الإسلامية من معينها وأدرك معنى الإسلام واصطبغ بجوهره لا يمكن للغلو أن يدنو إليه ولا يمكن للتطرف أن يسري إلى كيان هذا المجتمع من خلال فرد أو من خلال مؤسسات أو مجتمع قط. ألا وليعلم كل منا أن من أراد أن يحارب التطرف فلا سبيل له إلى ذلك إلا بأن يستظل بظل الإسلام الحقيقي. قد كانت سورية ولا تزال مضرب المثل في هذا، سورية هي كعبة القصاد لمعرفة الإسلام الحقيقي الخالي من الشوائب، الآتي نقياً صافياً من كتاب الله الآتي نقياً صافياً من كلام رسول الله، نعم، اسمعوا هذا الذي يقوله الله عز وجل لكي تتبينوا أن مدار الإسلام في كتاب الله عز وجل إنما هو الأخلاق المثلى وأن مدار الإسلام في حديث رسول الله إنما هو الأخلاق المثلى:

(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) [آل عمران: 159].

اسمعوا قوله في مكان آخر:

(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف: 199].

(وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) [فصلت: 34].

تلك هي معالم الأخلاق الإنسانية المثلى يشد القرآنُ الإنسانَ إليها لكن كيف؟ عن طريق الاصطباغ بحقيقة الإسلام، بالتربية الإسلامية المثلى متمثلة في العلم الذي يتجه غذاءً إلى العقل ثم متمثلة بالعواطف إذ تتجه إلى الفؤاد، هذا الفرد لا يمكن أن يرى التطرف سبيلاً إلى فكره أو قلبه قط، سورية كانت ولا تزال مضرب المثل لهذا، نعم يا عباد الله، سنظل ننثر وننشر في بلاد الواسعة حقيقة الإسلام، هويتنا الإسلامية إتباع السلف الصالح، والسلف الصالح إنما يتمثل في ثلاثة أمور، الانضباط بكلام الله عز وجل دون تلاعب به، الانضباط بكلام رسول الله r دون تلاعب به، الانضباط بسيرة السلف الصالح متمثلاً في القرن الأول ثم الثاني ثم الثالث. نحن أتباع السلف ولن نحيد عن منهج هذا السلف يمنة ولا يسرة.

أقول هذا يا عباد الله وقد أجمع الناس جميعاً المؤمنون منهم والملحدون والفاسقون والتائهون أجمعوا على أن الأخلاق الإنسانية المثلى هي السر الذي يبعث الحياة في القانون وهي السر الذي يبعث الحياة في العدالة وهي السر الذي يبعث الحياة في علاقة ما بين الإنسان ووطنه، إذاً هذه النقطة محل إجماع فما لكم لا تسألون عن مصدر الأخلاق؟ مصدر الأخلاق هو دين الله عز وجل، إذا أُخِذَ النشء بالتربية الإسلامية المثلى عن طريق العلم غذاءً للعقل وعن طريق العاطفة غذاءً للكيان القلبي فلقد تحققت هذه الرابطة الإسلامية التي شاءها الله لنا وتحققت الهوية التي نعتز بها ونرحل بها إلى مولانا وخالقنا غداً إسلامنا المنتمي إلى كتاب الله وسنة رسوله، أنتمي إلى سيرة السلف الصالح، إذاً نحن السلفيون المتمسكون بكتاب الله والمتمسكون بسيرة رسول الله حقاً والسائرون على نهج أصحاب رسول الله وأتباعه حقاً، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر، وأشهد ألا إله إلا الله إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً. أما بعد: فيا عباد الله، آيةٌ في كتاب الله عز وجل استوقفتني مراراً وطويلاً، وكاد استيقافها لي أن يبعث شيئاً من الريبة في المعنى الذي قد تضمنته الآية، هذه الآية هي قول الله سبحانه وتعالى (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) خاطبني فكري قائلاً: أن يكون القلب قاسياً!! هذا يتم، وأن تشبه قسوة القلب بالحجارة!! هذا يكون، أما أن يكون القلب أقسى من الحجارة؟؟!! أقسى من الصخر؟؟!! هذا شيء غريب لكن بيان الله يؤكد. (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) ولكنّ هذا الإشكال زايلني اليوم، رأيت فعلاً من نستطيع أن نطمئن دون مبالغة أن أفئدتهم أقسى من الحجارة حقاً، (وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ) كما قال ربنا سبحانه وتعالى.

أناس يرسلون صواعق الموت، أسباب الهلاك، إلى أطفال رضع صغار نساء أزواج أسر يحصدهم الموت حصداً، ويسمعون أنباء أعمالهم ويتبينون نتائج الصواعق التي أرسلوها، ونتأمل في وضعهم وإذا بالقوم لا تزداد قلوبهم إلا حَنَقاً، ولا تزداد أفئدتهم إلا غيظاً، والمشكلة ليست هنا، إنهم يعلمون أن للأطفال الذين ذُبحوا أمهات وأن لهم آباء وأن الأمهات يبكين وتتصاعد دعواتهم إلى عنان السماء تستنزل الانتقام من الظالم للإنسانة التي ظُلمت، لتلك التي احترق كبدها، لتلك التي تمزق قلبها، ورسول الله r يتحدث ويؤكد استجابة الله لدعاء المظلوم وكيف أن الله يرفعها على الغمام ويقول: (بي حلفت لأنصرنك ولو بعد حين)، أليس غريباً أن يعلم أناس من الناس هذا الذي يقوله رسول الله!! أليس غريباً أن يعلم أناس من الناس أن في النساء من استبد بها العويل ثم لم يبارحها لا في ليل ولا في نهار!! قد استمد بها العويل فكان بديلاً عن طعامها كان بديلاً عن شرابها كان بديلاً عن رقادها وهي ترفع صوتها إلى رب العالمين تستنزل غضبه على من قتل البرئاء، تستنزل غضبه على من ظلم، على من ذبح، لماذا؟ فيمَ؟ ما الموجب؟ من الذي استغضبك حتى غضبت؟ من الذي استثارك حتى ثرت؟! الآن زايلني الإشكال ولا أقول الريبة، لم أرتب في كلام الله قط، زايلني الإشكال في هذا الذي يقوله ربنا (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) نعم إنها لأشد قسوة.



تشغيل

صوتي
مشاهدة