مميز
EN عربي
الخطيب: A MARTYR SCHOLAR: IMAM MUHAMMAD SAEED RAMADAN AL-BOUTI
التاريخ: 15/06/2012

مشكلة المزاج المسيطر على كثير من المسلمين

تاريخ الخطبة


‏‏‏الجمعة‏، 26‏ رجب‏، 1433 الموافق ‏15‏/06‏/2012‏

مشكلة المزاج المسيطر على كثير من المسلمين

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:

نزلت تعليقاً على مكرمة الإسراء بالمصطفى r من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى آيةٌ واحدة ولكن تلتها بضع آيات ما أكثر ما تساءل المفسرون عن وجه العلاقة بين الأولى منها وبين تلك التي تلتها. الآيات التي جاءت بعد الحديث عن مكرمة الإسراء التي أكرم الله بها رسوله محمداً r تتحدث عن بني إسرائيل وعن جولتين من الطغيان والبغي قضى الله سبحانه وتعالى بأن تخوض غمارها، أما الجولة الأولى فقد انقضت وأما الجولة الثانية فهي آتية كما يقول بيان الله عز وجل. ترى ما وجه العلاقة بين الآية التي افتتحت بها السورة وبضع آيات جاءت من بعدها؟ تعالوا نقرأ هذه الآيات أولاً، يقول الله عز وجل:

(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) [الإسراء : 1].

ثم يقول مباشرة:

(وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً * ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً * وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً * فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً* ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً * إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ) الخطاب للمسلمين (وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ) أي بنو إسرائيل (كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً) [الإسراء : 2-7]

العلاقة بين الآية الأولى التي افتتحت بها السورة وبين هذه الآيات الأخرى التي تلتها أصبحت بيِّنَةً واضحة في هذا العصر يا عباد الله. الرابطة التي يلفت البيان الإلهي نظرنا إليها بين المكرمة التي أكرم الله بها رسوله محمداً r إذا سرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وبين هذا الذي يذكره بيان الله عز وجل عن الطغيان الذي يمارسه بنو إسرائيل في دولتين سجل التاريخ القصي أولاهما وها هو ذا يسجل اليوم الثانية منهما، العلاقة واضحة، ها نحن نرى أيها الإخوة هذه الجولة الثانية التي تمارسها إسرائيل منذ ما يقارب سبعين عاماً، ها هي ذي تمارس كل أنواع الطغيان والبغي، ها هي ذي تغتصب الأرض والمال والعرض، وها هي ذي تطرد الناس من بيوتها، تهدم بيوتهم وتستلب مساكنهم ومزارعهم على مرأى منهم، تمارس ذلك كله وأكثر دون أن يتحرك لسان بإنكار لهذا الطغيان الثاني الذي أخبر عنه بيان الله سبحانه وتعالى. هذه الرابطة لئن لم تكن جلية في العصور السابقة فإنها اليوم قد أصبحت جلية

(فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً) [الإسراء : 7].

قتلاً فتكاً إهلاكاً، فما موقفنا نحن؟ ما الموقف الذي ينبغي أن يتخذه المسلمون؟ هذا ما يسألنا عنه بيان الله سبحانه وتعالى.

عباد الله: أقولها لكم باختصار، ليس عجيباً أن نرى أن أمريكا قد جندت كل قوتها وسائر سلطانها المادي والمعنوي على المؤسسات الدولية لخدمة هذا العدو الذي أخبر البيان الإلهي عن جولته الثانية في الطغيان والبغي، فنحن نعلم جميعاً أن أمريكا اليوم إنما هي مستعمرة إسرائيلية كبيرة، هذه حقيقة ينبغي أن نعلمها، وأنها لا تبالي في خدمة هذا العدو أن تمزق سائر النظم وسائر القوانين والمبادئ الإنسانية والدولية في سبيل ذلك، وها هي ذي تظهر علاقتها مع إسرائيل كعلاقة العبد الخادم مع السيد والمطاع، ولكن الأمر الغريب الذي لا يستطيع العقل أن يستبين له سبباً أن نجد إخوة لنا من حولنا قد جعلوا من أنفسهم أدوات يتقاذفها السيد المخدوم والعبد الخادم كما يتقاذف الناس الكرة بين أقدامهم، هذا هو المر العجيب يا عباد الله. فيم وكيف صمتت الأصوات التي كانت إلى عهد قريب قد بحت وهي تنادي بضرورة الجهاد في سبيل الله لتطهير الأرض المقدسة من رجس اليهود وإعادتها إلى ملاكها وأصحابها الشرعيين؟ فيم خفتت تلك الأصوات التي كنا نسمعها إلى فترة قريبة وهي تدعو أقول إلى الجهاد في سبيل الله ضد العدو الإسرائيلي المغتصب الذي يمارس جولته الثانية كما يقول بيان الله سبحانه وتعالى طغياناً وبغياً واستلاباً للأرض والأوطان والحقوق؟ لماذا سكتت تلك الأصوات ولماذا أصغينا إليها وإذا هي تنطق بنقيض ما كانت تنطق به بالأمس؟ سلوا شيوخ الدين وشيوخ الحكم في قطر لماذا رفعت عقيرتها الكل عام ثمانية وتسعين وتسعمائة وألف وهي تدعو إلى الجهاد في سبيل الله وتدعو إلى الوقوف في وجه هذا العدو الغاصب، تدعو الجميع العرب والمسلمين إلى أن ينهضوا ويؤدوا حق الله عز وجل في أعناقهم جهاداً في سبيل الله تطهيراً لهذه الأرض المقدسة من الغاصب، كان ذلك بمناسبة تكريم ذلك المفكر المسلم روجيه غارودي في ذلك المكان، نعم يطيب لي أن أوجه هذا السؤال لشيوخ الدين وشيوخ الحكم كيف كانوا يدعون آنذاك إلى الجهاد وأصغي السمع اليوم وإذا بذلك الصوت قد خفت، وإذا بالحديث الذي أسمعه نقيض ذلك الحديث تماماً، وإذا بالكلام في مجمله يقول إن بني إسرائيل دولة وإن الإسرائيليين إخوة وإنهم أصحاب حق وإن الأمور ينبغي أن تسير على نحو إيجابي بناء فيما بينهم، أنا أسأل يا عباد الله، وليتني أسمع الجواب: أَوَحْيٌ جديد هبط من سماء الله عز وجل إلى الأرض ينسخ شرعة ويضع في مكانها شرعة أخرى؟! أرسل وأنبياء بعد خاتم الرسل والأنبياء قد بُعِثُوا ليوضحوا أن فلسطين حق شرعي سائغ لهؤلاء الذين يسرحون ويمرحون ويتبرون كما قال الله عز وجل ما علوا تتبيراً؟! هل بُعِثَ رسل وأنبياء بشرعة جديدة تقول: بل الإسرائيليون هم الناس البرآء المظلومون أصحاب الحق وأن الفلسطينيين هم الظالمون، هم العتاة وهم الباغون وهم الذين يتبرون اليوم ما علوا تتبيراً؟! كيف؟ كيف؟! أريد أن أسمع الجواب، وإلى أن أسمع الجواب أقول لكم متبرعاً باختصار شديد الجواب: الجواب يا عباد الله يتمثل في فرق ما بين تعامل المسلمين اليوم مع الإسلام وتعامل سلفهم الصالح مع الإسلام، نحن اليوم، أو كثيرون من المسلمين اليوم يتعاملون مع ما يسمى اليوم الإسلام السياسي أي الإسلام الخاضع للرؤى السياسية المختلفة، أما المسلمون الصادقون مع الله وكتابه ورسوله بالأمس فقد كانوا يتعاملون مع ما يسمونه السياسة الإسلامية أي السياسة الخاضعة للإسلام وانظروا إلى فرق ما بين المبدأين، انظروا إلى سلفنا الصالح الذين نشرف بأننا نسير على أقدامهم، نسير على نهجهم، نتمسك بالقيم التي تمسكوها معتصرة من كتاب الله وسنة رسوله r، مبدؤهم إتباع السياسة الإسلامية أي الخاضعة للإسلام المتفقة مع أوامر الله عز وجل، أما اليوم فقد آل الأمر إلى النقيض تماماً، الإسلام نعم ولكن على أن يخضع للسياسة، الإسلام نعم ولكن على أن يخضع للرؤى المزاجية، الإسلام نعم ولكن على أن يخضع لمحالفة ما بيننا وبين العدو، عدو الله وعدو الدين وعدو الأمة، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر، وأشهد أن لا إله إلا الله إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً.

أما بعد فيا عباد الله: لا أعلم حكماً سلوكياً بعد الأحكام البدهية المعروفة في دين الله عز وجل أجمعت عليه الأمة منذ صدر الإسلام إلى يومنا هذا كإجماعهم بالقول والسلوك على ضرورة الدعاء لأولياء أمور المسلمين أن يلهمهم الله الرشد وأن يصرفهم عما لا يرضيه وأن يحبب الله إليهم الإيمان وأن يزينه في قلوبهم، وأن يكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان. هذا ما اتفق عليه الخلفاء الراشدون والمسلمون الذين كانوا من حولهم، وهذا ما قاله إمام الهجرة الإمام مالك وهذا ما قاله العالم الرباني الفضيل بن عياض: (لو أن لي دعوة مرجوة القبول لجعلتها في ولي أمر المؤمنين) وهذا ما قاله عبد الله بن المبارك، وهذا ما أفاض فيه الإمام الغزالي في كتابه الإحياء، ولكني أعود فأذكركم بمشكلة المزاج الذي يأبى كثير من المسلمين إلا أن يكون مسيطراً على وحي الله عز وجل وتعاليم المصطفى صلى الله عليه وسلم في كياناتهم، هذه مشكلة المشاكل باختصار يا عباد الله، أصحاب هذه الأمزجة يقول أحدهم لا. بل ندعوا الله عليهم ما دمنا لا نرضى عنهم فإذا أعلن المزاج الرضى عنهم تحولنا إلى الدعاء لهم، ما الدليل على ما تقول. يقول قائلهم: ها هو ذا محمد صلى الله عليه وسلم دعا شهراً على قبيلتي رعل وذكوان دعا عليهم ولم يدعو لهم.

انظروا يا عباد الله كيف يحجب المزاج الإنسان عن بدهيات الإسلام، هل كان في قبيلة رعل وذكوان من أولياء أمر المسلمين، هل كان فيهم واحد يقود المسلمين .. كان خليفة للمسلمين كان ولي أمر المسلمين، ثم من هؤلاء الذين دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً كاملاً؟ إنهم القتلة الذين قتلوا 99 شخصاً من عيون أصحابه، لم يفعلوا شيئاً، لم يشهروا سلاحاً، ولكن جريمتهم أنهم اتجهوا إلى نجد تنفيذاً لأمر لله عز وجل ودعوا للإسلام، هؤلاء خضعوا للقصاص، هؤلاء قتلة، وها نحن ندعوا على القتلة. ولكن يا عجباً لمن حجبه مزاجه عن دين الله، يأبى أن يدعوا لولي أمر المسلمين لا بصحة لا بطول العمر، وإنما يأبى أن يدعو له بالهداية، بالسير لطريق الرشد، بالابتعاد عن طريق الضلال والغي، يأبى، لماذا لأن مزاجه مصر على أن يدعو عليه.

أيها الأخوة: هذا النموذج من نماذج كثيرة تشكل المشكلة الكبرى في حياة المسلمين اليوم، نحن نتكلم باسم الإسلام، نرفع شعارات الإسلام فوقنا، نعم ذلك لأن هذا الشعار يفيد، ولأن هذا الشعار رأس مال يمكن أن نتاجر به، ولكن عند التنفيذ أنهرع إلى الانقياد لكتاب الله ورسوله أم نهرع إلى الانقياد لأمزجتنا، كلكم يعلم الجواب، عندما نتحرر من أمزجتنا، نتحرر من أنفسنا ونعلن لأنفسنا مع ذاتنا مع قلوبنا بأننا لسنا عبيداً لمزاج، لسنا عبيداً لهوى، لسنا عبيداً لشهوة، لسنا عبيداً لحاكم ولا لمحكوم. ولكنا عبيداً لمولانا الذي سنقف غداً بين يديه، في هذه الحالة نرجع إلى كتاب الله، ونرجع إلى هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعجب الناس به أو لم يعجبوا. الدواء أن نتحرر من أمزجتنا يا عباد الله. رعل وذكوان دعا عليهم رسول الله إذن يجب علينا نحن أيضاً أن ندعوا على حكامنا، وكأن رعل وذكوان هم خلفاء المسلمين، ها هو رسول الله دعا لثقيف. اللهم اهد ثقيفاً وأت بهم مؤمنين، ومن هي قبيلة ثقيف؟ هم أولئك الذين طردوه عندما كان في الطائف، هم الذين أدموا جسمه وقدميه، ها هو ذا دعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه لم يكن واحد منهم ممن قتل 70 من عيون أصحابه، ولذلك نحن نتقرب إلى الله بالدعاء لأنفسنا وبالدعاء لقادتنا على النحو الذي أمرنا به.



تشغيل

صوتي
مشاهدة